جلول: أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    خطير/بينهم تونسيون: قصر يتعرّضون للتعذيب في أحد السجون الإيطالية..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواصل التحضيرات بجنوب إفريقيا    اليوم النظر في شرعية القائمات الثلاث المترشحة لإنتخابات جامعة كرة القدم    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    شكري الدجبي يطالب بمواصلة العمل بالإجراء الاستثنائي لفائدة الفلاحين    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأربعاء 24 أفريل 2024    مفزع/ حفل زفاف يتحول الى مأساة..!!    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    ماذا ستجني تونس من مشروع محطة الطاقة الكهروضوئية بتطاوين؟    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    قفصة: الاطاحة بمروجي مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    اختناق عائلة متكونة من 6 أفراد بغاز المنزلي..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    %39 زيادة رصيد الخزينة العامة.. دعم مكثف للموارد الذاتية    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مزالي : ثورة الخبز خطط لها من قصر قرطاج وبورقيبة أمر باعدامي
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

شغل محمد المزالي منصب الوزير الأول »رئيس الوزراء« في تونس من 24 /2/1980 إلى 8/7/1986 ، في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وكان قبل ذلك وزيرا لعدة وزارات طوال ربع قرن من الزمن يقول لك إنه علي عتبة الثمانين، بينما هو يظهر أصغر من ذلك بسنوات بنية قوية، إطلالة أنيقة.
وتوثب في الحركة يفضح الرياضي العتيق وهو إلي ذلك، صاحب ذاكرة عجيبة، تستحضر الأرقام والتفاصيل بطراءة ذاكرة تلميذ نجيب وهو، هنا علي صفحات مجلة »الوطن العربي« يتذكر، أطوار حياته السياسية، ويبدأ بحكاية النكبة التي ألمت به وبعائلته بعدما أقنعت الحاشية »المجاهد الأكبر« بأن رئيس وزرائه يخطط لإقصائه عن الحكم والتفرد بالسلطة ، إنها حكاية مأساة سياسية وشخصية تستحق أن تروي وأن تقرأ أيضا -.
شهادة أمام التاريخ
-كيف يمكن تصنيف كتابك الأخير »رئيس وزراء بورقيبة يشهد«، هل هو مذكرات أم كتاب ذكريات؟-
- إنه يتضمن المذكرات والذكريات في آن معا وقد أشرفت علي الثمانين من عمري، ورأيت أن الواجب يفرض علي أن أدلي بشهادتي، وأستعرض بعض أطوار حياتي ومساهماتي في تاريخ تونس الحديث، لكي يجد المؤرخون، يوما ما، ولاسيما عندما تهدأ العواطف، مادة يستمدون منها المعلومات كسائر المواد التي يوفرها الأرشيف أو شهادات أشخاص آخرين وهذا، في رأيي، قد يتيح للمؤرخين الاختصاصيين، بعد عشرين أو خمسين سنة، كتابة تاريخ تونس وهذا ما يقع في الدول المتحضرة، أوروبا والولايات المتحدة -.
-من ناحية أخري، ما دفعني إلي كتابة هذه المذكرات، هو أن عددا ضئيلا فقط من رجال السياسة التونسيين قد كتبوا مذكراتهم أضف أن بعض الناس تكلموا عن تاريخ تونس الحديث فقالوا أشياء غير صحيحة، لأن ما ذكروه يدخل في باب الخصومات السياسية والصراع بين أهل السلطة نتيجة لهذا كله، أردت أن أدلي بشهادتي أمام التاريخ، فكان هذا الكتاب »رئيس وزراء بورقيبة يشهد« -.
-ذكرت الأسباب الموضوعية التي حدت بك إلي تأليف هذا الكتاب، فلابد أن هناك أسبابا شخصية لوضعه أيضا، أليس كذلك؟-
- طبعا، طبعا إنني أستحضر، أيضا، المأساة التي ألمت بي وبعائلتي، وهي تتضمن تفاصيل النكبة التي عشتها مع أفراد أسرتي وهنا، أتحدث عن كيفية اضطهادي، واضطهاد زوجتي وأبنائي، ثم كيف صمدت، وبقيت علي مواقفي الثابتة إلي أن رد إلي الاعتبار، وأنصفت، فعدت إلي تونس -.
-وقد ولدت فكرة هذا الكتاب في خاطري، وأنا أتنزه يوما علي ضفاف بحيرة ليمان، في مدينة لوزان السويسرية كنت أعود بفكري إلي الماضي، بينما أقطع علي القدمين عددا من الكيلو مترات، مستعرضا صورا من طفولتي وشبابي كيف تعلمت، وكيف درست في باريس مستذكرا أجواءها الثقافية والسياسية التي عشتها، إلي حين عودتي إلي تونس وممارستي مهنة التعليم، وشروعي في النضال الحزبي والثقافي لغاية استقلال البلاد ثم رحت أستعرض المسؤوليات الوطنية والسياسية التي عهد بها إلي الرئيس الحبيب بورقيبة مسؤول أول في الشباب والرياضة، مهمة إنشاء تلفزيون تونسي، فوزارة الدفاع الوطني، فوزارة التربية القومية، إلي أن كلفني بالوزارة الأولي في العام -.
-ثم ذكرت محاولاتي إصلاح الأشياء، وأنا في منصب الوزير الأول، ولاسيما الديمقراطية وحرية الصحافة، وقد أثبت ذلك بحجج قاطعة لا تقبل الشك وتوقفت عند ما أسميه، أنا، ب»مؤامرة الخبز«، وليس »ثورة الخبز« كما يطلق عليها البعض، إما خطأ وإما لغرض سياسي لا يمت إلي الحقيقة بصلة -.
-»ثورة الخبز«، أو »انتفاضة الخبز«، كما يطلق عليها المؤرخون، قامت في 3/1/1984 ، ونادي، خلالها، المتظاهرون بهتافات من مثل »لا إله إلا الله، بورقيبة عدو الله« - ..
- هذا النوع من الشعارات هو من باب الفلكلور، لا أكثر ولا أقل ولكن الحقيقة التي يجهلها الناس، وهي أن »مؤامرة الخبز« هذه، جاءت من فوق، ومن قصر بورقيبة بالذات، لقد خطط لها في القصر الرئاسي، ولم تأت، كما ظن البعض من الشعب أو من المعارضة -.
-لنا عودة تفصيلية إلي »ثورة الخبز« أو إلي »مؤامرة الخبز«، كما تطلق عليها ما هي الأبواب الأخري التي ضمنتها كتابك؟-
- تناولت في الأبواب الأخري علاقاتي الخارجية مع المغرب والمشرق العربي، لاسيما موقفي من احتلال العراق للكويت الذي عبرت عنه في مقالتين، واحدة في جريدة الشرق الأوسط، وثانية في الأسبوعية الباريسية »لونوفيل أوبسرفاتور« - -ثم ختمت الكتاب بمقال عن الحبيب بورقيبة، كما عرفته في عنفوان قوته، لا كما آل إليه في أرذل العمر بورقيبة، الزعيم والنابغة كما عرفته وأنا شاب إنه كتاب، يضم بين دفتيه عمر إنسان كاملا -.
ما هي المواد الأرشيفية والتوثيقية التي رجعت إليها لدي كتابتك هذا الكتاب؟
- لم أعتمد علي أرشيف ولا أي شيء آخر، باستثناء بعض المجلات والصحف التي لجأت إليها مضطرا لضبط التواريخ، ليس أكثر الكتاب بكامله جري من الذاكرة، واستغرقت كتابته سنتين، هنا، في باريس -.
أليس لديك أرشيف؟
- كان لدي أرشيف، طبعا ولكن عندما حلت بي المأساة، جاءوا إلي بيتي وأخذوا جميع أوراقي وعندما أعيد الاعتبار إلي، لم أرغب في طرق الأبواب واستجداء أوراقي وأرشيفي المصادر، فعمدت إلي كتابة مذكراتي من الذاكرة مباشرة - .
مأساة رئيس وزراء
-متي حلت بك وبأسرتك المأساة، وما السبب في ذلك؟-
- قبيل ترحيلي من منصب الوزير الأول، بدأت تلوح لي في الأفق بوادر المأساة التي ستصيبني وتصيب أسرتي، ونعاني منها، جميعنا، أقسي المرارات بعد أيام قليلة من عزلي في الثامن من يوليو »تموز« 1986 ، ألقي القبض علي ابني الأكبر، ويدعي المختار ولم تمض غير أيام قليلة.-
كيف كانت ردة فعلك إزاء حكم الإعدام الذي صدر في حقك؟
- هنا، تأملت في نفسي، وقلت إنني لا أخشي السجن وقد دخله قبلي رجال أبرياء وشجعان، لكنني سأعمل ما بوسعي لأنجو من حبل المشنقة لذلك عملت علي وجه السرعة علي خطة تمكنني من عبور الحدود التونسية الجزائرية -.
من ساعدك في إعداد خطة الهروب إلي الجزائر؟
الخطة وطريقة الهروب من إعدادي الشخصي ولم يعلم بذلك سوي رجل واحد في تونس .
-من هو؟ لماذا ترفض تسميته؟ هل هو زين العابدين بن علي، رئيس تونس الحالي؟-
- لا، أبدا زين العابدين بن علي كان وزيرا للداخلية، يومئذ، وكان مسؤولا عن بقائي في تونس، وليس لمساعدتي في الهروب منها المهم، تركت ابني وصهري في السجن، واجتزت علي القدمين الجبال والغابات في الشمال التونسي وصولا إلي الأراضي الجزائرية، بعدما قاسيت ما قاسيت من أهوال العبور في تلك المناطق الوعرة التي تكثر فيها الذئاب والخناذير البرية، والمهاوي أيضا، إذ زلت بي القدم غير مرة علي الصخور والمنحدرات، وكدت أسقط في قاع الوادي، لولا أن لياقتي البدنية، وأنا رياضي منذ صغر سني، أنقذتني في المواقف الصعبة، لكن من غير أن يحول ذلك عن إصابتي بعدة جروح ومازلت أحتفظ، إلي الآن، بعدد من المناديل الملطخة بالدماء، كنت أمسح بها جروحي المدماة وكان تاريخ هروبي إلي الجزائر، يوم الثالث من سبتمبر »أيلول« 1986 -.
-عندما وصلت الجزائر، استقبلني الإخوة المسؤولون هناك، أحسن استقبال، وفرحوا بنجاتي وبقيت في الجزائر، أربعة أيام، تأكد خلالها المسؤولون الجزائريون من براءتي، ومن بطلان التهم التي وجهت إلي، كمثل إنني سرقت ميزانية تونس ووضعتها في حقيبة حملتها معي إلي الجزائر، هذا في حين أنني لم أكن أملك سوي القميص الذي ارتديه -.
من هم المسؤولون الجزائريون الذين استقبلوك في ذلك الوقت؟
- عدد من الإخوة الجزائريين المسؤولين، وفي طليعتهم الرئيس الشاذلي بن جديد، جزاه الله خيرا، والأخ المرحوم الشريف مساعديه الذي كان يشغل المنصب الأول في الحزب الحاكم وغيرهما من مسؤولين كنت أتعاون معهم جميعا، لوجه الله، لنصرة قضايا أمتنا -.
عذاب الدولاب
-ومازلت أذكر الأسئلة التي وجهها إلي الأخ المرحوم، الشريف مساعديه، مندهشا من قيامي بمثل هذه المغامرة، غير المأمونة العواقب، عبر الجبال والغابات وقال، رحمه الله كيف قمت وحيدا بعبور هذه المنطقة المزروعة بالألغام الأرضية منذ أيام ثورة استقلال الجزائر؟ وأضاف »هل تعلم يا سي محمد أن عددا كبيرا من شباب الثورة قتلوا أو جرحوا، خلال حرب التحرير، بسبب هذه الألغام؟« أجبته لم يكن لدي خيار آخر، فعزمت وتوكلت - -بقيت أربعة أيام في الجزائر، وغادرتها إلي جنيف، بعدما أعطاني الإخوة الجزائريون أربعة آلاف فرنك فرنسي »حوالي ثمانيمائة دولار« وتذكرة سفر ذهابا الجزائر جنيف - .
لماذا لم تبق في الجزائر؟ ألم يعرض عليك البقاء؟
- لم يعرض علي أحد البقاء، كما أنني آثرت المغادرة لكي لا أحرج الإخوة المسؤولين عندما وصلت إلي جنيف ركبت القطار إلي لوزان، حيث عائلتي الثانية، وأعني اللجنة الأوليمبية الدولية في هذه اللجنة لي أصدقاء كثيرون، وهم يعرفون نظافتي وإخلاصي، هذا فضلاً عن أنني كنت قد وصلت في العام 1980، إلي منصب نائب رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية وكان أن أخذت اللجنة علي عاتقها تغطية نفقاتي المعيشية اليومية في لوزان -.
-وما أن استقر بي المقام، في المدينة السويسرية، حتي هتفت إلي منزلي، في تونس، للاستعلام عن حال العائلة فأخبرت بأن ابني الآخر، رفيق، وهو أستاذ في جراحة الطب، ألقي القبض عليه وسيق إلي زنزانة في وزارة الداخلية، وهو الآن، يعذب أشد العذاب وقد أغمي عليه مرتين، إذ عروه من ثيابه وربطوه في دولاب يدور به كما لو كان خروفاً مسلوخاً ولم يكتفوا بما تم، بل ألقوا القبض علي ابنتي، سارة، وكانت صبية في العشرين من عمرها، وزجوا بها في سجن ممتلئ ببنات هوي، أي ذلك النوع من النساء الذي تلتقطه الشرطة في الساعة الثانية بعد منتصف الليل .
أما زوجتي، وكانت وزيرة سابقة ورئيسة اتحاد نسائي، فقد وضعت في الإقامة الجبرية هذا فضلاً عن أنهم اقتحموا منزلي وأخذوا جميع أوراقي الشخصية وأرشيفي الخاص وعلي سبيل الفكاهة، لقد احتجزوا عقد زواجي، ولم أسترجعه إلي الآن - .
-وصمدت زوجتي تجاه هذه المآسي وصبرت، وكانت تمضي مرة في الأسبوع إلي سجن تونس حيث يقبع صهرها فتعطيه سلة الأكل، بعد انتظار ساعات في الطوابير لكي يحين دورها وكذلك كانت تقوم بالذهاب إلي بنزرت، مرة في الأسبوع، لزيارة ابنها المختار، وإعطائه سلة الأكل -.
وماذا بالنسبة إلي ابنيك الآخرين وبنتك سارة؟
- ابني ، رفيق وحاتم سجنا بضعة عشر يوماً، أما ابنتي سارة فسجنت عشرة أيام بينما ابني المختار وصهري، فقد سجنا سنة ونصف السنة -.
ولماذا كان هذا الانتقام من أبنائك وصهرك؟
- طبعاً، كان من أجل أن أعود إلي تونس لكن لم يخطر ببالهم أن أكون صلباً إلي هذه الدرجة وكذلك زوجتي التي وقفت في وجههم وتحدتهم جهاراً غير عابئة بما يلحق بها وبأبنائها -.
كم بقيت في لوزان؟ وهل كنت تتصل بالعائلة من هناك؟
- بقيت في لوزان مدة عشرة أشهر، وكنت دائم الاتصال بالأسرة وبالأصدقاء بالهاتف الذي لم يقطع في بيتي لكي تستطيع الشرطة أن تتجسس علي مكالماتي ومن لوزان، قمت بحملة إعلامية في التلفزيون والإذاعة والصحف الفرنسية شارحاً قضيتي وهذا ما أثار جنونهم في تونس، لأنهم كانوا يتوقعون أن أنهارو لا أقوي علي الصمود أمام هذه العاصفة -.
-وفي العشرين من أبريل »نيسان« 1987، وكنت ما أزال في لوزان، نظموا محاكمة غيبية لي، في تونس وبعد أربعين دقيقة فقط، أصدرت المحكمة في حقي حكماً يقضي بسجني خمسة عشر عاماً، وتغريمي بدفع مبلغ سبعمائة ألف دولار ونشر خبر المحاكمة في الصحف التونسية وبعض الصحف العربية، وتحامل علي بعضهم وكنت قد أديت له خدمات ومن بين هؤلاء، صحفي سوري كان يعمل في مجلة عربية تصدر في لندن وكان هذا الشخص قد أتي من قبل إلي تونس، يوم كنت وزيراً أول، وطلب مني مقابلة صحفية، فاستقبلته وأجريناها في مكتبي بعد الانتهاء منها قال لي متوسلاً »أنا محروم من جواز سفري السوري لأن النظام يحسبني من ضمن المعارضة ألا تستطيع يا سيادة الوزير الأول أن تتوسط لي لدي السفارة السورية في تونس لكي يعيدوا إلي جوازي« قلت له أبشر وفي اليوم التالي سلمته يداً باليد جواز سفره أديت له هذه الخدمة لوجه الله ولكونه من رجال الصحافة -.
-كيف كانت ردة فعل هذا الشخص، تجاهي، عندما رُذلت وابتليت بالماكينة الحكومية التي صوبت سهامها إلي صدري، وسخرت بعض الأقلام الصحافية لتشويه سمعتي، كانت ردة فعله أن كتب في مجلته يقول »محمد المزالي يملك قصرا « وتشاء الصدفة أن ألتقيه، بعد فترة من ذلك، في باريس، فقلت له أهكذا يا رجل تكتب عني بالباطل، بصرف النظر عن خدمتي لك«، فكان جوابه إن شاباً تونسياً من وزارة الإعلام سرب إليه الخبر قلت لا يهم شاب تونسي أو غير تونسي، ولكني ألا تفرض عليك مصداقية المهنة أن تتحري دقة وصحة الخبر قبل نشره؟- .
-ولكن من ألطاف الله نحوي ورضا الوالدين علي، كان لي صداقات مع أهل وفاء وإخلاص ما خففت عني من وطأة المأساة، وما هدّأ من روع العاصفة التي ضربتني -.
(الحلقة الثانية )
-في هذه الحلقة الثانية، يواصل محمد المزالي، الوزير الأول في تونس »رئيس الوزراء«، علي عهد الحبيب بورقيبة سيرة نكبته، واضطهاد أسرته، ويكشف خفايا الكواليس السياسية التي كانت تتحكم بالسلطة التونسية، فيذكر السيدة سعيدة ساسي التي حكمت تونس، بعد قطيعة بين بورقيبة وزوجته وسيلة، وكانت سبباً رئيسياً في مآسيه بعدما حرضت عليه الرئيس، إثر مؤتمرات أبرزها »مؤامرة الخبز« المصطنعة بغية إفشاله، وإقناع بورقيبة بضرورة تغييره، بعد أن تجاوزته الأحداث، وفي هذه الحلقة، يتحدث رئيس الحكومة السابق عن صداماته، وتحديداً السعودية والخليجية، التي تتيح له أن يعيش في فرنسا -.
الصداقات مع الأنظمة العربية
-بعدما حكيم عليك بالإعدام من قبل الحبيب بورقيبة، كان لابد من تنشيط صداقاتك العربية؟-
- من أفضال الله، سبحانه، ورضي الوالدين، أنه كان لي صداقات متينة، مع معظم الأنظمة العربية، غير أن مسؤولي الخليج العربي كانوا الأكثر وفاءً، والأصدق صداقة، إن صح التعبير، فكان أول من أعانني هو الملك فهد بن عبدالعزيز، ثم ولي العهد السعودي، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان رجل الرجال معي، ناهيك عن أن القمة العربية التي عقدت في الدار البيضاء، في العام 1985 ، كلفتني مع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، بأن نذهب إلي دمشق وبغداد بغية المساعدة علي تجاوز الخلافات بينهما -.
-ثم، لابد أن أذكر ولي العهد الكويتي، الشيخ سعد العبد الله، شفاه الله، إذ كان شهماً معي، فكان كل عام أو عامين يستدعيني إلي الكويت، ويشدّ أزري وكذلك الشيخ زايد آل نهيان الذي كان في غاية النخوة جميع هؤلاء لم يفهموا ما وقع بي فضلاً عن ذلك فإن الفرنسيين والألمان والسويسريين، يعرفون جيداً أنني وزوجتي وأولادي لم نكن نملك أي حساب في مصارفهم، أي أنني كنت من السذاجة علي قدر كبير، إذ كيف يعقل أن تكون رئيس حكومة، طوال ست سنوات، ووزيراً طوال ربع قرن، ولا تملك حساباً مصرفياً في الخارج، إنها السذاجة بيعنها، فهذا أمر نادر الحدوث في العالم العربي -.
ولا حتي في العالم الغربي أيضاً؟
- ولا حتي في العالم الغربي هؤلاء الأمراء الإخوان، كنت إذ أتحدث معهم فعن شؤون عربية وإسلامية، وعن مشاريع لفائدة تونس ولفائدة المستثمرين، كل ذلك، كان في سبيل الله لذلك لم يفهموا ما حدث لي مثال علي ذلك، ما قاله لي الشيخ زايد، رحمه الله »يا أخ محمد إنني لا أفهم ما حدث لك، ولا أريد أن أتدخل في سياسة تونس، هناك سياسات بين الدول ينبغي أو احترامها ولكننا نعرفك جيداً دخلت بيتنا، ودخلنا بيتك، وتعاونا معاً، فكيف يقع لك هذا الأمر؟ في أي حال، ما دمت أنا حياً، وما دمت أنت مضطهداً، فإنك أخي الأصغر« فلم يسعني إلا أن أقول له شاكراً بارك الله فيك -.
-إذن، فإن السؤال الذي يطرح الآن إذا كنت نظيفاً، نقي اليدين، فكيف تعيش يا محمد المزالي، في أوروبا حتي اليوم؟ وجوابي عن هذا السؤال إني أعيش بفضل رجالات الخليج العربي ولقد ذكرت أسماء البعض منهم -.
-إنني أبوح لك بذلك، لكي تعرف كيف أعيش، أنا وعائلتي، بعدما أمضيت حياتي كلها في خدمة تونس والدول العربية - .
-حين عزلت من السلطة، لم يكن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في كامل صحته ووعيه، كانت ثمة مجموعة محيطة به تريد أن تستأثر بالسلطة فهل كان الرئيس الحالي، زين العابدين بن علي من ضمن هذه المجموعة؟-
- لا أدري كان زين العابدين بن علي وزيراً للداخلية يوم عزلت ما عدا ذلك، يمكنني أن أؤكد لك أنه لم يقع بيني وبينه حينما كنت رئيس الوزراء أي سوء تفاهم -.
-لكن الذين حاكوا المؤامرة ضدك ليسوا أشباحاً ولم يهبطوا من كوكب آخر، فمن هم إذن؟-
- لا، إنهم موجودون، وفي مقدمتهم، ابنة أخت بورقيبة، سعيدة ساسي، وهذه كان لها تأثير كبير علي الرئيس بورقيبة، ذلك أن هذا الأخير تخاصم، في فترة من الفترات مع زوجته وسيلة، وهو ما أتاح لسعيدة، هذه، أن تحتل المكان في القصر، فضلاً عن هذه السيدة، كان هنالك منصور الصخيري، وهو من أسوأ الناس، والهادي مبروك سفير تونس في باريس، الذي عين وزير خارجية حالما عزلت من منصبي، والهادي مبروك كان يطمع في الاستيلاء علي الحكم وربما هناك غيرهم من الأشخاص الذين لا أعرفهم -.
هؤلاء هم الذين كادوا لك وأوقعوا بك؟
-هؤلاء هم الذين أوغروا صدر بورقيبة بالحقد ضدي، وبورقيبة كان رجلاً سريع الانفعال، وسريعاً في ردة الفعل -.
كنت خليفته دستورياً
-إلا أنه كان مريضاً، في تلك الفترة، ومدمراً صحياً ومعنوياً؟-
- كان، رحمه الله، لا يستطيع أن ينام -.
-كنت من المقربين إليه، عالماً بأمور كثيرة تحدث في القصر؟-
- نعم، كنت من المقربين إليه، إذ كان يقدرني كثيراً، وربما أكثر من ابنه، وكان يعتبرني خليفته -.
-وهذا سبب كافٍ لكي تتحرك المجموعة المحيطة به، وتنكل بك؟-
- هذا صحيح من دون أدني شك ولقد سبق لي أن قلت إن منصب الوزير الأول، في تونس، ملعون كلعنة الفراعنة لماذا؟ لأن الفصل السابع والخمسين في الدستور قبل أن يقع عليه التعديل فيما بعد، ينص علي أنه في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، لسبب من الأسباب المرض والعجز والموت ، فإن الوزير الأول يشغل هذا المنصب بصورة أوتوماتيكية، وبما أن بورقيبة كان في حالة صحية رديئة جداً نتيجة للأزمات القلبية المتلاحقة التي تعرض لها، كنت، والحال هذه، رئيس جمهورية بالقوة التي فرضتها طبيعة الظروف في تلك الفترة، وكنت، إذن، سأخلفه عما قريب، وكان هذا يكفي لكي أستحق كل الضربات التي انهالت علي وعلي أسرتي، ذلك أن المجموعة الطامعة وجدت أن سلطة بورقيبة أصبحت في الحضيض، فراح كل منهم ينحني لأخذها وإذا كان هؤلاء قد فعلوا ما فعلوا، فليس لأنهم يكرهونني شخصياً، وإنما لأنني كنت حجر عثرة في طريقهم إلي السلطة، وطموحهم غير الشرعي للإمساك بها -.
-وخير دليل علي صدق ما أقول أنه خلال افتتاح مؤتمر الحزب الحاكم في 19 يونيو »حزيران« 1980 ، أي قبل عشرين يوماً من عزلي، أمسك بورقيبة بيدي، وقال أمام الجميع »هذا محمد المزالي، ابني وموضع ثقتي اليوم وغداً« .
وكان قبل ذلك بشهرين، في أبريل »نيسان«، قد زار جاك شيراك تونس، وكان يومئذ رئيس »حكومة التعايش« مع الرئيس فرانسوا ميتران، وخاطب شيراك بورقيبة قائلاً »سيدي الرئيس، إن محمد المزالي محبوب كثيراً في الأوساط الفرنسية ويقدرون كفاءاته، فرد عليه بورقيبة بقوله »اطمئن، إنه خليفتي« وقد سمعه كل من كان حاضراً استقبال شيراك في القصر الجمهوري -.
-هذا كله أثار جنون الجماعة الطامعة بالسلطة ضدي، فضلاً عن ذلك كنت كثير النشاط السياسي، والتنقل في القري والمدن، أخطب وأناقش علي طريقة بورقيبة المعروفة وكذلك، كنت ممثل تونس عربياً ودولياً، فتوليت تحت وطأة الغياب القسري لبورقيبة، للأسباب الصحية التي ذكرتها، معالجة شؤون تونس مع الإخوة القادة العرب من مثل الرئيس حسني مبارك والملك الحسن الثاني رحمه الله، والملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، وغيرهم من الرؤساء العرب والأجانب الذين يضيق المجال بذكرهم -.
-إذن، كنت أظهر أمام الجميع، تونسياً وعربياً ودولياً، أنني رئيس الجمهورية هذا في حين أنه كلما اشتدت وطأة المرض والعجز علي بورقيبة، التهبت غيرته علي السلطة وكانت الجماعة المحيطة به لا تفوت فرصة لإثارته ضدي، فكان يثور ويغضب، ويحتج -.
-ومع هذا ولست الوزير الأول الوحيد، في عهد الحبيب وبرقيبة، الذي ينكل به، قبلك، عاني من الأمر نفسه أحمد المستيري ومحمد المصمودي والهادي نويرة - .
- مع فرق وحيد وأساسي، هو أن هؤلاء الإخوة الذين ذكرتهم، لم تضطهد زوجاتهم ولم يسجن أبناؤهم وبناتهم، كما حدث لأسرتي أنا -.
-بدأت مشاكلك مع بورقيبة ب »ثورة الخبز« في العام 1984 ، أليس كذلك؟-
- هذه لا ليست ثورة ولا انتفاضة، كما قلت سابقاً إنها مكيدة حيكت ضدي في قصر بورقيبة سأحكي لك تفاصيلها لاحقاً وقد دبرت تلك المكيدة وسيلة بورقيبة التي كانت تحكم تونس لما كان لها من تأثير علي زوجها، وخصوصاً في مرحلة اعتلال صحته ثم ما لبثت أن تخاصمت وسيلة مع بورقيبة ففقدت أثرها، لتحل مكانها سعيدة ساسي التي سبق ذكرها -.
مهام رئيس الجمهورية
إذن لم تكن أنت سبباً في اندلاع هذه الثورة؟
- علي العكس، لقد كنت الوحيد، في مجلس الوزراء، الذي عارض بورقيبة في قراره برفع تسعيرة الخبز، وإنني أتحدي أي وزير، من تلك المرحلة، حتي ولو كان اليوم في السلطة، أن يجرؤ ويقول لي، أمامك، إن ما ذكرته غير صحيح لقد كنت الوحيد الذي عارض برقيبة في هذه القضية، مدّة أربعة شهور -.
- الأمر نفسه حدث للهادي النويرة، رحمه الله، عندما حاكوا ضده مؤامرة النقابات العمالية التي نفذت إضراباً عاماً في العام 1978 ، لكي يقنعوا بورقيبة بأن الوزير الأول لم يعد صالحاً للبقاء إذ تجاوزته الأحداث العامة، فيعمد إلي إقالته، وقد تعرض الهادي النويرة يومئذ، لحملات إعلامية شعواء، فكان يشتم كل يوم، ويتهم بألف تهمة و تهمة، وحين وقعت أحداث قفصة في 26 يناير »كانون الثاني« 1980 ، أصيب بجلطة في الدماغ نتيجة ما قاساه من ظلم واضطهاد - .
-علي أثر ذلك، استدعاني بورقيبة لتسلم منصب الوزير الأول فوصلت لأجد أوضاع تونس في غاية السوء، ناهيك عن العلاقات المتردية مع الدول العربية الشقيقة مع ليبيا كنا علي شفير الحرب، مع الجزائر علاقات باردة برود القطب الشمالي، وعلي ذلك قس بقية علاقات تونس العربية والدولية -.
-أما في الداخل، فكان علي أن أواجه الإضرابات، وآلاف المساجين من الطلبة والنقابيين، فبدأت في إطلاق سراح المساجين، وأجريت للمرة الأولي في تاريخ تونس انتخابات عمالية ديمقراطية وأعدت تنظيم علاقات تونس العربية والدولية -.
-هل هناك أحد من الذين شاركوا في التنكيل سياسيابك، وفي اضطهاد أسرتك، في تلك المرحلة، موجود في السلطة اليوم، في تونس؟-
- أقسم بالله، لا أدري، ولا أستطيع أن أجيب بلا أو نعم، مخافة أن أخطئ في الحالتين -.
-كنت الوزير الأول، ومارست في فترة، مهام رئيس الجمهورية في الظاهر، لكنك لم تكن تملك السلطة الفعلية؟-
- صحيح، لم أكن أملك سلطة الأمر والنهي في البلاد، كانت في أيدي الجماعة المحيطة ببورقيبة »جماعة الغربان« كما أسميهم، وفي طليعتهم المرأة التي ذكرت اسمها - .
كيف يمكن القبول بمثل هذا السلوك غير الشرعي في استخدام السلطة؟
- إن خصوصية الشخصية البورقيبية، كانت تتخطي القبول أو الرفض بالنسبة إلي سلوك مؤسف، أنا من بين مجموعة رافقت نضال بورقيبة من أيام مرحلة التحرر، كان بورقيبة يمثل، بالنسبة إلينا، الزعيم و»المجاهد الأكبر« إذن لم أكن قادراً علي مواجهته إلي حد القطيعة ولكن هذا لم يمنعني من مناقشته ودفعه بالإقناع إلي تغيير رأيه أو حتي قراره حيال هذا الأمر أو ذاك -.
في أي حادثة أو موقف استطعت أن تقنعه بتغيير رأيه؟
استطعت أن أقنعه بالحجة المنطقية الدامغة بألا يحكم بالإعدام علي »جماعة الخبز« وكانت المرة الأولي التي لم يوقع فيها بورقيبة علي حكم بالإعدام .
الثعالبي وبورقيبة
-هذا العناد الذي تميز به بورقيبة طوال حياته، وهو سمة من سمات الدكتاتورية لم يكن يتيح له التنازل، عما يراه، حتي مع شخصية تاريخية مثل الشيخ عبدالعزيز الثعالبي، ولعل هذا هو السبب الحقيقي في الخصومة بينهما، أليس كذلك؟-
-الخلاف بين الثعالبي وبين بورقيبة يعود إلي العام 1937 ، أي عندما رجع الأول إلي تونس بعد منفي دام عدة سنوات واستقبله بورقيبة وزعماء تونس، يومذاك، في ميناء تونس العاصمة، وكان الثعالبي ينتمي إلي الحزب الدستوري القديم الذي انشق عنه بورقيبة في العام 1934 ، وشاء الثعالبي أن يوفق بين شطري الحزب فلم يستطع فانحاز، عندئذٍ، إلي أصدقائه القدامي في الحزب، ومنذ ذلك الحين، بدأ الصراع بين شطري الحزب الذي اتسم بالعنف والشقاق المتبادلين بين الطرفين، وكان النصر لبورقيبة علي الثعالبي، كما انتصر علي جميع خصومه السياسيين نتيجة عبقريته السياسية وحنكته في الإيقاع بالخصوم، وبمن يناصبه العداء - .
هذا بالرغم من اعتراف بورقيبة بأفضال الثعالبي علي حركة التحرر التونسية؟
- هذا كان رأي بورقيبة في الثعالبي في بداية الأمر إلا أن العلاقة ساءت بين الرجلين حينما أراد بورقيبة أن يجذب الثعالبي إليه، فأبي هذا الأخير مفضلاً البقاء مع رفاقه القدامي -.
-تمكن بورقيبة من الانتصار علي الثعالبي، بالرغم من أسبقية هذا الأخير في الجهاد، وبالرغم من خطه القومي العروبي الذي لم يكن عند الأول كيف تم ذلك لبورقيبة؟-
- صحيح، كان الشيخ الثعالبي عروبياً إسلامياً خالصاً، في حين أن بورقيبة كان أكثر ميلاً إلي الغرب، وربما كان علمانياً أيضاً، ولقد استطاع أن يحرز النصر السياسي علي الثعالبي، لكونه كان عليماً بدواليب السياسة الدولية، بينما كان خصمه يكتفي بالخطب والمواعظ ولم يتمكن بورقيبة، بفضل معرفته العميقة بالسياسة الدولية، من الانتصار فقط علي الثعالبي وإنما استطاع أيضاً، وهذا هو الأهم، أن يحرّر تونس من الاستعمار الفرنسي -.
-ولا ينبغي التوقف فقط عند عبقرية بورقيبة، وإنما لابد من التذكير بأنه كان مكافحاً ومناضلاً شديد العزيمة منذ الساعات الأولي لحركة الجهاد؛ إذ ارتضي الموت في سبيل الاستقلال، وتحمل السجن عشر سنوات في تونس وفي فرنسا، والنفي أربع سنوات إلي القاهرة وغيرها من العواصم العربية، وبفضل هذا كله استطاع أن يحظي بالكاريزما التي كانت تحيط بشخصيته -.
وماذا بشأن نظريته الشهيرة »خذ وطالبْ«؟
- هذه النظرية طبقها مع الاحتلال الفرنسي، فحصلت تونس، في البداية، علي ما سمي ب »الاستقلال الذاتي«، فانهالت الانتقادات علي بورقيبة تحمله مسؤولية هذا الاستقلال غير الناجز، ولكن عندما تم الاستقلال وأصبح نهائياً بعد فترة ثبت صواب نظريته -.
-وفي العام 1965 ، وكنا معه في زيارة لأريحا في فلسطين، نصح بورقيبة الإخوان أن يأخذوا بنظريته هذه التي تبدو بسيطة ظاهرياً، لكنها عميقة وتنم عن ذكاء سياسي غير عادي، ذلك أن بورقيبة كان يردد دائماً إذا ما انفتح الباب أمامك ولو بقدر خمسة سنتيمترات فضع رجلك في الفجوة علي أمل أن تتسع لك شيئاً فشيئاً، وإن لم تفعل فلن تستطع التقدم أبداً لماذا؟ لأن المسألة مسألة توازن قوي، ومادمت أضعف من خصمك فإنك لن تستطيع الانتصار عليه بمواجهة مباشرة، فلابد إذن من الحيلة لكي تنتزع منه ما تريد ولو علي مراحل إنه مثل الذبابة التي لا تنفك تزعج الأسد الرابض حتي تدفعه إلي النهوض وتغيير مكانه -.
(الحلقة الثالثة )
-كان القصد من جلسة الذكريات مع رئيس الحكومة التونسية الأسبق محمد المزالي التي ننشر، هنا، الحلقة الثالثة والأخيرة منها، أن نتخطي نكبته الشخصية، علي مرارتها إلي أزمة النظام في الحكم العربي والبورقيبية هي خير دليل علي عدم قدرة النظام الحاكم في العالم العربي علي نقل السلطة نقلا طبيعيا من ضمن مؤسسات الدولة، ومن دون اللجوء إلي العنف وهكذا تكتسب ذكريات ومذكرات المزالي بعدا آنيا مازال المواطن العربي يعيشه إنه تاريخ يمتد من اجتماع سقيفة بني ساعدة، في صدر الإسلام، حتي يومنا هذا، بالظروف نفسها والحوادث نفسها مع تغيير في الأسماء والتواريخ فقط -.
-لابد من أن نتكلم عن بورقيبة، إذ لا يستقيم الكلام علي تونس من دونه -.
- طبعا، طبعا، إنه »أبو« تونس الحديثة إنه محررها، فضلا عن ذلك، إن تاريخي مرتبط به ارتباطا لا فكاك منه -.
-هذا المحرر، أو »المجاهد الأكبر«، كما كان يحب أن يطلق عليه، لم يستطع رغم شغفه بالعظمة، واستحضار تاريخ تونس العريق الذي كان يتمثله بأربع شخصيات بوغرطة، هنيبول، القديس أغسطينوس، وابن خلدون، وضع تماثيل لهم في قاعة مجلس الوزراء، وأضاف إليهم شخصية خامسة لم يضع لها سوي القاعدة في انتظار التمثال، وكان يقصد نفسه هذا الرجل المهووس بالعظمة لم يتمكن من أن يترك مؤسسات سياسية تتيح لمن يخلفه أن يبلغ السلطة بلوغا طبيعيا وشرعيا لماذا، في رأيك، لم ينجح بورقيبة، ذو النزعة العقلانية الغربية، في إرساء مؤسسات ديمقراطية في تونس؟-
- سأجيبك عن هذا السؤال علي طريقتي أقول، بداية إن ما ذكرته صحيح تماما، ولكن من سوء الحظ، وأنا أسهمت في ذلك شخصيا، أن بورقيبة عندما بلغ الشيخوخة، وتعاقبت عليه الأمراض، جسدية ونفسانية، وهو الذي حرر تونس ووضعها في مدار تقدمي، هدم الكثير مما بناه نفسه، وذلك لسببين طول مدة بقائه في السلطة، وسقوطه في عذابات الأمراض المتعاقبة وهذه حالة نادرة في التاريخ -.
-منذ العام 1967 ، إثر إصابته بأولي نوباته القلبية، بدأت مشاكل خلافة بورقيبة أليس كذلك؟-
- في ذلك التاريخ، أدركنا، للمرة الأولي، أن بورقيبة رجل ميت قبل ذلك، كان بالنسبة إلينا، هرما، خالدا استغفر الله، لأن الخلود له وحده سبحانه، لكننا أمام حيوية بورقيبة الفائقة لم نفكر يوما بأن هذا الرجل سيموت كسائر الناس ويوم أصيب بتلك النوبة القلبية، استفقنا من ذهولنا، وأدركنا أن بورقيبة رجل مثل الآخرين، يجري عليه ما يجري عليهم وهنا، بدأت الطموحات تظهر، والسعي للفوز بالسلطة ينشط -.
ها قد وصلنا إلي النقطة الجوهرية النمط النبوي في حكم بورقيبة واستحالة انتقال السلطة من دون اللجوء إلي العنف وهكذا نجد تفسيرا منطقيا للاضطهاد الذي لقيته .
- صحيح، وهذا يعيدنا إلي اجتماع سقيفة بني ساعدة، حينما فرض عمر بن الخطاب أبابكر خليفة بالقوة، وما قاله أبوبكر، يومئذ »من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت« -.
-لابد من الاعتراف أننا نعاني، نحن المسلمين، من موضوع السلطة منذ ذلك الحين وعودة إلي بورقيبة، أقول إن عدم تمكنه من إرساء المؤسسات التي ذكرتها، يعود إلي إيمان بنفوذه، وبفضائله علي الشعب التونسي أكثر من إيمانه بالمؤسسات، كان يقول لي إن تونس بالكاد متماسكة، وعندما يموت بورقيبة سيتفرق هذا الشعب قبائل وشيعا - .
-لكن هذا الكلام غير صحيح، لأن الشعب التونسي متجانس واللحمة بين فئاته قوية -
- طبعا، لم يكن رأي بورقيبة، هذا، صائبا البتة ذلك أن الدولة التونسية كانت موجودة قبل بورقيبة بزمن طويل، حتي قبل فترة الاستعمار الفرنسي، دامت الدولة الحفصية حوالي أربعة قرون ونصف القرن -.
-الأفراد، مهما سما شأنهم، ذاهبون، أما الدولة والشعب فباقيان أما بالنسبة إلي بورقيبة، فلا يسعني إلا أن أردد تعبيرا تونسيا شائعا »الله غالب« إنه غرور العظمة الذي أصاب بورقيبة فجعله ذا شخصية مضخمة فوق الحدود الطبيعية -.
-وما أن اعتلت صحته حتي بدأت الطموحات تظهر، ما أتاح الفرصة لزوجته وسيلة أن تحكم -.
- في الفترة الأولي، كانت وسيلة بورقيبة هي التي تحكم، وفي الفترة الأخيرة، كانت سعيدة سياسي هي الحاكمة بأمرها إلا أن وسيلة كانت أذكي من سعيدة، إذ كانت تملك علاقات وصداقات سياسية قوية مع العرب، ولاسيما مع الفلسطينيين وأنا، شخصيا، تعرضت لسهامها لأنني لم أكن أنصاع لأوامرها وتوجهاتها .
كانت وسيلة، بالنسبة إلي، زوجة رئيس الجمهورية وكان احترامها واجبا بسبب من ذلك ولكن ما عدا ذلك فإن أمرها لا يعنيني -
كيف كنت تقوم بمسؤوليات رئيس الحكومة في مثل هذه الأجواء؟
- لم تكن الأمور سهلة علي الإطلاق، كنت ألتقي الرئيس بورقيبة صباح كل يوم في التاسعة وكانت وسيلة تأتي لتقول لي قبل أن أدخل مكتب بورقيبة »سي محمد، أرجوك ألا تثير مع الرئيس ملفات مزعجة، لأنه متعب ولم ينم ليلة البارحة« ولكنني كنت رئيس حكومة، وعلي عاتقي مسؤولية دولة تفرض علي أن أطلع وأناقش مع الرئيس كل الأمور المزعجة منها وغير المزعجة، وفي الوقت نفسه كنت أخشي إذا ما أثرت معه موضوعا شائكا أو مزعجا أن يصاب بنوبة قلبية مفاجئة -.
راتب الوزير التونسي
كيف كنت تواجه هذا المأزق؟
- كنت أحاول أن أوفق بين الواقعية السياسية وبين حبي لبورقيبة وبين إخلاصي لتونس كان حظي سيئا عندما بلغت منصب الوزير الأول، لأن بورقيبة كان قد بلغ، يومئذ، أرذل العمر قبل ذلك كنت وزيرا وكان التعاون معه أفضل بكثير لأنه كان يتمتع بكامل طاقته وعافيته لكن هذا لم يمنعني من التضحية قدر المستطاع وفاء لهذا الرجل الذي أحترمه وأقدره كثيرا، وبالرغم من ذلك أنصت علي المآسي والمحن حتي كان لسان حالي يردد المثل الشهير »رضيت بالهم والهم ما رضي بي « - .
-لقد وصلت اليوم إلي هذه القناعة لو تركوني حين أقصيت عن منصبي في الثامن من يوليو »تموز« 1986 ، أعيش من راتبي التقاعدي، وكان لزوجتي أيضا راتب تقاعدي، وكان لدي مجلة »فكر« التي أصدرها منذ 1955 ، مع بعض محاضرات ألقيها بين وقت وآخر، لكنت رجلا سعيدا، غير أنهم أرادوا القضاء علي قضاء نهائيا -.
-وأريد هنا العودة إلي شخصية بورقيبة، فأقول إنصافا للحقيقة والتاريخ إن بورقيبة كان كل شيء في تونس، لكنه كان يصغي كثيرا للآخرين في الاجتماعات وأنا كنت شاهدا علي حوادث وقعت في حضوري، إذ كان هذا الوزير أو ذاك، وأنا شخصيا أيضا، يقدم له عرضا لوضع ما مقرونا بالحجج، فكان يغير رأيه كان بورقيبة رجلا عقلانيا، فإذا أردت إقناعه فما عليك سوي استخدام الحجة المنطقية لذلك، فإن وزير بورقيبة كان يلزمه المنطق إن أراد أن يأخذ الرئيس برأيه ويعدل فكرته أما إذا كان لدي الوزير أهواء شخصية غالبة، أو مصالح ذاتية، أو صداقات مشكوك فيها، فلن يستمع إليه بورقيبة أبدا -.
-هذا من ناحية، ومن أخري، عاش بورقيبة حياته كلها، نظيف الكف، فلم يعرف للمال معني ولا قيمة ومازلت أذكر، عندما ألفت الحكومة بمساعدة بورقيبة وبعض الإخوان عينت وزيرين، من جملة الوزراء، كانا موظفين في بنك قبل هذان منصبهما، غير أنهما قالا لي إن لديهم مسؤوليات عائلية، وراتب الوزير المقرر لا يكفي فذهبت لمقابلة بورقيبة عساه يزيد شيئا علي هذا الراتب، فإذا بي أفاجأ بعدم معرفته كم يتقاضي وزير في حكومة فسألني كم يأخذ الوزير كراتب، أجبته سبعمائة دينار »أي حوالي خمسمائة دولار«، فصرخ مشدوها هذا كثير، كثير ماذا يفعل وزير بكل هذا المال؟ أنقص من هذا الراتب فأمضيت وقتا طويلا معه حتي أقنعته بالإبقاء علي الراتب كما هو، وأنا الذي جئت أطلب منه أن يزيده -.
-لم يكن بورقيبة يهتم بالمال، إلا أن زوجته وسيلة كانت جد مهتمة به -
- وسيلة، موضوع آخر وسيلة وأقاربها موضوع آخر -.
وسيلة كانت وراء »مؤامرة الخبز« كما تقول؟
- طبعا كانت مؤامرة مدبرة ضدي في قصر بورقيبة وسيلة هي التي أوعزت إلي ولاة المناطق التونسية أن يثوروا ضد الحكومة، تماما كما لو أن مدام ميتران تقول للوزير بيار جوكس »وزير داخلية في عهد الرئيس فرانسوا ميتران« .
أرسل إلي محافظ باريس تعليمات لكي يثير الجماهير وينزلوا إلي الشارع هذا أمر لا يصدق لكنه حدث فعلا في تونس فيما أسميه مؤامرة الخبز وقد بلغ المشهد ذروته السوريالية عندما أرسل لي وزير الداخلية، في حكومتي، إدريس قيقة، من ينصحني بالاستقالة بشرف وإلا فالطرد مع الاهانة هل يعقل أن يخاطب وزير داخلية رئيس الحكومة بمثل هذه اللهجة؟ لكن هذا ما حدث معي فعلا -
من الذي نقل إليك رسالة قيقة؟
- رئيس الحرس الجمهوري وقد أبلغت الرئيس بورقيبة بتفاصيل هذا السلوك الغرائبي، فاستدعي رئيس الحرس الجمهوري، هذا، وشتمه وطرده -.
مؤامرة وسيلة
-لا ريب أن ما تقوله يدخل في باب الغرائب السياسية، إلا أن هذا لا يلغي أصل الأزمة، أي ارتفاع تسعيرة الخبز؟ -
- إليك الحقيقة كما هي لقد استطاعت وسيلة أن تقنع، بمساعدة وزير الداخلية قيقة، بورقيبة بأن تسعيرة الخبز متدنية جدا، إلي درجة أن مربي الدواجن باتوا يطمعون الحيوانات الخبز بدلا من العشب والشعير وأمرت وسيلة مدير التلفزيون والإذاعة أن يصور أكداسا من الخبز مرم-.
-وبعد أخذ ورد، قررنا أن نرفع تسعيرة الخبز ابتداء من غرة يناير »كانون الثاني« 1984 ، بعدما اتخذنا الإجراءات اللازمة للتعويض علي الشعب الكريم لقاء هذه الزيادة واندلعت الأحداث في الجنوب منذ التاسع والعشرين من ديسمبر »كانون الأول« 1983 بدأت هذه الأحداث في ولاية قبلي الجنوبية التي يتولاها شخص يدعي حفصة، كنت قد رأيته بعيني هاتين يرقص أمام وسيلة بورقيبة أذكر لك هذا لكي تعرف قيمة هذا الإنسان -.
-ثم راح إسماعيل قيقة، وزير الداخلية يتصل بولاة المناطق، الواحد بعد الآخر، مستنكرا أن يسودها الهدوء بدلا من الاضطرابات والتظاهرة ومثال علي ذلك، اتصال قيقة، هذا، بوالي نايل يسأله عن الأحوال الأمنية في منطقة السياحية الحمامات فرد الوالي إن الوضع الأمني طبيعي، ولا شيء يعكر صفو الأمن فما كان من قيقة إلا أن شتمه فاستغرب الوالي وقال للوزير »كنت أتوقع أن تشكرني لأن الأمن مستتب، فإذا بك تشتمني والله لم أعد أدري ما أقول لك أيها السيد الوزير « -.
-وعندما سال الدم في الشوارع وسرقت بعض المحال التجارية، أقنعوا بورقيبة بالتراجع عن زيادة تسعيرة الخبز وأعد خطاب للرئيس يعلن فيه عن العودة عن هذه الزيادة فمضيت إليه، قبل أن يسجل خطابه، وقلت له سيدي الرئيس، يبدو أنك ستتراجع عن زيادة تسعيرة الخبز -.
-فأجاب نعم، لأن الشعب لا يستطيع تحمل أعباء هذه الزيادة فقلت له أرجو أن تمنح الحكومة مدة ثلاثة أشهر لكي نتدبر أمر العجز الذي سيلحق بالخزانة، من جراء هذا التراجع فقال لي طيب لك ما تطلب ثم سجل خطابه الذي يقول فيه إنه أقتنع، هو شخصيا، بضرورة رفع سعر الخبز ورئيس الحكومة، محمد المزالي قد وافقني علي ذلك هذا الخطاب مسجل ومحفوظ في الأرشيف لمن يود الرجوع إليه وتظل هناك نقطة ألمح إليها بورقيبة، وهي قوله إنني وافقته علي زيادة التسعيرة هذا صحيح، ولكن مع التوكيد أنني كنت الوحيد، في الحكومة، الذي عارضته علي هذه الزيادة مدة أربعة أشهر -.
-إلا أن المهم في هذا الموضوع، هو تحمل بورقيبة مسؤولية قرار زيادة التسعيرة، في حين أن المجموعة المحيطة به، كانت تنتظر منه أن يحملني كامل المسؤولية، فأغدو والحال هذه كبش فداء قضية مفتعلة، ومؤامرة حيكت خيوطها في قصر بورقيبة للتخلص مني -.
-وتبقي هناك حادثة تستحق أن تروي لكي تتأكد، نهائيا، من »انتفاضة الخبز« ليست غير مؤامرة دنيئة كنت في كتابي »شاهد علي العصر« قد تحدثت عن قضية الخبز، هذه، وأغفلت سهوا مني، واقعة كان قد رواها لي مناضل تونسي من شمال البلاد فإذا به يتصل بي بعد صدور الكتاب المذكور، ويقول »ذكرت لك تلك الواقعة، يا سي محمد، فلماذا لم تذكرها؟« -.
-ما هي هذه الواقعة التي كنت قد نسيتها فلم أذكرها في »شاهد علي العصر«؟ هي ما رأه هذا المناضل بعينيه، وهو أنه ألتقي بمجرم محكوم عليه بالسجن عشر سنوات طليقا حرا، هكذا فجأة فسأله ماذا تفعل هنا؟ متي وكيف خرجت من السجن؟ فقال له السجين لقد أعطوني، أنا وبعض المساجين عطلة مدتها أسبوع شرط أن ننهب ونسرق المحال التجارية ونحرق المنشآت العامة خلال هذه المدة قبل أن نعود مجددا إلي السجن -.
-إذن، هل هذه انتفاضة حيث يطلق وزير الداخلية مجرمي الحق العام من السجون مدة أيام لكي يقوموا بما أمروا به من أعمال السرقة والقتل والشر؟ الجواب معروف سلفا -.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.