بقلم: جيهان لغماري كل المؤشرات توحي بأن الحوار الوطني الذي هو في خطواته الأولى المتعثّرة كأيّ رضيع هشّ، سيفشل ولن يقدر رباعي المبادرة على التحكّم في مسار لقاءاته ونقاشاته. فخيوط اللعبة (وهي حقا لعبة) ليست عند المنظمات الراعية بل موزَّعة تقريبا على كلّ التيارات السياسية الحاكمة والمعارِضة، وحتى الأطراف التي رفضت المبادرة بوضوح، فإنها تتحكّم من بعيد في إفشال مسعى التوصل إلى توافق يُحسَب لاتحاد الشغل وتسعى إلى تمييع بنودها من أجل فرض حلّ تراه أكثر مصداقية ومشروعية يلمّ شتات الجميع ولكن خارج «سلطة» المنظمات لتردّ المسألة برمّتها الى رحاب المجلس التأسيسي دون أي تنازل حقيقي. الأحزاب أو بعضها التي قبلت ولو ظاهريا، المبادرة وجلست على طاولة الحوار أو لم تجلس بعد، هي أيضا تلتقي ضمنيا على مستوى الممارسة مع أحزاب«الرفض»، فأنْ يصبح النقاش مرتكزا أساسا على تفاصيل تقنيّة بحتة حتى قبل الاتفاق على الخطوط العريضة المركزية التي تُعتبَر السبب الرئيسي للأزمة السياسية الخانقة، فذلك يعني بكلّ بساطة تناسل «الجُمَل» الاعتراضية وفتح أقواس فرعية تأخذنا آليا إلى متاهة التواريخ والاستغراق في محاولة الإجابة على السؤال الأبدي: مَن الأسبق الدجاجة أم البيضة؟. «النهضة» مثلا تريد التوسيع في دائرة المشاركين دون شرط التمثيلية في التأسيسي وهذا يعني إغراق الحوار بأحزاب يعرف الجميع أنها ليست صغيرة فحسب (وهو ليس عيبا فمن حق كل حزب صغير العمل على توسيع جماهريته) ولكنها «حوانيت» مايكروسكوبية وشخصية، صاحب الرخصة فيها هو رئيس الحزب وأمين ماله وكلّ قواعده!. كذلك جبهة الإنقاذ وأساسا السبسي عبّر عن ترحيبه بكل من يقبل المبادرة ويمضي عليها. في الحالتيْن، تبدو المواقف انتهازية لا مبدئية لأنها تحاول حشد عدد كاف من هذه «الحُزيبات» إلى جانبها حتى تستطيع تمرير خياراتها وتبريرها بالعدد الكبير للمساندين لها. وهنا تصبح القرارات التي قد يصل إليها الحوار غير ذات مصداقية، إذ من غير المعقول مثلا أن يتساوى صوت «النهضة» أو «النداء» أو «الجبهة الشعبية» مع أصوات الأحزاب«المتنقّلة»!. هذه الممارسات تؤكّد أنّ الجميع تنطبق عليه بتصرّف مقولة «يقودونهم للحوار.. بالسلاسل» بلا إرادة حقيقية للتوصل إلى توافقات مَرضيّة لكل الأطراف، وأنّ فنّ التنازلات المتبادلة الذي يقوم عليه كل عمل سياسي حقيقي في مجتمع ديمقراطي متعدّد، مازال بعيدا عن أذهان سياسيينا. لعبة التفاصيل التقنيّة عنوان لفشل مرتقب وتمطيط متعمّد غايته التهرّب من مسؤولية إفشال المبادرة مع أن لا أحد من الممضين أو الرافضين عمل بجدّ على إنجاحها.