في ورقة سابقة تحدثنا عن أهميّة اجراء الانتخابات باعتبارها تكريسا للانتقال الديمقراطي الذي تشهده بلادها بعيدا عن الفوضى التّي شهدتها و تشهدها بعض الأقطار العربية لكن دعنا من البداية نضع سؤالا مركزيا حول الانتخابات البلدية الأخيرة ومفاده هل فعلا نجحت الأحزاب الكبيرة في هذا الامتحان أم نجاحها مجرد ادّعاء لتغطية فشلها الذريع و سقوطها المدوي في هذا الامتحان؟ و هل تصدّر القائمات المستقلّة عموما المراتب المتقدمة يعتبر مؤشر صحة للحياة السياسية لمستقبل تونس؟ قبل الإجابة على هذين السؤالين لابدّ من الإشارة و أنّ الديمقراطية عبر الآلية الانتخابية تعني ممّا تعنيه تكليف جهة ما من قبل الناخب بإدارة الشأن العام مع امكانية سحب ذلك التكليف إذا حادت الجهة المكلّفة ( حزبا كان أو هيئة أو مستقلين ) لعدم احترام وعودها و برنامجها وذلك في المحطّة الانتخابية القادمة و يبدو أنّ هذا ما حصل للحزبين الكبيرين ( النهضة و نداء تونس ) عندما نقرأ بموضوعية و تأن نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة. حيث تبيّن الأرقام و النسب تقهقر بعض الأحزاب الكبيرة مقابل تقدم المستقلين خاصّة في هذه الانتخابات البلدية الأخيرة فنجاح المستقلين بنسبة 32.27 بالمئة و تليه النهضة ب 28 بالمئة و نداء تونس ب 20.85 بالمئة و أيضا تقهقر هذه الأحزاب الكبرى على مستوى عدد الأصوات حيث كان سنة 2011 عدد الأصوات لفائدة النهضة هي 1.400.000 صوتا لتصل بعنوان سنة 2018 إلى 400.000 صوتا فقط و ما يعنيه من خسارة حوالي مليون صوتا و أيضا نداء تونس الذي حصل بعنوان 2014 على 1200 صوتا لينحدر بعنوان 2018 إلى 350.000 صوتا فقط فذاك لا يعكس نجاحا و توفقا كما تزعمه هذه الأحزاب و الدمغجة التّي صدعت بها رؤوس المتلقين من مشاهدين و مستمعين عبر وسائل الاعلام وهي تستعرض هذا النجاح في عرسها الانتخابي بل يعكس في حقيقة الأمر تغطية هذا السقوط المدوي لهذه الأحزاب وفشلها و بالتالي إلى متى ستواصل هذه الأحزاب مسلسل الكذب و البهتان تحت يافطة نجاح العرس الانتخابي . ولكن أيضا وفي المقابل هل تفوق هذه القائمات المستقلة تعدّ علامة صحّة سياسية لمستقبل البلاد و العباد. و تعتبر بداية لخلق جيل سياسي جديد. سيكون بمثابة المخزون الاحتياطي للحياة السياسية عموما..؟ هنا لابدّ من التأكيد و أنّ التفوق في محطة انتخابية ليس هدفا في حدّ ذاته بل الهدف هو خدمة المواطن الذي فوّض لهم ذلك ؟ فهل هذه الشريحة الجديدة من المستقلين قادرة على ذلك؟ حسب رأينا المتواضع وجود هذه الطبقة السياسية الجديدة محمود و لكن قبل السياسي لا بدّ من رهانات اقتصادية و برامج أيضا و بالتّالي على هؤلاء القادمين الجدد أن تكون لهم رؤية شاملة اقتصادية و سياسية و اجتماعية لأنّ النّاخب أصبح من الوعي بمكان و بالتّالي على القادمين الجدد للمجال السياسي استيعاب الدّرس للأسباب التي أدّت إلى تقهقر هذه الأحزاب الكبيرة خلال المحطات الانتخابية و هو ما يعني عقابا لها من قبل المواطن الناخب على هزال ما أنجزته من وعود اتّضح و أنّها كاذبة فيها و أيضا على هذه الشريحة الجديدة من السياسيين أن تنظم صفوفها و تنصهر في إطار حزبي كأن يكون "حزب الرؤى الجديدة للشباب" أو غيره حتّى تضمن سيرورتها أمام الأحزاب الأخرى لأنّه في نظرنا المتواضع أنّ الديمقراطية و المشهد السياسي عامة لا يتطور و لا يتقدم إلاّ في ظلّ تنظيم حزبي قوّي.. لنختم بالقول انّ بعض الأحزاب مازالت تراهن على سذاجة النّاخب وعدم وعيه و مازالت تعتقد وأنّ تقديم بعض الإعانات قبل الانتخابات مازالت تنطلي على المواطن ليبيعها ذمته و صوته و لكن يبدو وأنّ هذه الأحزاب مازالت متمسكة بحبل الكذب و الادّعاء الزائف بالفوز في هذه الانتخابات الأخيرة و الأهم من كلّ هذا أنّ هذه الأخيرة إن لم تراجع سياستها و تحترم النّاخب الذي فوّض لها إدارة الشأن العام ستجد نفسها في الانتخابات البرلمانية و الرئاسية القادمة خارج التّاريخ و عندها لا ينفع غناء الحمامة " يا حمامة طارت في العالي" و لا غناء النخلة " يا نخلة في العلالي ".و ستكون الصدمة القاتلة لها.