أزعم أن الشعب التونسي بأسره قد استبشر بتكوين هذه اللجان.. التي تم تركيزها وقيل أنه سوف تعهد اليها مهمة جمع كل أنماط التجاوزات والجرائم التي شهدها عهد الطاغية.. من أجل البتّ فيها.. وفيما يدعمها من حجج وأدلة.. بغاية عرضها على الهياكل القضائية.. والتي سوف تتعهد بالنظر فيها كلها من أجل مساعدة أصحابها على استرجاع حقوقهم المسلوبة.. ورغم ما تداوله المختصون وبعض رجال القانون.. من اعتراضات حول قانونية هذه اللجان.. والتي رأى بعضهم أنها تفتقد للشرعية القانونية بحكم عوامل تكوينها والتي أكدت أنها لجان سياسية بالاساس.. خاصة وأنها وأقصد طرق تكوينها لم تنح المنحي القانوني المطلوب.. وحول طريقة تعيين أعضائها.. والتي يجهلها الناس.. ويتساءلون على كيفيتها وعن الجهات التي تكفلت بها.. وعن الاسس التي اعتمدتها في ذلك إضافة الى اعتراض البعض عن بعض الاسماء الواردة ضمن هيئات هذه اللجان.. والتي يشك الناس في نزاهة اصحابها.. ويدعون انتماءها في السابق الى جهات معروفة وحتى الى أحزاب ظالمة.. وربّما حركات تعرف بولائها لبعض الاسماء الفاسقة. قلت برغم كل ذلك وبرغم هذه الآراء التي يرددها القانونيون.. والمختصون.. فلقد ظل السواد الأعظم من الناس.. معتقدا في قدرة هذه اللجان على لعب دورها.. وظلوا آملين في التعويل عليها من أجل ذلك. الا أن المتتبع.. لما يحصل.. وحتى اذا لم يكن يملك الثقافة القانونية التي تمكنه من حق الاعتراض على هذه اللجان.. وعلى شرعيتها.. فقد يلقى نفسه مجبرا على بسط العديد من التساؤلات.. حولها.. ولعله قد يتخلص في أثناء ذلك وبعده الى طرح تساؤل كبير.. يقول: ألا يمكن لهذه اللجان أن تفشل في أداء دورها فتتحول بذلك الى مقبرة قد نعمد اليوم وبإرادتنا الى دفن مشاكلنا بداخلها.. دون التمكن من الحصول على الحلول اللازمة لها.. أما لماذا أسوق هذا التصوّر.. والذي أنقله عن السواد الأعظم من الناس فلأن مسألة هذه اللجان ودورها.. مازالت غامضة.. ومازالت تمثل لغزا كبيرا في نظر الاغلبية منا.. ولأن الحكومة.. لم تكلف نفسها مشقة شرح هذا اللغز وحلّه.. ولأنها قد اعتبرت تكوينها انجازا سياسيا.. هاما وكبيرا.. لكنها لم تشرح لنا الغاية الاساسية من هذا الانجاز.. وهل أنها تدخل في إطار الرغبة الصادقة في طرح كل همومنا السابقة.. من أجل حلها.. ومن أجل محاسبة المتسببين فيها أم أنها تدخل في إطار الدعاية السياسية.. اللازمة لضمان الرضاء عن الحكومة المؤقتة.. ولضمان تواصلها.. وحتى تؤكد لنا وأقصد حكومتنا انها قد قطعت فعلا مع الماضي.. القريب.. ومع هنّاته.. وإذ يتداول الناس هذه الآراء.. فإنهم يرفقونها بالكثير من التساؤلات حول الدور الحقيقي لهذه اللجان.. وحول كيفية تعاملها اليوم مع واقع الأمس. في هذا الخصوص.. يتساءل هؤلاء.. عن نوعية الصلاحيات التي تملكها هذه اللجان وهل أنها مؤهلة فعلا رغم التشكيك في قانونيتها لتناول كل ما يعرض عليها من جرائم ومن تجاوزات حتى ولو كان بعضها يمسّ الكبار.. وربما البعض ممن يواصلون اليوم الجلوس على الكراسي. وفي خضم كل ذلك.. فهل أن هذه اللجان.. قادرة على اتخاذ القرار اللازم.. وعلى البتّ في اللازم.. ام ان دورها.. لن يتجاوز دور مكاتب الضبط والتي تكتفي عادة بتوجيه المراسلات لمن بيدهم الأمر.. وإذا كان ذلك كذلك.. وأقصد قدرة هذه اللجان على البتّ.. فهل أنها سوف تعمل على تناول كل ما يعرض عليها من مشاكل عامة وخاصة.. أم أنها سوف تكتفي بتناول المسائل الخاصة دون الخوض في الشأن العام.. وإذا لم يكن ذلك كذلك وأقصد اقتصار دور هذه اللجان على نقل ما يصلها للأطراف المختصة فهل ان المواطن الذي يقصدها ليعرض عليها بعض شأنه.. مطالب بفعل ذلك ام أنه من حقه.. التوجه مباشرة للسلط القضائية قصد فعله.. وهل تكتفي هذه اللجان بتقبل ما يصلها من الناس.. ام أنها سوف تعمد الى البحث في بعض الاوضاع السابقة.. من أجل التوقف على بعض ما كان يسودها من ظلم.. ومن ترهل. وإذا كانت سوف تفعل هذا.. وسوف تعمد الى البحث عن بعض مكامن الخلل في العهد الماضي.. فهل تسمح لها امكانياتها بفعل ذلك.. بالاعتماد على محدودية عدد أعضائها.. وحتى على طريقة عملهم والتي قيل أنها تكتسي طابع التطوّع.. وإذا كان من واجب المنتمين لهذه اللجان من الاعضاء.. العمل بصفة التطوّع.. رغم ما قد يسبّبه ذلك لبعضهم.. من مشاكل.. خاصة إذا كانوا سوف يضحون بأعمالهم من أجله.. فهل من حقنا التكهن باستعداد كل الاطراف الاخرى.. والخارجة عن اطار هؤلاء الاعضاء للتعامل مع هذه اللجان تطوّعا.. خاصة إذا كان التعامل والتعاون مع بعضها ضروريا.. ومطلوبا من اجل التوصل للحقائق.. (مثل مكاتب الدراسات ومثل مكاتب الخبراء وغيرها من المكاتب.. والهيئات.. والتي قد تدعى يوما للقيام بدورها من أجل المساعدة على دراسة بعض الملفات.. العاجلة والأكيدة). هذه بعض التساؤلات التي يطرحها الناس حول هذه اللجان.. وحول دورها وما ينتظرونه منها.. وإذ اعرضها على من بيده الأمر.. فلأنني أعتبر أن حكومتنا الحالية مدعوة.. للتركيز عليها.. ولمحاولة شرح ما يحيط بها من غموض للعامة. أقول هذا.. حتى لا تختلط علينا السبل.. وحتى ننجح في الاعداد للمرحلة المقبلة من حياتنا.. وحتى نفهم كلنا ما يجب علينا فعله من أجل ذلك.. وحتى لا يواصل بعضنا التصوّر.. بأن هذه اللجان.. قد تم تركيزها.. من أجل أن تتحول الى مقابر.. لدفن الملفات التي تدين الذين أساؤوا لهذا الوطن.. واستباحوا خيراته.. من السابقين وأقوله.. أخيرا.. حتى يزول الغموض.. من حياتنا.. وحتى نتأكد من حسن نوايا الجميع.. فلا ندعي.. أن بعض القائمين اليوم يمثلون.. صورا طبق الأصل من السابقين.. ولعلني بغير حاجة للمزيد من الشرح.. والتفسير.