"2018 سيكون عام التحدي الاقتصادي الذي قد لا يتمكن قادة دول بالمنطقة من هزيمته"، بهذه العبارة استهل الكاتب والمحلل السياسي عبد الباري عطوان توقعاته للمشهد السياسي بالمنطقة العربية للعام الجديد. بدأ عطوان حديثه، مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، بالإشارة إلى الاحتجاجات الأخيرة في إيران، حيث سخر ممن روجوا أو راهنوا على قدرة المظاهرات الأخيرة على إسقاط النظام. وقال :”للأسف، الاختلاف الطائفي والسياسي دفع البعض وتحديدا بإعلامنا العربي للذهاب بعيدا … المظاهرات الأخيرة كانت بالفعل دليلا على أن إيران تعيش أزمة اقتصادية كبيرة، نتيجة العقوبات والتوسع في الإنفاق التسليحي… ولكن هذا كله لا يعني السقوط، فإيران قوة إقليمية ولا ينبغي تناسي ذلك، أو تناسي أن الدعم الأمريكي والعربي العلني للاحتجاجات شكك في مصداقيتها وأفقدها زخمها، لأنه كان بالأساس نكاية في نظامها لا تعاطفا مع المحتجين”. ورأى أن من أبرز أسباب تنامي قدرات إيران هو أنها "تعيش على أخطاء العرب، ليس أكثر"، وأوضح :”محور الاعتدال الذي تقوده المملكة العربية السعودية أخفق في تحقيق أهدافه بكل الجبهات وهو ما ظهر جليا خلال أزمة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، أو بسورية حينما اختاروا دعم فصائل مسلحة لسنوات طويلة رغم تشددها، وبالنهاية هزمت". واستطرد :”كما لم يكن لمحور الاعتدال أي دور واضح في التصدي لانفصال إقليم كردستان عن العراق في حين كان قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني كلمة السر وحاضرا في قلب السليمانية … وها هي إيران عبر ذراعها اللبناني حزب الله تدعم بقوة حق المقاومة الفلسطينية بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ما زاد من شعبيتها بدرجة كبيرة، بينما اكتفى محور الاعتدال بالتنديد والشجب ونفي سطحي لما أثير من شبهات طالته بالتطبيع مع إسرائيل حول هذا القرار”. وبالرغم من استمرار التظاهرات بتونس للأسبوع الثاني، إلا أن عطوان لا يتوقع تطورها لثورة جديدة، لافتا لحالة التوافق المستمرة بين قطبي التحالف الحاكم: أي حزبي النهضة ونداء تونس. ورغم ذلك، فقد حذر حكومة يوسف الشاهد من خطورة عدم الانتباه إلى أن “ثورة تونس الأولى كانت جذورها اقتصادية بالمقام الأول”. أما بالسودان، فقد اعتبر عطوان أن الاختفاء السريع للمظاهرات الاحتجاجية على ارتفاع أسعار السلع الغذائية كان طبيعيا “نتيجة القمع الأمني أو عشوائية الاحتجاجات، وهذا أيضا كان متوقعا في ظل عمل النظام الدؤوب لإضعاف وحصار المعارضة لسنوات”، متوقعا لجوء الرئيس السوداني عمر البشير إلى “إلهاء الرأي العام بفتح ملفات قديمة أو التلويح بتصعيد ضد إريتريا أو مصر”. أما بالنسبة للشأن المصري، فيؤكد عطوان أن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بعهدة جديدة أمر محسوم ، خاصة “في ظل حالة تراجع الحريات وتزايد الإجراءات الأمنية والضعف الذي تعاني منه شخصيات وأحزاب المعارضة، وتحول الرأي العام عنها إلى المعارضة النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي”. إلا أن عطوان، مؤسس ورئيس تحرير جريدة “رأي اليوم”، استدرك وأكد أن “فوز السيسي لا يعني نجاحه في علاج مشاكل مزمنة لا يزال يَصدُع بها رأس نظامه، وفي مقدمتها ملف الإرهاب بسيناء، فضلا عن أم المشاكل أي الأزمة الاقتصادية، ثم هناك عصب حياة المصريين أي حصتهم من مياه نهر النيل بعد بناء سد النهضة (في إثيوبيا) … وأيضا التواجد التركي في سواكن (السودانية على البحر الأحمر) والميليشيات المتطرفة في شرق ليبيا”.
أما فيما يتعلق بموطنه فلسطين، فعلى خلاف كثيرين، يعتبر عطوان أن قرار ترامب بشأن القدس “كان ضروريا لإفاقة الواهمين بالمنطقة من إكمال مسار تهدئة لم يتحقق يوما وتسبب في إضاعة 80% من الأراضي الفلسطينية، فضلا عن أن القرار رفع حرجا كبيرا عن السلطة وقيادات عربية من مغبة التسليم الرسمي أمام شعوبهم فيما عرف بصفقة القرن”. وأوضح :”الصفقة كانت تتلخص بالتنازل عن القدس نهائيا ونقل جزء من الفلسطينيين لسيناء والأردن والقبول بدولة منزوعة السيادة ذات عاصمة صورية في أبو ديس، وهي إحدى ضواحي القدس … انتهى هذا كله ولن يستطيع أحد بعد ما أظهره الفلسطينيون من غضب ورفض للقرار من الضغط عليهم للقبول بأي مخطط يكمل تلك الصفقة المشؤومة”. وأضاف :”المظاهرات كانت خجولة بعالمنا العربي، ولكنها بالأراضي المحتلة استمرت رغم تأرجح قوتها من أسبوع لآخر، … والآن السلطة مطالبة بأن تكون على مستوى الشارع وتسحب فعليا، وليس بقرارات رنانة، اعترافها بإسرائيل وبكل الاتفاقيات معها والعودة لمربع المقاومة، وهذا سيؤدي بلا شك لتعزيز مناخ المصالحة مع حماس … الجميع عليه أن يكون بمستوى الشارع وثورته وتضحياته”.
أما بسوريا فقد اعتبر عطوان أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو صاحب النصر الحقيقي هناك، متوقعا أن “يمضي في خطته للقضاء على تنظيم جبهة النصرة في إدلب حتى لا يكون شوكة يغرسها الأمريكان في ظهره ويهاجمون منها قواعده في حميميم وطرطوس، مثلما حدث مؤخرا”. وأشاد في الوقت ذاته بصمود الدولة السورية وجيشها في مواجهة تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة. وقال :”مؤتمر الحوار السوري في سوتشي سيكون كلمة النهاية للأزمة السورية، وإن استغرق تنفيذها عامين أو أكثر … المعارضة المسلحة بفعل سياسات خفض التصعيد الروسية تآكلت فعليا، بعدما كانت شعبيتها قد تدهورت لتطرف بعضها … نعم الأمر قد يبقي الرئيس السوري لعام 2021 ولكن مطالب الشعب السوري من حرية ومساواة وديمقراطية سيتم ترجمتها بعناية في الدستور الجديد … وروسيا لن تسمح للأسد بالعودة لما قبل 2011 أو ممارسة أي أعمال انتقامية”. وأضاف :”بوتين، الذي سيتوج بلا جدال قيصرا لروسيا لمدة رئاسية جديدة، سيضع همه على إعادة إعمار سورية. وقد ينقل اهتمامه للشاطئ الأفريقي حيث ليبيا، التي وإن كنا لا نعرف من سيفوز بانتخاباتها فإننا نتمنى ألا يُقصى أحد من المشاركة بها"