للأمانة في الإسلام معانٍ وصورٌ شتّى؛ فأداء الفرائض التي افترضها الله على العباد، وحفظ حقوقه وأوامره أمانة، والتوقي من الوقوع في المحظورات، والكفّ عن المنهيات أمانة؛ إذ أنّ الله تعالى لما طلب من العباد فعل الطّاعة، والكفّ عن المعصية، فهو في الحقيقةِ إنّما ائتمنهم على كلا الأمرين، آمرًا إيّاهم بمراعاةِ الأوامر فعلا، ومراعاة المناهي تركًا، فالتفريط في شيء من ذلك خيانة. من أجل ذلك جاء التحذير من خيانة الأمانة - بالمعنى الذي ذكرنا- مؤذنًا بالعتب، منبهًا بطريق الإشارة إلى مغبة خيانة ما أمر الله بحفظه من الفرائض واجتناب المنهيات، فقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" {الأنفال: آية 27}. ومن صور الأمانة كذلك التي كلّف بها المسلم أمانة العمل، وذلك بأن يؤديه على وجهه، ويحسن فيه ويتقنه، والأمانة في رعاية من أمره الله برعايته من أهله، وأمانة الرعاية لكل من وكلَ إليهِ الشرع القيام بحقّه، فهذه كلّها أمانات، من لم ينهض بها فقد خانها، وبعض الخيانات أشد من بعض. وللأمانة ثمرةٌ عاجلةٌ وآجلة، أمّا العاجلة فالأمانة تؤدي إلى خيريّة المجتمع إذا أصبحت صفة يتحلّى بها أفراده، وأمّا الآجلة، فممّا امتدح الله سبحانه المؤمنين به، رعاية الأمانة فقال عزّ من قائل: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" { المؤمنون: آية 8}.