يمكن إعتبار ظاهرة الفقر الزاحف بسرعة وشراسة كبيرتين، والذي صنف بلادنا ، أخيرا ، كرابع الدول الأكثر فقرا في العالم العربي ، أخطر أزمة تعترض البلاد في هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة والحرجة من مسيرتها، خاصة وأن تردي الأوضاع الإقليمية وتواصل ما يشبه الحرب الأهلية في ليبيا وما تداعى عنها من مشاكل إرتدادية على بلادنا زاد في تعميق أزمة الفقر المتفاقمة بشكل مزعج. لا بد من التذكير في هذا السياق بأن الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه من بناة الدولة الحديثة كانوا قد جعلوا من محاربة الفقر ، منذ الأيام الأولى التي تلت إستقلال البلاد ،" الجهاد الأكبر"، فوضعوا للغرض، خططا آنية عاجلة وأخرى آجلة وأكثر تفاصيل ، وآليات تنفيذ ومتابعة ومراقبة وتقييم، حتى تحققت نجاحات باهرة نوهت بها المنظمات الأممية المختصة، ثم واصل الوزير الأول، المصلح الإجتماعي والإقتصادي الهادي نويرة محاربة آفة الفقر ب0ستنباط وسائل وطرق وأساليب أخرى أثبتت فاعليتها وتبنت تطبيقها العديد من بلدان العالم الثالث في إفريقيا وآسيا بالخصوص، وأصبحت التجربة التونسية في هذا المجال مثالا يقتدى به ، لتتواصل عبر آليات جديدة في أواخر ثمانينات و طيلة تسعينات القرن الماضي ولم تتعثر وتفقد زخمها تدريجا إلا قبل سنوات قليلة من سقوط النظام السابق. أردنا التذكير بهذه الحقائق للتأكيد على أهمية وفاعلية التجربة التونسية في مكافحة آفة الفقر ، بمعنى أن حكومة يوسف الشاهد ليست هي الحكومة الأولى، في تاريخ بلادنا منذ الإستقلال ، التي تجد نفسها في مواجهة هذه الآفة الخطيرة ، وإن الإرث الهائل من التجارب في مواجهة الفقر موجود على ذمتها ويمكن لها أن تستفيد منه، خاصة وأن الكثير من الكفاءات الوطنية ، التي ساهمت من موقع القرار والتخطيط والتنفيذ في إنجاح تلك التجارب مازالت موجودة وقادرة على الإضافة .