تفتح ملف الظاهرة السلفية في تونس كيف انتشرت، من يقف وراءها، ما هي مُسبّباتها ؟ (سلسلة من الأحاديث والتحاليل والمقاربات) 3 الإعلامي والمحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي تداعيات 11 سبتمبر والخطاب الإعلامي الديني المكثف وأزمة القيم ساهمت جميعا في تشكل التيار السلفي الخطاب(السلفي) يحتاج إلى نقد من داخله ولا يحتوي بالضرورة على ثوابت من الدين لا يمكن مراجعتها نحتاج إلى يقظة أمنية وإلى بيداغوجيا لإدارة الحوار مع هؤلاء دون الاعتداء على حقوقهم الأساسية التي ضمنها الدستور التونسي والمواثيق الدولية نحن في حاجة لنظرة شاملة إلى المرتكزات الثقافية لهذا التيار بكامله دون وضع الجميع في سلة واحدة ودون الأداة الأمنية لوحدها في هذه الحلقة من سلسلة الحوارات التي تجريها "السياسية" حول انتشار الفكر السلفي عند فئة من الشباب التونسي وتداعيته الدراماتيكية على المجتمع والبلاد بشكل عام، التقت بالصحافي والخبير في الجماعات السلفية السيد صلاح الدين الجرشي لمعرفة آرائه في الجدل القائم حول موضوع السلفية بشتى تشكيلاتها وتصنيفاتها والعوامل الكامنة وراءها خاصة وان ظهورها في تونس جاء متأخرا بعض الشيء عن الحركات السلفية الأخرى في الدول العربية وباقي بلدان العالم وإن كانت "قد تتقاطع مع بعض أصول الحركات الإسلامية في تونس التي برزت للوجود في مطلع السبعينات" حسب ما جاء في كلام محدثنا. ولمزيد إثراء الجدل القائم حول هذه الظاهرة شبه الدخيلة على المجتمع التونسي نورد لكم فيما يلي تحليلات الأستاذ الجورشي لهذا الموضوع بكل أمانة عسى أن تتحدد إستراتيجية وطنية شاملة تنبني على مختلف المقاربات الفكرية والسياسية وتشرك جميع المختصين والفاعلين في هذه البلاد لمعالجة سلبيات هذه التيارات التكفيرية وإيجاد الحلول العلمية القمينة بالحد من انتشارها وإدماج المنخرطين فيها في الحركية الاجتماعية والثقافية والسياسية للبلاد.
في البداية لو تقدم لنا تعريفا دقيقا لمفهوم السلفية؟ السلفية هو مصطلح حديث تمت صياغته في السنوات القليلة الماضية للتعبير عن الجماعات التي تجعل من السلفية مبدأ أو أرضية لها تتقيد بتوجهاتها ومرجعياتها وشخوصها ولكنها تربط ذلك بضرورة العمل المسلح ضد من تعتبرهم أعداء الإسلام والأمة. وذلك لتمييزه عن تيار آخر سلفي لكنه يعتبر أن المنطلق يجب أن يكون سلميا في الدعوة وبالتالي يتقيدون بالمراجع التي تؤكد من وجهة نظرهم على عدم الخروج على الحكام وإنما تجب نصيحتهم وهذا ما يطلق عليه السلفية العلمية في حين أن التيار الأول يعتبر أن النصيحة لا تكفي وأن هؤلاء الحكام الذين يفترض نصيحتهم قد خرجوا على الدين بإصرارهم على عدم تحكيمه في شؤون الناس والأمة، وأن ظهورهم و تعاونهم مع الأعداء يشكلان شرطان كافيان لمقاومتهم مقاومة مسلحة وهكذا أصبح الأمر يقتضي التمييز بين تيارين أولا السلفية العلمية وهي تيار سلمي مهادن للأنظمة ومتعاون معها من أجل حماية التوجهات الدينية وبين تيار آخر يقدم المسألة السياسية على المسألة العلمية ويدعو للخروج على الحكام مهما كانت المواصفات الدينية المتوفرة في أنظمة الحكم القائمة.
أستاذ لو توضح لنا أسباب تأثر فئة من الشباب التونسي بالجماعات السلفية ؟ أول ما يلاحظ أن السلفية كما تفهم اليوم وحتى الخصائص العقائدية والإيديولوجية التي تبلورت في السنوات الأخيرة بالخصوص تشكل ظاهرة وافدة وجديدة على المجتمع التونسي وبالتالي فنحن في تونس نتحدث عن نشؤ تيار لا جذور تاريخية ودينية له في المجتمع التونسي وإن كانت هذه الخلفية الإيديولوجية والدينية قد تتقاطع مع بعض أصول الحركات الإسلامية في تونس التي برزت للوجود في مطلع السبعينات بمعنى أن هنالك جذر مشترك بين الحركات السلفية والحركات الإسلامية على نمط الإخوان المسلمين لكن مع هذا التقاطع الملحوظ في نشؤ الأصول العقائدية والفكرية أحيانا هنالك تمايزات هامة تفصل التيارين. ما أريد التأكيد عليه أن هذا النمط من التفكير ورد لتونس وبدأ يؤثر في بعض شبابنا مع نهاية القرن الماضي وبالخصوص بداية الألفية الثالثة ويعود ذلك لأسباب متعددة. التداعيات التي ترتبت عن أحداث 11 سبتمبر والتي أدت إلى نتيجتين: الأولى ظهور ولادة السلفية الجهادية على نطاق عالمي بعد أن كانت محصورة داخل بعض الأقطار العربية وخاصة مصر وأفغانستان، النتيجة الثانية وتتمثل في رد الفعل الأمريكي والغربي حيث كثر الخلط بين الإسلام والعنف وحيث توالت الانتقادات والهجمات المكثفة من قبل الأوساط الغربية اليمينية وحتى اليسارية ضد الإسلام والمسلمين وهو ما جعل جزءا من الشباب التونسي يتأثر بهذه الأجواء العالمية التي خلقتها تلك الأحداث الكبرى وازداد التأثير قوة عندما تم احتلال العراق بشكل غير مبرر والمصحوب بعنف شديد مما زاد في حالة التعاطف مع تنظيم القاعدة وأطروحاته كما زاد في تعميق الخطاب الهوياتي أي الذي يرتكز على الهوية ليس بمفهومها الثقافي وإنما الديني العقائدي كما يمكن أن نضيف عامل آخر مهم لنفسر ظهوره في تونس هو الأزمة الأخلاقية التي لها مظاهر عديدة وتعيشها أوساط مختلفة بدأ بالمجال الفردي إلى الفضاء الأسري والاجتماعي ..إن كان البعض يفسر ذلك بالتغيير الذي يطرأ على العقليات بحكم التحول الذي يطرأ على المجتمع التونسي بسبب العولمة إلا أن التفكك الأسري والجريمة وتراجع القيم المدنية وانتشار قيم الربح العاجل على حساب الصدق والمروءة ...كل ذلك يفرز في الكثير من المجتمعات حالة من البحث عن الذات وعودة إلى نمط من التدين الذي يعتبره أصحابه تدينا صافيا يستند إلى أصول النماذج التاريخية كما عاشها الجيل الأول من المسلمين. العامل الثالث هو الفضائيات العربية التي تحول بعضها إلى وسيلة إعلامية فعالة لنشر نوع من الثقافة الدينية التي تدعو إلى النقاء والتشبه بجيل الصحابة في الكثير من المواصفات. ومن هنا أصبح للخطاب الإعلامي المكثف دورا مهما في تعميق جذور التيار السلفي في تونس من خلال الخطاب الوعظي والخطاب الفقهي الذي يعتمد على التحريم وتعميق الخوف من الآخرة والذي يبرز أهمية الشهادة ويدعو إلى القطع مع نمط الحداثة القائم، كل هذا مكن من احتراف الإعلام المحلي الذي يتميز بالضعف والهشاشة وغياب التعددية. في هذا السياق تشكل التيار السلفي.
حسب رأيك، ما هي الحلول الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة وإنقاذ الشباب التونسي من عواقبها؟ أولا يجب عدم الخلط بين مستوى أول هو التدين الطبيعي وهي حالة يجب التعامل معها بكثير من احترام الحق في التدين وبين درجة ثنية وهي السلفية العلمية وهو عبارة عن خطاب محافظ يقع ترجمته في سلوكيات مخالفة للسلوك العام وهذا المستوى أيضا يحتاج إلى احترام حق أصحابه في ممارسته وفي نفس الوقت معالجتهم بطرق علمية وبيداغوجية متطورة حتى يدركوا أن الخطاب يحتاج إلى نقد من داخله وأنه لا يحتوي بالضرورة على ثوابت من الدين لا يمكن مراجعتها. أما المستوى الثالث السلفية الجهادية فهذه تحتاج إلى تبصر وحكمة في التعامل معها لأنها تنقسم إلى مستويات فهنالك من اندفع بشكل عاطفي لتأييد المقاومة وهذا يجب أن يوضع في سياقه ويدور مع هؤلاء حوار للبحث عن وسائل سلمية للتعبير عن التضامن الأمة مع ما يجري في العراق، المهم أنه لا يجب خلطهم بشق آخر يتبنى طروحات القاعدة ويسعى انطلاقا مما يجري في العراق إلى تنزيل الصراع على مستوى محلي وبالتالي الدخول إلى مواجهة عنيفة ومسلحة ضد النظام والتونسيين عموما وهذا يحتاج إلى يقظة أمنية وإلى بيداغوجيا لإدارة الحوار مع هؤلاء دون الاعتداء على حقوقهم الأساسية التي ضمنها الدستور التونسي والمواثيق الدولية. أخير، نحن في حاجة لنظرة شاملة تجعلنا ننظر إلى المرتكزات الثقافية لهذا التيار بكامله ولا نضع الجميع في سلة واحدة ولا نضع الأداة الأمنية وحدها لمعالجة هذه الظاهرة واستتباعاتها على المجتمع التونسي. أجرى الحديث بدر السلام الطرابلسي ------------------------------------------------------------------------ اقرأ أيضا في هذا الملف
تفتح ملف الظاهرة السلفية في تونس كيف انتشرت، من يقف وراءها، ما هي مُسبباتها ؟ (سلسلة من الأحاديث والتحاليل والمقاربات) 2 السياسي محمّد الكيلاني انتشار البطالة عند الشباب المتعلم وغياب فضاءات الحوار الجادة والأزمة الإيديولوجية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتشار إعلام الإثارة عوامل ساهمت في انتشار التكفيريّة والنزعات المتطرفة
الفضائيات الخليجية روّجت للتكفيرية والأنترنات وسيط تكنولوجي فعال في استقطاب الشباب للحركات "الإرهابية"
تفتح ملف الظاهرة السلفية في تونس كيف انتشرت، من يقف وراءها، ما هي مُسبباتها ؟ (سلسلة من الأحاديث والتحاليل والمقاربات) 1 الدكتور علية العلاني: التصحر الفكري دفع بشرائح من الشباب التونسي للانخراط في الحركات السلفية الجهادية الحسم عند الحركات السلفية يكون بمنطق الكفر والإيمان ويتم بالعنف والتصفية الجسدية إن التوجه السلفي يتقلص كلما اتسع فضاء الحريات وانتشر العلم الصحيح www.assyassyia-tn.com/index.php