جيهان لغماري كما كان متوقعا، كانت جلسة الأمس في «التأسيسي» حول الدستور اسخن أكثر حتى من حرارة هذا الشهر. ومن المنتظر أن تزداد درجات الاحتقان والتجاذب كلّما وصل النواب إلى فصل خلافي. طبعا لا يجب – على الأقل الآن تضخيم ما وقع البارحة فذلك يحدث في كل البرلمانات سواء بتشويش بعض النواب على كلمة المقرر العام أو بمَنْ وصفهم بعد ذلك بالمراهقين السياسيين. وإذا كان هدف الحماسة هو فعلا التوصل إلى دستور توافقي بين الجميع بقطع النظر عن مفهوم الأغلبية والأقلية الذي من الواجب التخلّي عنهما ولو وقتيا، فلا بأس من تحمّل بعض الأخطاء وإن كان من الأحسن عدم الوصول إلى انفلاتات كلامية قد تمسّ من احترام النواب لبعضهم. لكنّ الخوف كلّ الخوف أن يكون السبب الحقيقي للتلاسن و«التدافع» المجلسي سياسيا بامتياز وبعباءة نائب الحزب لا نائب الوطن. في هذه الحالة سنعود مع الأسف للمربع الأوّل أي محاولة «تحزيب» الدستور على مقاس الانتماء السياسي الضيق للنائب، وعندها سنصل إلى نفق مظلم بمساريْن سوداوييْن: مسار أول سيطيل مسلسل الدستور إلى ما لا نهاية وما يعنيه ذلك من إطالة إضافية للمرحلة الانتقالية قد تتسبّب في سيناريو يقسم البلاد إلى نصفين لا قدّر الله ولنا في الأحداث المصرية عبرة، فرغم أنّ مصر تجاوزت المرحلة الانتقالية بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، فإنّ استنفاد الحلول السياسية أدّى إلى خروج الشعب مرة أخرى للتذكير بمطالب الثورة بعيدا عن لغة شرعية الصندوق، فما بالنا ونحن في تونس لم نتجاوز إلى الآن حاجز الشرعية المؤقتة المرتكزة أساسا على كتابة الدستور لا على الحكم بدون تحديد سقف زمني واضح للمرور إلى المرحلة القادمة؟. والمسار الثاني إنتاج دستور «قصير المدى» لحسابات سياسوية لا تتجاوز حدود الانتخابات القادمة. طبعا مثل هذا الدستور لن يطول به المقام طويلا ليصبح عرضة لشطحات الطرف الفائز بعد كل انتخابات وعندها جاز السؤال: هل يمكن الحديث عن دستور دائم إذا أصبح متغيرا بعد كل تحوّل في السلطة؟. الكرة الآن عند كل أعضاء المجلس التأسيسي بلا استثناء كي يردّوا الجميل لمن انتخبوهم وذلك بالعمل على التوافق وحلّ الإشكاليات العالقة بروح مواطنية بالأساس حتى لا يكون الدستور القادم مفرّقا لكل أطياف الشعب وتشريعا لأزمة مازالت تتخبّط فيها البلاد إلى اليوم، فهل تسمعون؟.