طالعت في النسخة الالكترونية «للشارع المغاربي» الصادرة يوم 5 سبتمبر 2017 مقالا طريفا للسيد محمد العربي السنوسي تحت عنوان «الشارع المغاربي يكشف: مؤسس جريدة «الصّباح» كتب ولحّن أغنية «عرضوني زوز صبايا». وبقدر ما اشكره أولا على الاهتمام الجدّي والمتواصل بنفض الغبار على التراث والمحافظة على المخزون الثقافي التونسي وثانيا على دعوته لشبابنا اليوم من اجل تجذير ثقافته وعقلنة ذاكرته الغنائية والغوص في تراثنا الوطني وتمحيصه، بقدر ما أثار مقاله في ذهني بعض الملاحظات فأسرعت إلى تدوينها كما يلي. 1- اعترف أني لست من المختصين في التراث الغنائي، ولكن وددت لو أن صاحب المقال الذي أعاد ملكية التأليف والتلحين لأغنية «عرضوني زوز صبايا»، التي تغنت بها المطربة الخالدة صليحة، إلى الصحفي اليهودي التونسي «يعقوب كوهين» اعتمادا على ما جاء في مرجعه المذكور، أي مقالات دانيال حجاج المترجمة، وددت أن أفيد القراء بمرجع آخر له علاقة بهذه الأغنية وليس بالضرورة من حيث التلحين ولكن من حيث الاحتمال الشديد أن يكون كوهين قد استوحى هذه الأغنية من ذاك المرجع إن لم نقل اقتبسها أو»اختلس» منه بعض الأبيات. والمرجع هو «ملزومة عرضوني زوز صبايا» للشاعر علي مطية الدريدي المتوفى سنة 1825 أي قبل ميلاد يعقوب كوهين نفسه، والتي أوردها الباحث الفرنسي قسطنطين لويس سونك في كتابه «الديوان المُغرب في أقوال عرب إفريقية والمَغرب» والتي نقتطف منها هذه الأبيات: «يا سامع طرز غنايا... هذا قحار...سامور في وسط حشايا ...طالق نار حسكو جاشي واعضايا...عيشي مرّار...وانا صابر عل دايا...ذاك النهار عرضوني ضيق عشية...يمشوا بالفنطازية...خلوا كبدي مشوية... عيشي مرّار...وانا صابر عل دايا...ذاك النهار فيهم وحدة بالزايد...ندهكل مثل القايد...لبست زوزين حدايد...امعاها سوار معصمها مثل المرايا...ذاك النهار فيهم وحدة تدرّج...بحزام المور معرّج...قالتلي ما تتفرج...هات الخطار ثابت بيعي شرايا...ذاك النهار (...) ثم فرحنا وهنانا...قالوا للدار ايجانا...آه يا حضار...وحدنا لا شريك معانا نخرجولك حفايا ..ذاك النهار حطيت يدي عل الحلقة...وأنا داخل للزنقة...تخطف الأبصار...نلقاهم يحكو بالدرقة... زاد عشقي واهوايا... ذاك النهار (...) دقيت الباب بظفري...هبطتلي ولفي تجري...مالت لباس العكري...زين العجار...والحايك والذرّايا ...ذاك النهار طحنا لثنين سكارة...نا وعويشة المسرارة...ومزجت الريق قطار..كنه العقار وأنا صابر عل دايا ...ذاك النهار روحت بغير مزية ودموعي عل خدي...قال علي ولد مطية...سلامي جهار للي يفهم معنايا ...ذاك النهار...عرضوني زوز صبابا... وحدة قمر...والأخرى شمس ضواية...ذاك النهار» فهل في تلك الجُمل الغنائية ما يكفي لإبراز هذا الاقتباس/ الاختلاس أم أن تسلّل تلك الجُمل من قصيدة إلى أخرى لم يكن سوى مجرد صدفة...الله اعلم. وقبل أن اختم هذه الملاحظة، أدعو بكل لطف من يحاول في بعض المواقع الالكترونية إلصاق كلمات الأغنية التي اشتهرت بها صليحة لماجدة الرومي إلى الترفع عن مثل هذه الترهات... ولا أتصور أن تلك الفنانة العظيمة تتشرف بقبول مثل هذه المزاعم السخيفة وهي التي أطربت الجمهور باستحضار هذه الأغنية في بعض حفلاتها دون المجازفة حسب علمي بادعاء ملكية هذا التراث التونسي... 2- الملاحظة الثانية تهم بعض التوضيحات حول أعمال يعقوب كوهين نفسه حيث يشير السيد العربي السنوسي أن» أهمّ ما عُرف عن يعقوب كوهين هو أنّه أصدر أوّل جريدة يومية، باللهجة العبرية البربرية، ألا وهي جريدة «الصباح» وذلك منذ فيفري 1904 التي واصلت الصدور إلى حدود 1940 «... والاعتقاد عندي حسب ما ذكرته في رسالة ختم الدروس بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار سنة 1977 ووجدناه مثبتا في الفهرس الذي نشره ج. زوادوفيسكي بمجلة الدراسات الإسلامية الجزء 4 سنة 1937 (صفحة 377 إلى 381) أن تلك الجريدة لم تكن يومية، وإنما كانت نصف أسبوعية وصدرت من سنة 1904 إلى سنة 1929، رغم أن الأخ الأستاذ محمد حمدان يذكر في كتابه «مدخل إلى تاريخ الصحافة في تونس 1838-1988» أن الجريدة كانت بالفعل يومية وصدرت إلى غاية 1924. أما الاختلاف في تواريخ نهاية الصدور فربما يعود إلى اعتماد الأستاذ العربي السنوسي على النسخة التي أصدرها صهر يعقوب كوهين إلى حدود سنة 1940. ولكن يبقى السؤال عن السبب الذي جعل زوادفيسكي يهمل الإشارة إلى ذلك ويعتبر دوريتها «نصف أسبوعية»... ومهما يكن من أمر، فان أول صحيفة صدرت بتونس باللغتين العبرية والفرنسية ليست «الصباح» بل هي «العمالة التونسية (la Régence Tunisienne) سنة 1878 لصاحبها ابراهام الطيب وكانت ذات محتوى أدبي. وأما الجريدة التي تعتبر بالفعل أول صحيفة عبرية يومية في البلاد فهي جريدة «التلغراف» التي صدرت في جوان 1889ببادرة من الناشر اليهودي مسعود معرك وأشرف على إدارتها كوهين غنونة. وكانت تترجم برقيات وكالة هافاس الفرنسية غير أنها لم تعمر إلا سنة واحدة بسبب المشاكل المادية التي واجهتها. وفي شهر فيفري 1904 (مرجع د.محمد حمدان يذكر نوفمبر وليس فيفري)، أصدر يعقوب كوهين جريدة «الصباح» اليومية المذكورة في مقال السيد العربي السنوسي التي عوّضت جريدة «الشمس» الصادرة خلال شهر جانفي من نفس السنة والتي كانت حسب ما هو مدون أسبوعية ذات محتوى علمي أدبي وإخباري، فيما توجهت عناية جريدة «الصباح» نحو الأخبار السياسية. وعلى فكرة فقد كانت لنا أيضا، بمناسبة إعداد رسالة ختم الدروس في غضون سنة 1976والتي خصصناها ل «الدعاية الصهيونية في تونس» من خلال بعض الصحف اليهودية الصادرة بين سنتي 1920و1926، فرصة ثمينة للاطلاع على ذاك الكنز الثمين والثري الذي أشار إليه السيد محمد العربي السنوسي، سواء في مقاله المنشور أو في رسالته الجامعية حول «الأنشطة الصهيونية بتونس ما بين الحربين» وهو كنز تزخر به المكتبة الوطنية، ويحتاج بالفعل إلى مزيد الدرس والتمحيص لإثراء ذاكرتنا واستبطان مخزوننا الثقافي الحضاري والاستفادة منه. 1 - الديوان المغربي في أقوال عرب إفريقية والمغرب. جمع وتصنيف : قسطنطين لويس سونك - مدير المدرسة الكتانية بقسنطينة - طباعة ونشر : مطبعة أجوست بوردان. 1902 2 - مدخل الى تاريخ الصحافة في تونس 1988 - 1838 د،محمد حمدان، منشورات معهد الصحافة وعلوم الأخبار 1992