ودعنا امس الاعلامي والاذاعي المصري الشهير احمد سعيد وهو يتدرج نحو المائة التي كان يحلم بها ولكن الموت افسد له حلمه هذا واسكته السكوت الاخير بعد ان ظل طوال الخمسينات والستينات والسبعينات صاحب اقوى وامضى واطول واسلط لسان عربي على الاطلاق تخشاه جميع الانظمة العربية ... كان احمد سعيد يدير اذاعة صوت العرب التي كان عبدالناصر يستخدمها كوسيلة فعالة لترهيب وتاديب وفضح الانظمة العربية ...وكانت هذه الاذاعة مخيفة بالنسبة للانظمة العربية لان صوتها يغطي كامل المنطقة العربية..ولانها ذات منحى اعلامي هجومي واسع جدا...ثم ولان مديرها احمد سعيد يحظى بشعبية كبيرة في اوساط المستمعين العرب...وكان الراديو في ذلك الزمان الوسيلة الشعبية الاكثر انتشارا وتاثيرا...وقد استثمر شعبيته هذه خصوصا في برنامج كان يتولى اعداده وتقديمه كل ليلة بعنوان (اكاذيب تكشفها حقائق)..وكان هذا البرنامج يمثل للملايين من العرب (تفرهيدة)..وفرصة ذهبية لهم يثارون من خلالها من قادتهم العرب ...وكان هذا البرنامج يتحول الى وسيلة ضغط وانتقام وهجوم على تونس كلما ساءت العلاقة بين بورقيبة وعبدالناصر...وكثيرا ماردت الاذاعة التونسية على صوت العرب واحمد سعيد ولكن دون جدوى نظرا لضعف ومحدودية دائرة بث اذاعتنا الوطنية... ان احمد سعيد كان من الاوائل في الوطن العربي الذين اسسوا مدرسة الاعلام (الهمجي) ...وانا هكذا اسميه..اعلام السب والشتم ومزج الحق بالباطل والفبركة والكذب والتشويه....اعلام الابتزاز..والتهديد...والاغتيالات المعنوية...واستخدام الرصاص الحي..(والكلمة لاتختلف عن الرصاصة...فهذه قاتلة ..وتلك كذلك ) ان بموت احمد سعيد يسكت اللسان الطويل الذي اسس اعلام التهريج ..وقلب الحقائق..ولكن في الوقع احمد سعيد لم يمت كاعلامي يوم امس ..لقد مات مع فضيحة نكبة جوان..وماتت معه اذاعته...بعد ان اكتشف العرب الحقيقة الصادمة التي لم يكن يتوقعوها بالمطلق.. وقد شاءت الاقدار ان يتوفى احمد سعيد في ذكرى النكبة التي هزت عرشه...وفضحت مدرسته الاعلامية...ولكن شاءت الاقدار كذلك ان يموت صاحب المدرسة ..ولاتموت المدرسة...بل ربما اصبحت اكثر هيمنة..وشراسة ...ووقاحة...وقلة حياء...ان مدرسة اعلام نهش اللحوم الحية...والابتزاز...والاغتيالات المعنوية....واطلاق الرصاص الحي على خلق الله هي السائدة اليوم وتستخدم وسائل جماهيرية مؤثرة جدا..واتاح لها التطو ر التقني امكانيات خرافية لتحويل الاكاذيب الى حقائق رحم الله احمد سعيد وغفر له وغفر لنا جميعا فكلنا نحتاج الى رحمة الرحمان الرحيم