الوكالة الوطنية لحماية المحيط تسلط الضوء خلال ندوة على جهود تونس لحماية طبقة الاوزون طيلة 4 عقود    الرابطة المحترفة الاولى(الجولة6-الدفعة1): النتائج والترتيب    كأس العالم: الفيفا يُكافئ الأندية ب355 مليون دولار    عاجل/ 11 مصابا في حادث مرور مروّع بهذه الجهة    عاجل: بالأسماء: انتخاب اللجان المستقلة بجامعة كرة القدم    توزر: مهنيون يتطلعون إلى تحسين المنتج السياحي وتسويقه والعناية بنظافة المدن وتنظيمها استعدادا للموسم السياحي الشتوي    مستقبل قابس يعزز صفوفه بالظهير الايسر ياسين الميزوني    عاجل/ 16 دولة توجّه نداء من أجل سلامة "أسطول الصمود"    عاجل/ القبض على "مروّع الأطفال" في خزندار    توقيع اتفاقية شراكة بين منظمة اليونسكو و مؤسسة الصادق بالسرور لدعم الثقافة في تونس بميزانية تقدر ب 1.5 مليون دولا أمريكي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    عملية جديدة للعودة الطوعية لفائدة 150 مهاجرا غينيا من تونس    وائل نوار: "الرد على المشككين في خروج أسطول الصمود لم يستغرق سوى 5 دقائق"    بطولة العالم للكرة الطائرة أكابر: فوز الفيليبين على مصر 3-1    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    عاجل/ البعثة التونسية الدائمة بجنيف تُدين الاعتداء الاسرائيلي على قطر    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    عاجل/ الصيدليات الخاصة توقف العمل بهذه الصيغة    اتفاق تونسي–سعودي لتسهيل إجراءات العمرة والزيارة للتونسيين    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    قرى "آس أو آس" تجمع تبرعات بقيمة 3 ملايين دينار.. #خبر_عاجل    الكمبيالات تفوّت الشيكات: استعمالها يرتفع ب155٪...هاو علاش    دورة سانت تروبي للتحدي للتنس: معز الشرقي يتاهل الى الدور الثاني    القيروان : وفاة شيخ يعاني من إعاقة بصرية تناول مبيدا حشريا على وجه الخطأ    غار الدماء: امرأة تُضرم النار في جسدها داخل معهد    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    عاجل - يهم التوانسة : التمديد في الصولد الصيفي    ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يدينون الاجتياح البري لغزة    الرئيس الفنزويلي يتهم واشنطن بالإعداد لعدوان عسكري على البلاد    وزارة المرأة تنتدب    لمحبي الرياضة : تعرف على الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ومارسيليا    عاجل: دوري الأبطال يتغيّر.. شنوة التغيير الجديد؟    مقتل 31 مسلحا من حركة طالبان الباكستانية    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    شنوّا تعمل البنوك بفلوسك؟    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    خطر كبير على ذاكرة صغارنا: الوجبات السريعة تدمّر المخ وتسبّب ضعف الذاكرة!    ال'' Vape'' في الكرهبة: خطر كبير على السواق والركاب...علاش؟    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    علاش تمّ إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود الCIVP؟    عاجل: الرابطة تستدعي الكنزاري.. شنوّة صاير مع مدرب الترجي؟    نيران تلتهم الهشيم بزغوان.. 1000 متر مربع من الغابة تضرروا...شصار؟    سحتوت ''العراف'' ...يتوفى بمبيد الحشرات في بوحجلة...شنوا حكايتوا ؟    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب السياسية
نشر في السياسية يوم 01 - 06 - 2009


الحاجة للروحانية زمن العولمة
بقلم:جلال عليبي
[email protected]
الرياض 13 جويلية 2009
مثّل كل من النجاح والسعادة رغبة أساسية في حياة البشرية منذ أقدم العصور وكلنا يسعى اليوم، مثلما سعى أسلافنا، لتحقيق هذه الرغبة ويفكر ليلا نهارا عن السبل المؤدية إليها وعن الإستراتيجيات الملائمة لتحقيقها. لكن رغم تعدد الدراسات والبحوث التي اهتمت بموضوع النجاح في شتى المجالات فإن تحقيق حياة مليئة بالنجاح والسعادة في مجالات الحياة الشخصية والإجتماعية وفي غيرها من المجالات يتوقف، حسب رأي، على المزج بين عاملين أساسيين : العقلانية و الروحانية.
ويتضح للمتتبع لتاريخ الحضارات على مرّ العصور أنّه لم يقع التنبه إلى أهمية خلق توازن ملائم بين هذين العاملين. ففي بعض الحضارات تفوقت الروحانية على العقلانية وهو حال الحضارات الشرقية وفي حضارات أخرى، كالحضارة الغربية اليوم، حدث العكس فكانت الغلبة للعقلانية. وفي اعتقادنا يمثل غياب توازن ملائم بين العقلانية والروحانية في حياة الناس أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الحضارات. ومع تأكيدنا على أهمية العقلانية في حياة الأفراد والمجتمعات كأساس للتقدم وتحقيق المنافع في مستوى الحياة الفردية والجماعية فإن الروحانية هي التي تعنينا في هذا المقال. منذ أحقاب موغلة في القدم ...كانت المسائل الروحانية من بين الحاجات الضرورية والجوهرية في حياة المجتمعات. واليوم في زمن العولمة تبرز أهمية هذه الحاجة وضرورتها في حياة الناس أكثر من أي وقت مضى . يجب أن نسلم بأننا نعيش اليوم آخر ثمار الحداثة ونعني بذلك " العولمة" التي فرضت نفسها كظاهرة أصبحت ضرورية وفي الآن نفسه لا يمكن تجنبها والخلاص منها. وبقطع النظر عن موقفنا من هذه الظاهرة سواء كان الموقف مؤيدا أو رافضا لها وبقطع النظر أيضا عن نظرتنا إليها بإعتبارها ظاهرة إيجابية أو سلبية فإن المؤكد أن العولمة أصبحت تشكل اليوم واقعا لا يقبل الجدل وهي في أوج توسعها. ولتجنب أي غموض فإن المقصود بالعولمة، التي تعددت تعريفاتها، هي تلك الظاهرة التي جعلت العالم منفتحا على بعضه ويشهد حركة تبادل حر للسلع والأفكار والمعلومات. لكن ما يعنينا هنا ظاهرتان أساسيتان تشكلان تجليا للعولمة وتعبران في الآن نفسه عن هذا العالم المنفتح، ونقصد بذلك: ترابط أحداث العالم ببعضها البعض وسرعة انتقال المعلومات بين أنحاء المعمورة بسرعة قياسية. إن تأثير أي حدث في أي منطقة على بقية أنحاء العالم سواء بشكل بليغ أو طفيف يمثل ظاهرة جلية في هذا العصر ويكفي أن نذكر مثلا ما ترتب عن ضرب المركز التجاري العالمي في نيويورك سنة 2001 ( نقصد أحداث 11 سبتمبر ) من تداعيات على العالم من غزو لدول وسقوط لحكومات وحروب وصراعات مازالت مؤثرة في العلاقات الدولية إلى اليوم ويكفي أيضا أن نذكر ما تحدثه المخاطر التي تطفو على السطح من حين لآخر في الشرق الأوسط على أسعار النفط وعلى مستويات النمو الإقتصادي في بقية أنحاء العالم حتى ندرك الترابط الشديد بين أحداث العالم وذلك خلافا لما كان يحدث في زمن أسلافنا حيث لم تشكل هذه العلاقة السببية قاعدة، ففي الماضي كان من الممكن أن يقع حدث هام دون أن تكون له أية انعكاسات على بقية مناطق العالم. لكن اليوم لا يمكن تخيل ذلك بل يمكن أن ننتظر ما سيترتب عن حدث ما في أي منطقة في العالم على أجزاء أخرى من الأرض. كذلك يمثل الانتقال السهل والسريع للمعلومات إحدى التجليات الأساسية للعولمة فقد أصبح بإمكان سكان الأرض أن يطلعوا وبشكل سريع على كل ما يحدث في مختلف المجالات وفي مختلف أنحاء العالم وذلك بفضل التطور الكبير الذي تشهده وسائل الاتصال وتقنياتها خلال العقدين الأخيرين. وقد كانت لهاتين الظاهرتين انعكاسات عميقة في حياة البشرية فاليوم نعيش عصرا تشهد فيه حياتنا الموضوعية تقلصا متتاليا مقارنة بكل الفترات التاريخية السابقة وذلك نتيجة لما ذكرناه من تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة لأي حدث في العالم على بقية أجزاءه. ففي هذا العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة تترابط فيه الأحداث وأصبح ممكنا أن نلاحظ بسهولة الأفعال وردود الأفعال والأسباب المتحكمة في العلاقات بين مكونات العالم، بمعنى آخر لم يعد محيطنا المحلي والجهوي والوطني منفصلا عن المحيط الإقليمي والدولي. بالمقابل يشهد هذا العصر توسعا متزايدا وسريعا لعالمنا الشخصي. ما يحدث اليوم في العالم الداخلي لكل شخص أصبح أكثر إتساعا وتعقيدا مقارنة بالعالم الداخلي لأسلافنا، فاليوم نعلم أشياء لا يعلمها أسلافنا ولا يمكنهم تخيلها. هذا التقلص للعالم الموضوعي والتوسع للعالم الشخصي أدى إلى وضعية مستجدة لا يمكن مقارنتها في عديد النواحي بوضع العالم في الماضي.
لقد غيرت هاتان الظاهرتان المرتبطتان بالعولمة ( ترابط الأحداث ببعضها والانتقال السريع للمعلومات) الأوضاع في العالم. وتبرز لنا اليوم اختلافات عميقة بين الوضع الحالي والوضع في الفترات السابقة وهو ما يجعلنا في أشد الحاجة للروحانيات. ييرز الاختلاف الأول في الاستعمال الواسع لوسائل وتقنيات متعددة ومتنوعة متاحة للبشرية لا يمكن مقارنتها بما كان متاحا للناس في الماضي من وسائل محدودة و بسيطة. فاليوم إذا قرر أحد الأفراد إلحاق الضرر بالآخرين أو أن يخلّ بنظام الحياة الجماعية فإنه بإمكانه أن يجد بين يديه أكثر من وسيلة ليحقق هدفه المؤذي، بينما في الماضي من يرغب في إلحاق الضرر بنظام الحياة الجماعية لا يتوفر له إلا عدد محدود من الوسائل لتحقيق غرضه. اليوم يمكن لشخص واحد بضغط على زر أن يدمر ويؤذي الآلاف بل الملايين من الناس وتحقيق أشياء يتطلب إنجازها في الماضي سنوات عديدة. ويبدو الوضع اليوم أكثر خطورة من الماضي نظرا لانتشار التسلح بشكل لا مثيل له في أي عصر من العصور، لقد ظهر هذا الخطر بجلاء في منتصف القرن الماضي من خلال إلقاء الأمريكان قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين مخلفين مئات الآلاف من الضحايا ويبدو الوضع اليوم أكثر خطورة من الماضي مع تقدم العلوم والتقنيات المتصلة بالتسلح بالتزامن مع تفاقم الصراعات التي تغذيها المصالح الاقتصادية المتعارضة بين البلدان فضلا عن تزايد حدة الفقر واحتداد الفوارق الاجتماعية بين بلدان الشمال والجنوب بل داخل نفس البلد. هذا الوضع الجديد حيث الوسائل الملحقة للأذى بالآخرين متاحة بسهولة يجب التفكير في نظام مراقبة فعال لحماية الناس ومصالحهم من تعديات الآخرين.
لكن حتى تكون هذه الآلية حقيقة فعالة فإنها لا يمكن أن تكون آلية خارجية فقط. فاليوم بالرغم من التقدم الحاصل فإن آليات المراقبة الخارجية لا تكفي لمنع التحديات وإمكانية إلحاق الضرر بالناس أفراد وجماعات. والإنسانية في حاجة أكيدة لآلية مراقبة ذاتية داخلية، متمثلة في التربية الروحية، تعزز دور الآليات الخارجية، هذا إلى جانب السعي لمعالجة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تفاقم الصراعات وحدّة النزعة العدوانية لدى الإنسان المعاصر. ويتمثل الاختلاف الثاني في عدم الانبساط وعدم الرضى الذي يميز حياتنا اليوم على خلاف حياة أسلافنا. فاليوم نجد وسائل كثيرة متاحة بين أيدينا لتحقيق الملذات غير أن عدم انبساطنا ورضانا كبير جدا وذلك على خلاف أسلافنا حيث لم تكن تتوفر لهم إلا وسائل محدودة لتحقيق كمالياتهم لكنهم كانوا أكثر شعورا بالرضى من الإنسان المعاصر .
ويمكننا أن نلاحظ بكل سهولة من خلال المقارنة بين الحياة في الماضي والحاضر أنه كلما وجدت إمكانيات عديدة للابتهاج والسرور قل رضانا وسرورنا على خلاف ما إذا كانت هناك إمكانية واحدة للابتهاج. فهذا الإنسان المعاصر الذي تتاح له كثير من الوسائل لتحقيق الابتهاج نجده يشعر بعدم رضى كبير لأن كل لذة بالنسبة له تعني مئات اللذات التي يعرفها لكنها ضائعة ولا يقدر على تلبيتها . وأصبحت بذلك الحضارة، التي من المفروض أن تسعد الإنسان وتمنحه السعادة، مصدرا لعدم الرضى الذي يصل عند الكثير إلى حالة من الإكتئاب. ويتأكد لنا، مثلما نبّه لذلك فرويد منذ حوالي قرن، أنّه كلما كانت الوسائل محدودة لتحقيق سرورنا نشعر بأكثر رضى وبالمقابل كلما زادت هذه الوسائل ينتهي الإنسان إلى شعور بعدم الرضى قريب جدا من " الكراهية " لأشياء كانت تحقق لأسلافنا الكثير من السعادة. كيف يمكن إذا معالجة هذا الشعور بعدم الرضى؟ كيف يمكن ترضية إنسان يسيطر عليه شعور بعدم الرضى؟ لا شك أنه لا يمكن اقتراح المزيد من الملذات والشهوات لأن هذا الشعور بعدم الرضى لدى الإنسان المعاصر يتغذى من كثرة الملذات المتاحة.
لحل هذا المشكل ليس هناك من حل سوى الإنعكاف على العالم الذاتي لكل شخص. يجب البحث في العالم الداخلي لهذا الإنسان الذي يكره العالم الخارجي، يجب البحث عن عوامل تساعده ليصبح هادئا سعيدا ومليئا بالأمل في حياته الداخلية حتى يجد معنى عميقا لوجوده. هكذا نحن اليوم في حاجة، لحل هذه المشاكل، للروحانية. لكن أية روحانية؟ إنها الروحانية التي تمنح الإنسان معنى عميقا للحياة، معنى أصيل مليء بالفرحة والأمل والرضى، ينهي كل صراع بين الإنسان وذاته. هذا هو المعنى والهدف النهائي للروحانية التي نحن في أشد الحاجة إليها اليوم. لكن رغم هذه الحاجة الأكيدة فإنّه يجب الإعتراف بأننا اليوم أقل فرصا، لأسباب عديدة، لجعل حياتنا المعاصرة أكثر روحانية. والإنسانية مدعوة اليوم، رغم العوائق الكثيرة، لبذل جهود كبيرة ومتواصلة لإيجاد الوسائل الضرورية لإحلال الروحانية في حياتنا ولخلق توازن ملائم بينها وبين العقلانية حتى يكون للحياة معنى. لكن يجب التنبيه إلى أن هذه الروحانية المنشودة لا يمكن أن يكون لها معنى حقيقي ما لم تكن مرتبطة بمعتقدات ومشاعر سليمة فضلا عن إرادة قوية.

* كاتب تونسي مقيم بالمملكة العربية السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.