الاستحقاق، «التجمع» ومشروع الرئيس كتب: عبد الرؤوف المقدمي ما هو أهم ما اختمر في التجمع الدستوري الديمقراطي منذ مؤتمر التحدي الى حدود هذا الاستحقاق؟ ، إذا ما ذهبنا الى عمق الأشياء، فإن أهم شيء هو المقدرة، بجلاء ووضوح على شرح مشروع الرئيس زين العابدين بن علي لتونس. ولأنه مشروع تحديثي وحداثي، فإن شرحه وبسطه للناس قصد هضمه وفهمه، ثم التفاعل معه والمساهمة فيه كان يحتاج أولا الى فكر حيوي بإمكانه ان يرسي خطابا سياسيا مقنعا، وفاهما لتركيبة الرأي العام وطرق ضخه بما يؤطره فكريا، ثم ما يجعله منخرطا في حياة وطنه. وبإمكانه أيضا ان ينقّي الخطاب السياسي بما لحقه من تهرئة وفقدان للمصداقية جرّاء الحماس المفرط لغويا الذي لا قاعدة له، واللغة الخشبية القديمة التي انتهى مفعولها الزمني، فأصبحت إما مدعاة للضجر او للضحك الذي كأنه بكاء، وهو ما لا يحتمله مشروع الرئيس بجديته وبثقله، وبما يحمله من فكر إصلاحي حقيقي، يهيئ لحاضر تونس ولمستقبلها أيضا. ومن أضلاع مستقبلها هذه الآلاف المؤلفة من الشباب الذين بدؤوا ينتبهون الى جدية هذا المطروح في شأنهم ولأجلهم، ويستعدون بفرح للتفاعل معه والمساهمة فيه، وهو ما مهّد له الخطاب السياسي (بدرجة أولى) لقيادة الحزب، وعزمها على تأطير الشباب، وصقله وتدريبه ليس بالضرورة على العمل الحزبي وحده بل على العمل الوطني ككل. وبلا شك فإن ذلك هو نتيجة، للتفاعل الجدي للقيادة مع مشروع الرئيس، الذي يوصف بالضرورة أيضا بأنه مشروع فتي نظرا الى حيويته، وأنه مشروع شباب نظرا الى ما يتدفق منه يوميا من حركة، لا تحتمل تلكّس الفكر، أو الذهن الهرم. والرئيس زين العابدين بن علي، رجل جدي، توجهاته واضحة، ومشروعه جليّ. أما جديته فليست جديدة، بل ان تاريخه كله يشهد له بذلك وكانت الحركة التي أقدم عليها ليلة 7 نوفمبر 1987 متّكلا على الله، وعلى صدقه، وليس على شلل وجماعات، أقصى ما يمكن ان تصل إليه معاني التضحية والمسؤولية. وأما توجهاته فقد أعلن عنها مبكرا في بيانه الشهير، حتى أنها لم تكن تحتاج الى تفسير من أي كان. وأما مشروعه الاصلاحي الكبير، السياسي والاقتصادي، فقد أُرسي كله بتعليماته هو شخصيا وفي أدقّ التفاصيل، وبتخطيط منه ومتابعة. لهذا ركّزنا في هذه الورقة على الجدية، التي هي اصل نجاح اي مشروع كبير، وعلى ضرورة ان تُرى في الخطاب وفي السلوك، وفي العمل اليومي. ولأن الرئيس كذلك حظي على الدوام بثقة واحترام شعبه وليس انخراط كل المنظمات الوطنية العتيدة في مساندة ترشحه إلا الدليل وكذلك فعلت أغلب أحزاب المعارضة، وبمثل هذا التمشي سارت آلاف من المصطلح على تسميتهم بالمستقلين، الذين بايعوا في الأخير جدية الرئيس، ورهانه على كل القوى الكامنة في تونس، وحرصه الحقيقي على الشباب كقناعة ثابتة لديه، وليس كشعار للاستهلاك، وإذا كان التشغيل مثلا أولوية مطلقة لديه وثابتة، فهذا معناه أن الشباب هو أولويته. ودعنا نعترف ان التجمع الدستوري الديمقراطي استطاع ان يبلور (بعد سنوات طويلة) خلال الفترة الأخيرة، ما أعاد الى الخطاب السياسي شدّه للانتباه، وتقليبه وتمحيصه وإذكاءه لروح الجدل البنّاء، والسّرّ كامن بلا أدنى شك في جدية ما يطرح، وفي أسلوب قوله، وفي اختيار عناصره. وما كان ذلك ليكون لولا الفهم العميق أولا وقبل كل شيء لما يختمر في المجتمع ولما يدور في المعلن والمسكوت عنه فيه، وفي القدرة على استشراف متغيراته. وهذا هو دور الأحزاب السياسية، أما تنفيذ وصفات العلاج وإيجاد الحلول، فراجع الى عدة أطراف وملقى في مسؤوليته على الجميع من الصادقين والجديين والواعين بثقل هذه الأمانة المتهيئين لتونس الغد، المنخرطين على الدوام في مشروع بن علي الذي هو مشروع تونس مهما كان موقعهم ومهما كانت توجهاتهم. إن هذا المشروع الاصلاحي الوطني الكبير، يحتاج كما هو معلوم، الى أياد متشابكة من أجل خدمة تونس وشعبها الى تونسيين هم عبارة عن جسد واحد، ديدنهم المصلحة العامة، ومحرّكهم الوعي بحقائق العصر، انه يحتاج الى وفاق وطن وإلى التفاف حول الرئيس بإخلاص ونوايا لا تتجاوز خدمة هذا الوطن وجماهيره. إنه يحتاج الى حزب حاكم، يواصل مهام تاريخية واستحقاقات نجح فيها خلال تاريخه الطويل، لأنه كان دائما يمتلك القدرة على التجدد، وعلى رصد المشاكل وحلّها، وعلى الاستقواء بالشباب والقوى الحيّة. وها هو التجمّع كعادته ينخرط في تلك المهام، والدليل تباشير هذا الوعي، المحمولة بين طيات خطاب سياسي جديد، مقنع ومريح في نفس الوقت. مقال مأخوذ من موقع جريدة "الشروق" التونسيّة:1 أكتوبر 2009