عدّة أحداث هامة شهدتها الساحة الوطنية في الفترة الأخيرة، منها ثلاثة أحداث ذات دلالات كبيرة، وليس أدّل على ذلك ما رافقها من تحاليل وأحاديث واستشرافات في أكثر من مستوى وعند أكثر من طرف، وهي تباعا: انتخابات عمادة المحامين ثم الفروع. بعث نقابة للكتاب. وقبلهما القرار الخاص بعقد مؤتمر استثنائي لنقابة الصحفيين. كل هذه الأحداث تدل بلا شك على مخاضات تختمر في صلب المجتمع المدني التونسي، وتشير الى تحوّلات فيه، بعضها عميق جدّا، ولعل أهمها أن أطرافا تجمعيّة ساهمت في نتائج كان يمكن أن لا تحصل، وأرسلت بذلك من المعاني ما يحتاج الى تفكير عميق، خاصة في المستوى المركزي للحزب الحاكم، الذي يمكن القول إنه حاذى عن هذه الأحداث وجانبها. وعوض أن يكون في قلبها كان على هامشها، الشيء الذي يحتاج الى مراجعة حقيقية، وإلى وقوف حقيقي عند أسباب هذا الذي يحصل.. والذي يعيد البعض الى أجواء ما بعد مؤتمر التحدّي الأخير. ويرى آخرون أنه نتيجة لعدّة أسباب منها الاختيارات الخاصة بنواب التجمّع خلال التشريعية الأخيرة وممثليه خلال البلديات. كما ترى أطراف ثالثة أسبابا أخرى تحوم وتدور حول تراكم لأشياء جعلت النخبة التجمعيّة تتصرف في الكثير من الأحيان بمعزل عن ضيق ما يسمى بمنطق الانتماء لحزب. إلاّ أن الايجابي في هذه الأحداث، يتمثل في تكريس الديمقراطية تونسيا، وفي الاختيار الحرّ لممثلي المجتمع المدني، وفي وقوف السلطة على الحياد وتمكينها لهذا المجتمع أن يمارس حريته وأن تأتي نتائج تلك الممارسة مطابقة لإرادة الذين ينشطون فيه. وفي ذلك تكريس لوعود دائمة، صادرة عن سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، وهي تؤكد مرة أخرى صدقه في هذا التوجّه وحمايته له واهتمامه الخاص به.. فلا مجال لأحد أن يزايد في هذا المجال أو أن يدّعي عكس ما تؤسس له بلادنا، في ظل قيادة الرئيس المخلص لوطنه والمؤمن بحرية شعبه (ونخبه) بعد أن بلغ من النضج ما يجعله جديرا بحياة سياسية متطوّرة. وللتذكير فإنّ البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي «معا لرفع التحدّيات» جاء في نقطته الأولى تحت عنوان: «خطى جديدة على درب الديمقراطية وترسيخ التعدّدية» ومن عناصره، نجد: دعم أكبر من الدولة للأحزاب السياسية. دعم متجدّد لصحافة الأحزاب وصحافة الرأي. مزيد ترسيخ الاستشارة رافدا للحكم الرشيد. مزيد ترسيخ مقوّمات الديمقراطية المحلية. برلمان للشباب وترسيخ الشراكة مع المجتمع المدني. مزيد تكريس التعدّدية في المشهد الاعلامي. وغيرها من النقاط التي لاحظ التونسيون أنها بدأت تتجسّد على أرض الواقع مباشرة بعد الاستحقاق الرئاسي الأخير. ولا بدّ من القول أيضا إن هذا البرنامج الوطني والمجتمعي ليس بالهيّن أو السهل أيضا، فهو يحتاج الى طبقة سياسية منتبهة وناشطة ومسؤولة تجاه كل التزام وطني. ففي هذا الحدّ تقف المساومات والمناورات والمطامع والمطامح المشروعة وغير المشروعة أي يقف كل ماهو نقيض للمجتمع السلمي الديمقراطي الحداثي الذي يتوق الى بعثه سيادة الرئيس ويعمل من أجله منذ عقدين بكل صدق وجسارة وهدوء أيضا، حتى لا يختلّ شيء ولا نكون عرضة للمطبات والهزّات. وستكون سفينة تونس سائرة بيسر نحو هدفها مع هذا الربّان الماهر الذي مازالت بلاده تحتاجه لسنوات وسنوات.