إن شعبا بلا لغة سليمة وقوية هو شعب بلا هوية ، فاللغة هي شخصية الشعوب ، وقد كان السباق ،طيلة العصور الماضية ،على أشده بين الأمم ،لفرض لغاتها ، ومازال هذا السباق متواصلا ولن يتوقف أبدا، فاللغة الأنڨليزية اليوم هي عنوان الهيمنة الأمريكية على جميع المستويات حتى قيل أن الأمية في هذا العصر ،هي في جانب أساسي، عدم إتقان الكتابة بلغة شكسبير !!! وقد إضطرم الجدال،خلال السنوات الأخيرة، في بلدان متقدمة كفرنسا وألمانيا حول ما آلت إليه أوضاع لغاتها بعد إنهيارها أمام اللغة الأنڨليزية مما إستوجب إتخاذ إجراءات عملية عاجلة لإيقاف هذا الإنهيار المتسارع في حين مازال العرب في غفلة من أمرهم ولغتهم تتآكل كما تآكل نفوذهم ، وقد شعرت بالألم يعتصرني وأنا أجوب بهو مطار أحد الأقطار العربية الخليجية فالجميع هناك من عملة وموظفين لا يتكلمون إلا الأنڨليزية ولا أثر للغة العربية في تلك الربوع فحتى المعلومات والمناشير وبطاقات الإرشادات مكتوبة باللغة المهيمنة الآن في العالم. بقي أن حالنا في تونس لا يقل كارثية إذ تدهورت لغة الضاد في المدارس والمعاهد والكليات والمؤسسات الوطنية ،وفي الإذاعات والتلفزات وخاصة العمومية منها والتي من مهامها الأساسية المحافظة على لغة البلاد، كان يمنع في السابق ، وخاصة في العهد البورقيبي وبداية عهد بن علي ، إستعمال مذيع أو منشط للغة غير العربية الفصحى،وكان العديد من مدققي اللغة وخبرائها مجندين طوال الوقت لوضع العلامات على حروف النصوص المعدة للقراءة ، أمثال مصطفى خريف وزين العابدين السنوسي وغيرهما من كبار الشعراء والقصاصين واللغويين ، أما اللغة الدارجة فكانت لها منابرها الخاصة وتتمثل بالخصوص في حكايات ومسامرات عبد العزيز العروي ثم النشرة الإخبارية اليومية لعبد المجيد بوديدح وتعليقاته على الأحداث ، . كانت الإذاعة والتلفزة مجندتين لحماية اللغة الأم كذلك صحف ذا ك العصر التي رفضت في أواخر ستينات القرن الماضي نشر قصص البشير خريف التي تغلب على سردها اللغة العامية وقصائد شعراء الطليعة للسبب ذاته ، ولم تسلم إذاعة تونس الدولية من حملات التنديد بوجودها لأنها ناطقة باللغة الفرنسية في بلد لغته العربية ، ولو أن تلك الحملات التي إستهدفتها لم تكن مبررة إطلاقا بآعتبار وجودها كان لفتح نافذة على الآخر وثقافته تغير اليوم كل شيء وأصبحت إذاعاتنا وتلفزاتنا،العمومية منها والخاصة مصدر إنتهاك للغتنا العربية والعبث بقواعدها بل عوضتها بلهجة هجينة تهدد أحد أهم مقومات هويتنا الحضارية وشخصيتنا الوطنية