إذا لم يكن أي توافق قد حصل مساء أمس حول رئيس حكومة جديد، أو اليوم على أقصى تقدير - وهذا أمر مستعبد إلا في حالة حدوث مفاجأة كبرى - فإن الحوار الوطني يكون قد وصل إلى مرحلة حرجة، تصبح معها الساحة السياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، وهو ما يمثل مأزقا حقيقيا للرباعي الراعي للحوار. فرغم التصريحات المتفائلة، ورغم الحديث عن حدوث انفراج في بعض مسارات الحوار الوطني، فإنه لا يمكن القول أنه وقع إحراز أي تقدم ملموس منذ يوم 4 نوفمبر تاريخ تعليق الحوار الوطني. العكس قد يكون هو الصحيح، بعد تعثر عملية استكمال تكوين الهيئة المستقلة للانتخابات من جديد ، وانسداد أفق تجاوز هذه المشكلة في المدى القريب على الأقل، وبعد تحوير النظام الداخلي للمجلس التأسيسي، وهي العقبة الجديدة التي يجري التفاوض لتخطيها، وهي التي تحولت إلى معركة لي أذرع بين النواب المنسحبين والنواب المرابطين، ومحورا لتبادل الاستفزازات وهو ما زاد من درجة الاحتقان والتوتر تحت قبة التأسيسي. وإزاء هذه الأوضاع يتضاءل أمل التونسيين يوما بعد يوم في إمكانية نجاح الحوار الوطني بالنظر إلى مواقف القوى السياسية المعلنة، وعدم نجاح الرباعي الراعي للحوار عمليا في «حلحلة» هذه المواقف رغم كثرة المشاورات وطول اللقاءات التي جرت منذ يوم 4 نوفمبر. كما أن الرباعي أصبح يواجه ضغوطات عديدة، سواء من الرأي العام الوطني أو حتى من بين قواعد المنظمات التي يمثلها الرباعي، للإعلان عن موقف نهائي مما يجري، والكشف عن كل التفاصيل التي لم تسمح بعودة قطار الحوار إلى السكة. ما ينتظره التونسيون اليوم هو إما إعلان واضح وصريح عن فشل الحوار الوطني وتحديد مسؤولية كل طرف في هذا الفشل، أو الإعلان عن موعد محدد لاستئناف الحوار في أقرب الأوقات، وخاصة توفر ضمانات حقيقية لنجاحه ولعدم تعطيله من جديد تحت أي مبرر كان، خاصة وأن الساحة السياسية شهدت في الأيام الأخيرة عودة للحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، عوضا عن حكومة الكفاءات وهو ما يمثل تراجعا صريحا عن خارطة الطريق، وتوجها لإنهاء هذا الحوار، فضلا عن «ضجيج» الكواليس الذي يتحدث عن صفقات يرتب لها هنا وهناك، وحلول يجري التفاوض بشأنها بعيدا عن طاولة حوار الرباعي. يتفهم التونسيون حرص الرباعي على إنجاح مبادرته والاستماتة في الرجوع بالفرقاء السياسيين إلى مائدة الحوار. ويقدر الكثير منهم الجهد الذي بذله هذا الرباعي من أجل إنجاح مساعيه لتجاوز الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ جويلية، ولكن الوضع لا يكمن أن يستمر بكل ما يكتنفه من غموض إلى ما لا نهاية له. والأفضل للجميع وللرباعي بشكل خاص مصارحة الشعب بواقع الأمور. لأن الرباعي الراعي للحوار الطرف المسؤول على إنارة الرأي العام الوطني حول حقيقة المواقف ومدى الاستعداد الجدي للفاعلين الرئيسيين على الساحة السياسية لتجاوز الأزمة الراهنة، وعليه عدم ترك التونسيين يعيشون على السراب والأوهام.