(تونس) كلام كثير قيل حول محاولة الإنقلاب على الزعيم الراحل «الحبيب بورقيبة» ورفت صالح بن يوسف من الحزب الحر الدستوري التونسي وقد إرتأيت تقديم بعض التفاصيل والإيضاحات بحكم اني كنت قريبا من الزعيم «الحبيب بورقيبة» ومكلفا بحراسته الشخصية: سنة 1955 ولإعداد تراتيب الإستقلال الداخلي، نظّم المرحوم «الحبيب عاشور» مؤتمر صفاقس لتقريب وجهات النظر والخروج بإتفاق بين جميع الفرقاء، وقد حضره مؤتمرون من قيادات كان عددهم حوالي 30 شخصا هذا الى جانب مناضلين فاق عددهم 1200، ولكن غاب «بن يوسف» عن الإجتماع وبطلب من المؤتمرين، شرع الزعيم «الحبيب بورقيبة» في شرح برنامجه وترتيبات الإستقلال الداخلي. وتقرّر رفت «بن يوسف» من الأمانة العامة للحزب الحرّ الدستوري التونسي والمصادقة على برنامج «بورقيبة» وكرد فعل منه قام «بن يوسف» بتكوين حزب أطلق عليه إسم «الأمانة العامة» ولم يؤيده آنذاك إلاّ القائد «علي الزليطي» ولنا أن نذكر في هذا الصدد بأن بن يوسف كان متأثرا بالفكر الناصري ومتأثر بإذاعة «صوت العرب». في سنة 1956 ظهرت نوايا التشويش من قبل المعارضين والرافضين لقراري الرفت وبرنامج بورقيبة للإستقلال الداخلي وصدرت أوامر من «الإخوان» المصريين الى بعض أنصارهم بجامع الزيتونة المعمور بالرفض، وحصل إجتماع بجامع الزيتونة ترأسه «بن يوسف» وتم إعلان رفض برنامج الإستقلال الداخلي وإعتباره خطوة الى الوراء، وأمام هذا التشويش قال «بورقيبة» كلمته الشهيرة «عاونونا بالسكات». الزيارات التفقدية وبناء الدولة انطلاقا من قناعته بحساسية مرحلة بناء الدولة سلاحه في ذلك «الرفش والقرطاس والقلم والحبر والكتاب» ولأن همّه الأول كان مقاومة الفقر والجوع والجهل، كان الزعيم بورقيبة يزور المناطق النائية والمحرومة ويصدر الأوامر بإعمارها وتجهيزها واضعا حجر الأساس ثم يعود بعد 6 أشهر فيجد قرى مجهّزة بالمرافق الضرورية للحياة من خزانات المياه ومدارس ومساجد ومستوصفات وكهرباء وحضائر تشغيل علاوة على وجود نوادي تعارف للترفيه على الموظفين المعينين في تلك المناطق من رجال تربية ومهندسين وأطباء ومرشدين فلاحيين. حقيقة إنقلاب 1962 في يوم 19 12 1962 كنت أعمل من السادسة صباحا الى منتصف النهار وكان الزعيم بورقيبة آنذاك يقوم بجولته الصباحية وقبل تحوّله إلى مكتبه بقصر الحكومة بالقصبة وأثناء تجوّله كنت أسير أمامه رفقة زميل لي وآمر وحدتي المرحوم «الناصر العبيدي»، وبجانبه النقيب «كبيّر المحرزي» وكانا يسيران خلفه وأثناء عودتنا إلى القصر، وجدنا المرحوم عبد الله فرحات في إنتظار بورقيبة أمام القصر ودخلا معا، بقينا في إنتظار خروج الزعيم، وبقيت السيارات والدراجات النارية في مكانها في إنتظار لحظة الإنطلاق نحو القصبة، في الأثناء جاء سائق المرحوم «عبد الله فرحات» ويدعى «عمّار» وامتطى دراجة نارية كانت راسية بالمكان ولبس الخوذة وبدأ يقوم بحركات طريفة، فضحكنا جميعا ماعدا «كبيّر المحرزي» فسأله المرحوم «عمّار» السائق «أش بيك تخمّم ماو لاباس» ولاحظت عليه علامات الشرود... إنطلق الموكب باتجاه القصبة وفي نفس اليوم وعلى الساعة الحادية عشر والنصف ليلا كنت بمكتب مصلحة أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية بالإدارة العامة للأمن الوطني (وزارة الداخلية حاليا) لمباشرة عملي من منتصف الليل إلى السادسة صباحا ولاحظت حركة غير عادية داخل المكتب وعلى إثرها وقع تزويدنا برشّاشات عوضا عن السلاح العادي، وعلمنا بالخبر وهو إكتشاف محاولة الإنقلاب على بورقيبة وكان من بين مدبّري هذا الإنقلاب النقيب «كبيّر المحرزي» وكم كانت الصدمة والذهول كبيرين بيننا وتذكرنا حالته النفسية التي كان عليها قبل 16 ساعة. للإشارة كانت مهمة النقيب «المحرزي» تتمثل في فتح وغلق باب السيارة للزعيم بورقيبة ومرافقته بالجلوس إلى جانب السائق أمّا المرحوم «لزهر الشرايطي» فقد كان يتمتع بمكانة خاصة وعطف كبير من طرف الزعيم بورقيبة حتى انه اصطحبه معه في رحلة إلى سويسرا أين تعرّف «لزهر الشرايطي» على زوجته الثانية السويسرية وعند المحاكمة سئل «الشرايطي» لماذا تريد الإنقلاب على بورقيبة ؟ فأجاب: «نحب نشوف النجوم على كتافي» وعندما سئل «كبيّر المحرزي» من قبل رئيس المحكمة كيف كنت ستدخل جماعة «الكومندوس» الى القصر رغم الحراسة المشددة؟ أجاب: «كنت سأدعو كل واحد وأقول له ان الرئيس يريد التحدث معك ثم يتم أخذه الى مكتبي الموجود تحت القصر وهناك يقتلهم «الكومندوس» بالخنجر إلى أن يقع الإختلاء بالرئيس. حكمت المحكمة في ذلك الوقت على كلّ منهم حسب درجة تورّطه في الجريمة وكانت ليلة 17 جانفي 1963 باردة جدا والأرض مكسوّة بالثلوج وفي حدود الساعة الثالثة والنصف صباحا إتّجهت سيارتنا من قصر السعادة بالمرسى نحو تونس لجلب الجرائد للرئيس وساعتها أعلمنا السائق انه تم إعدام «الشرايطي» وجماعته. بعد قبول الإستقلال الداخلي تمكّن «كريم بلقاسم» وزير الداخلية الجزائري في الحكومة المؤقتة من القدوم إلى تونس والخضوع إلى عملية جراحية وتمكن الإخوان الجزائريون من فتح وزارة بنهج المقاولين بتونس وكان آنذاك وزيرها المرحوم «يزيد» وكان يتم إبلاغ صوت المجاهدين الجزائريين عن طريق إذاعة خصّصت لهم في تونس بمعدل ساعة في اليوم، كما تمكن القادة الجزائريون من الإلتقاء ببعضهم البعض في تونس وعقد إجتماعات بالمجاهدين. بقلم: المقدم عبد اللطيف بالحاج علي