تصعد غدا ان شاء الله تعالى لجان رؤية الهلال الى مرتفعات الجبال لترصده وتعلن عن رؤيته او عدم رؤيته حسب ما يقتضيه الحال وان عملية رصد الهلال تذكرني بموقف بورقيبة من هذا الرصد بعد الاستقلال اذ ابطل بورقيبة كما هو معلوم لدى العموم اعتماد رصد رؤية الهلال لإثبات دخول وخروج شهر رمضان وخالف بذلك العمل بسنة رؤيته التي تناقلها التونسيون قبل حكمه بأجيال واجيال عملا بقول محمد رسول الاسلام عليه افضل الصلاة وازكى السلام(صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين) ولسائل ان يسال هذا السؤال لماذا ابطل بورقيبة التعويل على رؤية الهلال؟ ان الجواب الرائج الذي كنا نسمعه في عهده ومنذ سنين ان بورقيبة كان محبا ومقتديا بسياسة الرئيس التركي التاريخي(كمال اتاتورك) الذي اراد ان يقضي في بلاده على كل شيء يصله بالعروبة وبالاسلام ومن ذلك حذف الكتابة بالحروف العربية وابطال عملية رصد ورؤية الهلال والاستعاضة عن ذلك بالحسابات الفلكية التي تزيد في ربطه وصلته بالبلدان الافرنجية ومهما يكن من سبب ومهما يكن من مقصد وغاية بورقيبة من ابطال اعتماد رصد ورؤية الهلال فان بورقيبة والحق يقال بلا كذب ولا نفاق قد اثار على نفسه فتنة دينية كبرى وزرع بينه وبين التونسيين مزيدا من بذور الخلاف والنزاع والصراع والشقاق برزت وظهرت واستفحلت واشتدت خاصة في اواسط سنوات السبعينات حين عارضه وجابهه شباب الاتجاه الاسلامي في هذه النقطة بالذات وهم من كان يسميهم بورقيبة وجماعته تاريخيا بالخوانجية فهم الذين خالفوا سياسة بورقيبة في هذا الشأن الديني ودعوا واصروا على عادة العمل بسنة رصد ورؤية الهلال لاثبات دخول وخروج شهر رمضان واصبحوا يبحثون قبل كل رمضان وقبل كل عيد عن وسيلة يرصدون ويتأكدون بها من رؤية او عدم رؤية الهلال واعتمدوا في ذلك على مختلف وسائل الاتصال وخاصة القنوات الاذاعية والتلفزية من خارج هذه البلاد التونسية وانتشرواشعل بذلك اختلاف التونسيين الذين كانوا قبل ذلك متوحدين في تحديد بداية يوم الصوم وفي تحديد يوم العيد واصبحنا نرى اناسا صائمين واناسا مفطرين والكل يدعي انه على هدى والنهج المبين وان المختلفين معه في ضلال وفي شقاق بعيد واصبح تحديد موعد يوم العيد واداء الصلاة الخاصة به محل خلاف بين التونسيين واصبح رجال امن بورقيبة يتتبعون ويترصدون المخالفين لائمة المساجد المكلفين من قبل الدولة باقامة مختلف شعائر الدين واصبح الكثير من هؤلاء الأئمة الرسميين في حرج واضح مبين محتارين بين اتباع سياسة بورقيبة او اتباع هؤلاء الشباب الذين يرفعون شعار التمسك بسنة رسول الله الصادق المبين وبالوقوف في وجه اهل البدعة من السياسيين الضالين المتنطعين واني اشهد شهادة حق والشهادة من الدين ان امام الجمعة بجامع اريانة القديمة الشيخ الطاهر بن سعيد رحمه الله كان يقول وانا اسمع لجماعة من الشباب الاسلاميين اخبروني اذا سمعتم شيئا ثابتا ممن يرصدون الأهلة شرعيا عن موعد دخول شهر رمضان وعن موعد حلول يوم العيد وقد كان رحمه الله من المخالفين السريين لكل من يعارض مبدا اعتماد رؤية الهلال في تحديد موعد رمضان وموعد عيد المسلمين كما يقول لهم اخبروني ودعوني افعل ما يمكنني فعله حتى اجد ما اقول لربي غدا عند الوقوف بين يديه ونيل الجزاء بعد السؤال من اجل كل هذا وغيره اشتد الخلاف واحتد الصراع بين بورقيبة وحزبه من ناحية وبين خصومهم من شباب الجماعة الاسلامية او من كانوا يسمونهم بالخوانجية من ناحية اخرى ومن اجل ذلك ايضا مرت تونس بفترة حكم بورقيبية كئيبة حزينة شبه ماساوية ومن اجل ذلك ايضا تذكى وتفطن بعد بورقيبة خليفته ابن علي وسارع باعادة العمل برؤية الهلال في اثبات دخول وخروج شهر رمضان فربح نقطة سياسية هامة ادرات اليه والحق يقال اعناق ورضاء وولاء الخاصة والعامة بلا جدال الذين باركوا صنيعه في هذا الموضوع وهذا المجال... كما انني اقول واتمنى اليوم وبعد ما رايناه وما عشناه من خلافات دينية طوال كل تلك السنين البورقيبية يا ليت بورقيبة ابقى بعد الاستقلال على عادة العمل الشرعية التاريخية المعتمدة على رؤية الهلال في تحديد موعد دخول وخروج شهر رمضان اذ لا اظن ان ذلك الابقاء لو وقع منه وحصل كان سيضره او سيؤذيه ويا ليته لم يتدخل في شؤون الدين بما لا يعرفه وبما ليس له دراية فيه وبما جلب له كراهية التونسيين التي ورثها الابن عن جده وابيه والتي دفع بورقيبة ثمنها غاليا بعد سنين واقل شيء من هذا الثمن ان سارع الشعب في هذه البلاد بمبايعة خليفته وعازله بن علي بالشمال بعد اليمين دون تردد او تلكؤ او سؤال ...هذه نبذة من تاريخ بورقيبة الذي خسر قضيته في معركة دينية هزمه فيها هلال رمضان وهلال العيد قدمتها هدية في مستهل هذا الشهر المبارك الجديد لكل من اراد ان يتذكر وان يعتبر وان يستفيد والله على ما اقول شهيد