الله اكبر يغادرنا هذا اليوم محمد الصياح ذلك المناضل الدستوري الاستثنائي الذي أفنى عمره في خدمة تونس دون كلل او تقصير وذلك بعد مرض طويل أقعده ولم يقم منه واختاره الله ليكون في جنة الخلد ان شاء رب العالمين بين الشهداء والصالحين تاركا ألما وحسرة في نفس عائلته الصغيرة وفِي نفوس كل المناضلين ومن عرفه واحتك به من قريب او بعيد. فارقنا في هذا اليوم الغائم الحزين وتونس في أشد الحاجة اليه وهي تمر بمرحلة دقيقة كان في إمكانه اعانتنا عليها لولا إرادة الله التي لا مرد لها ونحن بها راضون. ولد في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي في قرية بوحجر المناضلة الغير بعيدة عن المنستير، وأنهى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية ونجح للدخول الى المعهد الصادقي، لكنه بسبب نشاطه الوطني اطرد منه وانتقل ليتمم تعليمه بمعهد صفاقس الثانوي وترك فيها أصدقاء وبقي هو يحفظ لهم حنينا عرفته شخصيا في نهاية خمسينات القرن الماضي وكنا نلتقي في اروقة تلك البناية وكانت زمن الاستعمار نادٍ للضباط الفرنسيين، توطدت علاقتنا اكثر صلب الاتحاد العام لطلبة تونس وكنت معه ضمن الهيئة الإدارية المنبثقة عن مؤتمر رادس الذي انتخبناه أمينا عاما فيه في صائفة 1960 فرقتنا المسؤوليات ولكن صلتنا لم تنقطع أبدا خاصة بعدما عهد له الرئيس بورقيبة دائرة الشباب صلب إدارة الحزب الدستوري لبضع سنين قبل ان يعهد له بادرة الحزب سنة 1964 اثر مؤتمر بنزرت وبقي في تلك المهمة لعدة سنين تخللتها مهام ديبلوماسية واُخرى وزارية وقد ابلى في كل المهام التي تعهد بها وكون أحبة واصدقاء يعتد بهم من المناضلين الصادقين مازال اغلبهم يذكرونه بإعجاب كبير. تمت مضايقته بعد تحول 1987 ومر من التحفظ عليه الى الإقامة الجبرية والمتابعة اللصيقة لعدة سنين، تحملها صامتا وكان دائما يطمئن أصدقائه وزائريه بان تونس اكبر من الجميع، لكنه كان قلقا على مصير الزعيم الذي اخيرا تمكن من السماح له بزيارته والحديث معه تحت رقابة البوليس حول تاريخ الحركة الوطنية التي كانت عزيزة على بورقيبة وكان عهد له بجمع عناصرها وكتابتها كما كان يريد. اكتشفنا بعد الثورة انه كان الوحيد الذي تجرا وكتب رسالة للرئيس بن علي يطلب فيها منه التخفيف على الزعيم. لم تغيره المسؤوليات الكبرى التي تحملها باقتدار كبير لعدة سنين وبقي محافظا على طباعه وبساطة الحياة التي ورثها عن والديه رحمة الله عليهما وعلى جميع المسلمين ، لم يهتم بمباهج الدنيا ولم ينسب له اَي اثراء او تجاوز بالرغم من الكم الكبير من الخصوم الذين كانوا يسعون للإضرار به وزعزعة الثقة التي كان بورقيبة وضعها فيه. مات موتة عادية وأوصى بان يدفن في مقبرة عائلته ببوحجر بالقرب من ابنه الذي توفي اخيرا ولم يتمكن من حضور جنازته وبالقرب من قبر والده ووالدته وترك ارملة مناضلة حملت معه صابرة كل الأتعاب التي سلطت عليه بُدون سبب الا إخلاصه المفرط للزعيم. وإني بهذه المناسبة الاليمة أعزي فيه أرملته السيدة ليليا وابنتيه إشبيليا وكل أفراد عائلته القريبة وكل الدستوريين والتونسيين واتمنى ان يرزقنا الله جميعا الصبر في فقدانه وانا لله وانا اليه راجعون .