ببادرة من مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية "السيراس" إلتأمت مؤخرا ندوة فكرية لتكريم المفكر والباحث في علم الاجتماع الدكتور عبد الوهاب بوحديبة أحد المؤسسين الأوائل للجامعة التونسية وأحد الذين يعود لهم الفضل في وضع الأسس الأولى لتدرس مادة علم الاجتماع في تونس وهو من الجيل المؤسس للعلم والمعرفة في الزمن التأسيس والبناء الأول للدولة التونسية إبان خروج المستعمر الفرنسي. . في جو مفعم بالمحبة والذكريات استمعنا إلى كلمات تكريم من ثلة من تلامذة المحتفى به وممن درسوا على يديه وقدمت مداخلات في فكر الرجل وإسهاماته العلمية ومما نخرج به من هذه الندوة أن الرجل قامة من قامت البلاد العلمية وعلم من أعلام الفكر والثقافة في مرحلة بناء الدولة التونسية الحديثة فهو يعدّ أحد الآباء المؤسسين للدولة التونسية الحدية وأحد منظريها وهذه القيمة العلمية التي يمتلكها الرجل هي التي أهلته إلى تقلد مناصب علمية هامة خارج البلاد وداخلها فالإضافة الى تدريسه في جامعات عديدة في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا والمشرق العربي ومشاركته في عديد الملتقيات العلمية وترأسه بيت الحكمة وإشرافه على رئاسة مركز السيراس من سنة 1972 إلى سنة 1990 فقد تقلد مناصب عربية وعالمية كانتسابه إلى منظمة التربية والثقافة والعلوم .. في هذه الندوة الاحتفالية تم التذكير بمنجز عبد الوهاب بوحديبة العلمي ومشروعه الفكري القائم على فهم الذات والوعي بها لبناء حداثة ونهضة تونسية واهتمامه بقضية الاصلاح الفكري مدخلا للتغير والنهوض الحضاري فإصلاح المجتمعات العربية يحتاج حسيب بوحديبة إلى إعادة النظر في الموروث الديني ومراجعة جذرية وعميقة لما يسميه تطهير التراث من التحجر والتعصب والانغلاق لذلك سخر حيزا كبيرا من حياته واهتماماته بالفكر الإسلامي بحثا وكتابة وأشتغل على المشاكل الكبرى التي تؤرق بال الإنسان التونسي في مرحلة حساسة من تاريخه وتاريخ الدولة التونسية وهي فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي وضل هذا الهاجس متواصلا معه إلى اليوم فهو من بين الأوائل الذين اهتموا بمساءلة التراث ومحاورة النص الديني وكتابه الهام والذي ترجم إلى لغات عدة " الجنسيات في الإسلام " خير دليل على أن الرجل قد تعرض في فترة حساسة إلى قضية تعتبر من الممنوعات وإلى مشكلة مسكوت عنها لكن بوحديبة قد كسر السائد وفتح بابا كان مغلقا و تحدث فيما كان يعتبرا من المحرمات.. لقد تطرق إلى المشكلة الجنسية من منظور الدين في وقت صعب والبلاد خارجة للتو من الاحتلال وتستعد إلى البناء والانطلاق وفي وقت كانت فيه الذهنية التونسية غير مستعدة ومؤهلة لتناول مثل هذه القضايا وتقبلها لكن بوحديبة بغوصه في مثل هذه المسائل الدقيقة والصعبة يعتبر أن البلاد تحتاج في المجال الفكري إلى عملية تنوير وتحديث فهو من هذه الناحية قد سبق غيره من التونسيين وتناول موضوع الجنس من وجهة نطر علم الاجتماع ووفق رؤية محاورة للنص الديني. تعتبر قضية فهم الذات والوعي بها ومشكلة الآخر ومكانة الغير في المجتمع وحاجة البلاد إلى إنسان جديد هي القضايا المركزية في مشروع بوحديبة الإصلاحي فمن دون إنسان واع ومتعلم ومتصالح مع واقعه وتراثه لا يمكن حسب رأيه لأي مشروع تقدمي أن ينجح فقد كان يقول " أن يجد الإنسان ذاته يعني أن يكون في التاريخ " فالحداثة حسب رأيه " لا تعني القطع مع التراث " من أجل ذلك كتب كتابه" الانسان في الإسلام " وكتابه " لأفهم : فصول عن المجتمع والدين " وهي كلها اسهامات فكرية في عملية مراجعة التراث وإصلاح الفكر الديني من أجل بناء إنسان جديد. أهم ما نخرج به من هذه الندوة حول المفكر الدكتور عبد الوهاب بوحديبة هو ما حققته من ربط بين الأجيال، بين الجيل الأول المؤسس والجيل الحالي وبين رموز الفكر والثقافة خلال فترة الاستقلال وبين الذين لم يعايشوا تلك المرحلة .. ما نخرج من هذه الندوة أن عبد الوهاب بوحديبة قد أنجز مشروعا فكريا لنهضة تونس ووضع الأسس الأولى لتدريس مادة علم الاجتماع في الجامعة التونسية وأنجز مدونة فكرية واسعة ومتنوعة تعرض خلالها إلى كبرى القضايا الحارقة والتي كانت تعد من المحرمات والسؤال اليوم هل ما زال منجز عبد الوهاب بوحديبة صالحا لقضايانا الراهنة ؟ وهل ما مازلت أجوبته مفيدة لأسئلة للزمن الحاضر ؟