حدد الدستور التونسي في بابيه الخامس والسادس الهيئات المستقلة وكان من المفروض بعثها كي نطمئن ونتحقق من السير الطبيعي لديمقرطيتنا الفتية التي ما زلنا نجربها وكرهها البعض منا بعدما رأى الفوضى التي جاءات بها وتمنى البعض الاخر الرجوع للوراء لديكتورية العهد الماضي الذي قامت عليه الثورة وفر صاحبها بجلده للسعودية بعدما افسد الحكم ومؤسساته التي كان يغطي بها تجاوزاته وطالت حتى القضاء الذي جره للانحراف والحكم بغير حق وبالاتجاء للحيل القانونية ارضاء لسيادته. لذلك حرس المجلس التاسيسي عندنا بإعطاء أهمية قصوى للمؤسسات المستقلة غلقا لمنافذ التجاوز في كل ميدان وما يمكن تطويعه وتتضرر منه الافراد والجماعات التي اختارت نظام حكم ملائم ومماثل للبلدان المتطورة في أروبا اسيا وفِي بلدان العالم الحر الاخرى التي سبقتنا وفازت بالامن والامان وبالاستقرار والتنمية المستدامة في كل القطاعات الهامة والمهمة. وجاء في الباب الخامس المنظم لسلطة القضاء في قسمه الاول ما تعلق بالقضاء العدلي والاداري والمالي بينما تم تخصيص القسم الثاني منه للمحكمة الدستورية التي مازالت تراوح مكانها بعدما عجز مجلس الشعب على توفير الأغلبية الموصوفة والمطلوبة . اما الباب السادس من الدستور فقد خصص كله للهيئات الدستورية المستقلة ورتبها هكذا: اولا:هيئة الانتخابات ثانيا:هيئة الاتصال السمعي البصري ثالثا: هيئة حقوق الانسان رابعا: هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة خامسا: هيئة الحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد كان ذلك مكتوبا في دستورنا المصادق عليه باغلبية موصوفة ومؤكدة في حفل مشهود تم نقله للشعب مباشرة على شاشات التلفاز وعبر الإذاعات المحلية والولية استمعنا الله بفرح كما استمع مثلنا يهتم بثورتنا التي باتت مثالا واهتم العالم كله بطريقة بنائها بصبر وعزيمة فولاذية. كان ذلك في يوم 27 جانفي 2014 وفرح الشعب يومها بذلك الإنجاز العظيم وعلى اساسه انتخابنا جمعية وطنية واشهدنا العالم على ذلك واكد ملاحظوه سلامتها من التدليس والتزوير التي كان سائدا في اغلب البلاد العربية. تم ذلك الاولا وتبعه انتخاب رئيسا للجمهورية بنسبة محترمة وقبل خصمه بالنتيجة وبادر بتهنيئته مثلما يحدث في البلدان العريقة. لقد ومر على ذلك اكثر من ثلاثة سنوات ولم ننجز من تلك المؤسسات الا الهيئة العليا للانتخابات التي قامت بدورها كما حدده لها القانون واشرفت على الانتخابات السابقة المذكورة، ولكن رئيسها استقال فجاة وتصدعت لأسباب بقيت مجهولة، فتم ترميمها في الأثناء وقامت بدورها مرة ثانية في الانتخابات البلدية التي لم تنصب هيئاتها بعد وفوجئنا بانقلاب على رئيسها وذلك بسحب الثقة منه من كل الأعضاء وما زال امره معلقا امام مجلس النواب ليقرر مصيره. اما المحكمة الدستورية المحدد اجل بعثها لمجلس نواب الشعب فقد توقف بها حمار الشيخ في العقبة، وبات البعض يفكر في تغيير القانون المسهّل لتشكيلها وربما كان ذلك لامر مقصودا من بعض الأطراف المهيمنة على الحكم والتي تخشى من شرها والله اعلم بالمقاصد. اما ما بقي في الباب السادس فنحن في انتظار اهتمام مجلس نواب الشعب به واسقرار حكومة الشاهد أو سحب الثقة منها وخاصة بعد تعليق مبادرة قرطاج الثانية التي كانت في الأصل لاحاطة الحكومة بحزام يحميها ويقويها من خارج البرلمان ولكنها انقلبت عليها مثلما وقع لحكومة الحبيب الصيد قبلها انتهت بسحب الثقة منها. لهذه الأسباب ولغيرها أردت التذكير بالقضايا الهامة والتي بقيت معلقة لأسباب لا نعرفها وتدفع بها إلسلط الثلاثة لآجال بعيدة بدون ان نعرف الأسباب الحقيقية. وفي النهاية اقول لمن يريد ان يسمع بان تلك المؤسسات تعتبر الضمانة الاساسية الوحيدة لأي ديمقراطية نريدها وبدونها يبقى الحكم عندنا معلقا على التوازنات والمصالح الزائلة وربما نعود الى الأساليب القديمة. لذا فإنني أناشد المجتمع المدني ومن له سلطة من الأحزاب المؤثرة ليتجندوا ويطلبوا بإلحاح اتمام ذلك الحزام الأساسي في اجل معلوم وقبل ان تنتهي عهدة المجلس ورئيس الجمهورية في أواخر سنة 2019 وعدم الترويج للتمديد الذي بدات بعض الأطراف تفرش له الطريق وتعبده بالإشاعة.