إيران.. غفوة سائق في تسبب كارثة    جيش البحر ينقذ بحارة تعرض مركبهم للغرق شرق جزيرة قرقنة    تحديث كبير في معهد القصاب: الجراحة للكبار والأطفال أصبحت أسهل وأسرع    الذكرى الثانية ل7 أكتوبر ...الطوفان يمهّد لانهيار الكيان !    الليغا.. ريال مدريد يستعيد نغمة الفوزمن بوابة فياريال    الرابطة الثانية    رأي: نهاية النمرود بعوضة... ونهاية نتنياهو مسيرة    أسرة عبد الحليم حافظ تخالف وصيته والجماهير غاضبة..شفما؟!    تلقيح الإنفلونزا في الصيدليات ومراكز الصحة الأساسية وهذه هي الأسعار    فيروس غرب النيل: كل شيء لازم تعرفه باش تحمي روحك!    البطولة الإنجليزية: تشلسي يهزم ليفربول في الوقت القاتل بثنائية لهدف    أخبار الحكومة    مقترح «انتداب من طالت بطالتهم»: دعوة الوظيفة التنفيذية إلى التفاعل    بعد تخلّي التلفزة عن واجبها...أطفالنا أمام صور متحرّكة خطيرة    مع الشروق : الحلول العاجلة    مناظرتا تبريز    تنظيم الدورة 35 من المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب والمؤسسات الجامعية    طقس الليلة    تدشين القسط الأول من مبيت مركب النادي الصفاقسي وبداية إستغلاله يوم الإثنين القادم.    ندوة حوارية حول الاقتباس من الأعمال الأدبية في السينما التونسية    وفد من مجموعة الصداقة البرلمانية التونسية الجزائرية يجري سلسلة من اللقاءات خلال زيارته إلى الجزائر    الزهروني: الإطاحة بالمجرم الخطير الملقّب ب"الهولندي" بعد ترويعه للمواطنين    عاجل: نصف مليون وفاة سنويًا بسبب المخدرات في تونس    عاجل/ الديوانة تُنقذ 10 أجانب على متن قارب "حرقة"    وصول 10 تونسيين من المشاركين في اسطول الصمود الى تركيا    أكثر من 70 % من الأمراض في تونس يعالجها أطباء العائلة    رأس جدير: حجز صفيحة من الذهب تبلغ قيمتها مليون دينار    شرطة الاحتلال تعتدي على التونسي مهاب السنوسي بعد رفعه علم فلسطين    فيديو غوارديولا يدعو للتظاهر دعما غزة.. ما القصّة؟    تونس: 6,5 مليار دينار تحويلات التونسيين بالخارج مع موفى سبتمبر 2025    مرتديًا الكوفية الفلسطينية: الممثل محمد مراد يرفع شارة النصر لدى وصوله إلى إسطنبول    عاجل/ مصر تستضيف مؤتمرا للفصائل الفلسطينية لتحديد مستقبل غزة    عاجل/ حالة وفاة ثانية بحمى غرب النيل في هذه الولاية    القمح الصلب والزيتون والسكر: متى تستغني تونس عن التوريد ؟    عاجل: نتنياهو أمر بقصف سفن أسطول الصمود قبل انطلاقها إلى غزة من تونس    عاجل/ عباس يعلن عن دستور مؤقت وانتخابات بعد عام من انتهاء الحرب    عاجل: السكك الحديدية تُغيّر توقيت خط سوسة–المنستير–المهدية    القضاء الأمريكي يحكم على مغني الراب "ديدي" بالسجن لأربع سنوات وشهرين بتهمة العنف الجنسي    الرابطة الثانية: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الثالثة ذهابا    عاجل/ ضبط ناظر بهذا المستشفى وسائق سيارة إسعاف يروّجان المخدرات    اللجنة الوطنية الاولمبية التونسية تطلق نادي الإعلام الأولمبي الثلاثاء 14 اكتوبر 2025    عاجل: تخفيضات مهمة في المعاليم لكل تونسي يستعمل المبيدات البيولوجية    منحة "فابا" للصحة في دورتها الثانية تُسند 4 جوائز لباحثين في مجالات الصحة    الانطلاق في إعداد برنامج لتأمين التزويد بالماء الصالح للشرب خلال صائفة 2026    ألمانيا: إغلاق مدارج مطار ميونيخ مجددا    استراحة الويكاند    المهدية : بالقرب من مصب فضلات، وتحتوي على ملوّنات محجّرة .. حجز طنّين ونصف من السردينة المجفّفة و80 كلغ من الحلوى    حالة الطقس هذه الليلة..    انطلاق فعاليات النسخة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية من 6 الى 12 اكتوبر الجاري بقصر المعارض بالكرم    البنك التونسي للتضامن يخصّص اعتمادات بقيمة 90 مليون دينار لتمويل صغار الفلاّحين خلال الموسم 2025 /2026    الديوانة تحبط محاولة تهريب أكثر من ألف علبة دواء عبر معبر الذهيبة    عاجل : صدمة في الوسط الفني العراقي بعد وفاة الفنان إياد الطائي    الكاف: مهرجان سيدي رابح المغاربي في دورته الرابعة    رمضان 2026: شوف شنوّة تاريخ أول الشهر الكريم وعدد أيّام الصيام فلكيا    مع 15:00: انطلاق مباريات الجولة التاسعة للرابطة المحترفة الأولى    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..تصدّي الإسلام للجريمة    عاجل/ مفتي الجمهورية الأسبق حمدة سعيّد في ذمّة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المحسن يكتب لكم : حين ترقص تونس على ايقاعات الإنتخابات القادمة على مهل
نشر في الصريح يوم 22 - 05 - 2018

دماء غزيرة أريقت من أجساد شبابية غضة في سبيل أن تتحرّر تونس من عقال الإستبداد الذي إكتوت بلهيبه عبر عقدين ونيف من الزمن الجائر..
و من هنا،لا أحد بإمكانه أن -يزايد-على مهر الحرية الذي دفعت البراعم الشبابية أرواحها ثمنا له،ولا أحد كذلك يستطيع الجزم بأنّ ما تحقّق في تونس من إنجاز تاريخي عظيم تمثّل في سقوط نظام مستبد جائر،إنما هو من إنجازه..لا أحد إطلاقا..فكلنا تابعنا المشاهد الجنائزية التي كانت تنقلها الفضائيات في خضم المد الثوري الذي أطاح -كما أسلفت- برأس النظام مضرجا بالعار، ومنح الشعب التونسي تذكرة العبور إلى ربيع الحرية..تلك المشاهد الجنائزية كان ينضح من شقوقها نسيم الشباب..شباب وضع حدا لهزائمنا المتعاقبة،قطع مع كل أشكال الغبن والإستبداد، خلخل حسابات المنطق ،جسّد هزّة عنيفة مخلخلة للوعي المخَدّر والمستَلب، وصنع بالتالي بدمائه الطاهرة إشراقات ثورية قدر الطغاة فيها هو الهزيمة والإندحار..
واليوم..
يرغب التونسيون اليوم،في أن تكون دولتهم الجديدة مكملة لتاريخهم و تقطع بالتالي مع سلبيات الماضي وتحمي المكتسبات وأولها الدولة ذاتها كمنجز تاريخي لا غنى عنه،وبذلك يؤسسون لدولة مدنية ذات سيادة تصون الحريات وتنشر العدل وتحفظ كرامة الإنسان وتنبذ في الآن ذاته العنف مهما كان مآتاه..
قلت يرفض التونسيون كل أشكال العنف وينتصرون بإرادة فذّة للدولة المدنية التي-كما أسلفت- ترعى شؤون الدين والدنيا وتدفع في اتجاه تكريس العدالة،المساواة وحقوق الإنسان،ومن هذا المنطلق كان تصويتهم في الإنتخابات التشريعية الماضية تتويجا للحراك الثوري الذي عاشوه وعايشوه منذ انبلاج فجر الثورة التونسية المجيدة في الرابع عشر من شهر جانفي 2011 دفاعا مستميتا عن مكتسبات الثورة،عن الوجود،وعن الحرية،وعن المدنية والمساواة في تجلياتها الواعدة..
لقد أراد التونسيون من خلال تصويتهم المدني أن يعطوا مثالا للعالم أن الديمقراطية التي يريدون ممكنة وأساسها بناء مؤسسات الدولة الجديدة على قاعدة ثابتة يرعاها دستور مدني وتداول سلمي على السلطة..وهذا ليس عجيبا،فمن بين مكاسب التونسيين بعد الثورة صوغهم دستوراً ديمقراطياً توافقياً، وتمتعهم بحرية التعبير، واختيارهم حكّامهم في تمام الحريّة.
ومن هنا،كانت كذلك الانتخابات الرئاسية،في دورها الأول (23 نوفمبر 2014) فرصة تاريخية جاءت لتكرّس منطق سيادة الشعب نفسه،وامتلاكه الإرادة في اختيار مَن يريد من المرشحين ال27 ليتولى مهمة قيادة الجمهورية،وقد شارك المواطنون بكثافة في ذاك الاستحقاق الانتخابي (62.9٪ من مجموع الناخبين). وجاءت النتائج على غير العادة مخبرة بعدم استئثار مرشح بعينه بأغلبية الأصوات،فقد ولّى عهد الرئيس الفائز بما يزيد على 90%،وأصبح التونسيون أحرارا في اختيار مَن يقودهم في المرحلة المقبلة..ايمانا منهم بالتعددية بديلا عن الأحادية المقيتة..
ما أريد أقول؟
أردت القول أنّ مشهدنا السياسي في ثوبه الجديد غدا منفتحا على تغيرات نوعية سواء في مستوى الفاعلين الجدد أو في مستوى الأساليب والخطاب والمرجعيات الفكرية والسياسية،ومن هنا لم تعد العقائد دينية كانت أو قومية أو مذهبية طبقية قادرة على صياغة المشروع السياسي الذي يؤطر المجتمعات ويحمسها،سيما وأنّ الثورة التونسية أفرزت جيلا جديدا من الناشطين في المجال المدني،قادرا على حماية ثورته والسمو بها عن كل مظاهر الإرتداد و الترجرج..وقد أثبت هذا الجيل الشبابي مهارة عالية أثناء اشرافه على شفافية ونزاهة العملية الإنتخابية..
وما على الأحزاب السياسية التي تناسلت بعد الثورة وتضخّم عددها إلا أن تتكيّف مع المشهد السياسي الجديد وتنفتح على المجتمع وتتفاعل معه وتصبح مدارس للكفاءات السياسية،بما من شأنه أن يجعلها في مستوى انتظارات الشعب المتعطّش للتحرّر والإنعتاق،وإلا سوف تصاب بالوهن والتكلّس وتجد نفسها خارج –دائرة التاريخ لتونس الحديثة- تدفعها نزعات انتهازية صوب مهاوي الإندثار كما حصل مؤخرا لبعض الأحزاب السياسية التي لم يشفع لها رصيدها النضالي،وتهاوت مثخنة بالإحباط والفشل..
وهنا أضيف: إنّ التونسيين من الجنوب إلى الشمال يرفضون بشكل قاطع إثارة النعرات الجهوية وتقسيم البلاد،وتهديد السلم الاجتماعي،ونسف المسار الديمقراطي،ولم يعودوا بالتالي يقبلون الوصاية على عقولهم،والاختيار بدلاً عنهم،والعمل على تنميط سلوكهم الانتخابي..
على هذا الأساس بالتحديد،بات لزاما على السياسيين أن يرتقوا إلى مستوى طموحات الشعب،ويحترموا حقه في اختيار الرئيس الذي يريد،ذلك أنّ منطق الإقصاء والإقصاء المضاد لا يخدم مطلب التعايش الديمقراطي،بل يهدّد بنسف الوحدة الوطنية،والانزياح عن التنافس السلمي عن السلطة إلى التعصب الشخصاني،أو الحزبي،أو الجهوي..والأهم لمن يريد الفوز برئاسة تونس في المدى المنظور (2019)،أن يبعث رسائل لغوية مطمئنة إلى الناس،ويظهر في صورة الرئيس الذي يجمع ولا يفرّق،يجمع المواطنين تحت راية الوطن،وراية الحرية،وحق التنوّع و الاختلاف،وينأى بخطابه الإنتخابي عن الزعامتية الواهمة،وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة..
بخصوص -دعاة الثورية المطلقة- ممن يخوّنون غيرهم ويدفعون في اتجاه تغليب النقل على العقل والفتق على الرتق،فما عليهم إلا أن ينهمكوا في النقد الذاتي وينظروا جيدا في مرآة الحقيقة حتى يتسنى لهم معرفة حجمهم الحقيقي،ومن ثم يريحون أنفسهم من مشقة البحث عن -وسام ثوري-لن يحصلوا عليه طالما ظلت الثورات وفية لصانعيها..؟..
أما فيما يتعلّق بالتطرّف بكل تمظهراته اللغوية،والسلوكية والفكرية والأيديولوجية والإرهابية،فبالرغم من كونه وجد بيئة تحتضنه وترعاه،إلا أنّه يتعرّض في المقابل إلى صد شعبي قوي من قبل كافة مكونات المجتمع المدني ما يكسب المعركة ويعيد البلاد إلى مسارها الطبيعي..ويكفي أن نستدل بقولنا هذا على -الفاطميين ذوي المذهب الإسماعيلي المتطرّف الذين حكموا بلادنا طيلة ثلاث وستين سنة(من سنة 909 إلى سنة 972) ولم يتركوا وراءهم اسماعيليا واحدا،مما يعني قدرة تونس المذهلة على مقاومة التطرف والمتطرفين من جميع المذاهب-..
هل بقي لديَّ ما أضيف..؟
قد لا أضيف جديدا إذا قلت أن السلطتين التشريعية والتنفيذية المنبثقتين عن الإنتخابات مطالبتان بإحترام مقتضيات الدستور والمؤسسات الدستورية للتأسيس لنظام جمهوري ديموقراطي تشاركي يستجيب لإستحقاقات المرحلة ويضمن بالتالي علوية القانون ويحترم الحريات وحقوق الإنسان واستقلال القضاء..
وهنا أختم: ثورة الكرامة بمعناها النبيل لدى شعب أوغل ليله في الدياجير،تعني الفعل الذي لا يقف عند حدود الكلام والنوايا،إنّما هي فعلُ وجود يصرخ أمام كل العالم بأنّ القهر غير مقبول وبأنّ الحرية والعدالة مبدآن لا يمكن التخلي عنهما مهما تصاعد في أعالي السماء دخان الخوف والتخويف..وأوغل-البعض منا-في زرع بذور الفتنة والإنقسام..فثورتنا المجيدة ستظل ثابتة ثبوت الرواسي أمام العواصف،ولن تحيد عن مسارها الصحيح،ولن تنحرف بأهدافها النبيلة عن الخط الذي رسمه الشهداء باللون الأحمر القرمزي..
ويذهب في الأخير الخطاب السياسي المتشنّج جفاء..وما ينفع التونسيين يمكث في الأرض..
..وتظل الحرية صراعا لا ينتهي.
ولن تنحني تونس ولا شعبها.
لست أحلم
ولكنّه الإيمان،الأكثر دقّة في لحظات الوعي الثوري الخلاّق،من حسابات المتطلعين للإستيلاء.. والطامحين في العلا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.