جمعت 3 وزارات.. جلسة عمل للوقاية من حرائق الغابات والمزارع لصائفة 2024    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة والحوار الوطني بين النجاح والفشل! منذر بالضيافي
نشر في حقائق أون لاين يوم 12 - 10 - 2013

قبلت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس، المشاركة في المؤتمر الوطني للحوار، الذي انطلق السبت، 5 أكتوبر الجاري وذلك على أساس "خارطة الطريق"، التي تقدمت بها أربعة منظمات وطنية، أهمها الاتحاد العام التونسي للشغل . من أجل "حلحلة" الأوضاع للخروج من الأزمة السياسية، التي دخلت شهرها الثالث، وبدأت تبرز لها تداعيات تهدد وحدة المجتمع والدولة. وكانت قد انطلقت على خلفية حادثة اغتيال النائب محمد البراهمي، في 25 جويلية. و هو ثاني اغتيال سياسي في أقل من ستة أشهر، بعد اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، في 6 فيفري 2012. والذي كشف عن فشل حكومي، في إدارة البلاد وخاصة إعادة الاستقرار والأمن.من أبرز بنود "خارطة الطريق"، التي أمضي عليها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة. تلك المتصلة بالقبول المبدئي بحل الحكومة الحالية. وهو ما يعني خروج الإسلاميين من الحكم. الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات، سواء من قبل المتابعين للمشهد أو حتى من قبل الفاعلين في الحراك السياسي، من أحزاب ومنظمات ونخب ومثقفين. ما يكشف عن وجود شكوك في الحقل السياسي التونسي، حول مدي جدية النهضة في المشاركة في الحوار والقبول بنتائجه.
كما أنه يعبر أيضا، عن وجود "أزمة ثقة" عميقة بين الإسلاميين والمعارضة الديمقراطية التي تتهم قيادات النهضة بازدواجية الخطاب، وتشكك في قبولهم بتسليم السلطة بطريقة سلمية ومدنية. وان كان هذا لم يمنع وجود تفاؤل حذر، على أن ما حصل مثل خطوة و مؤشر على أن تونس –مهد "الربيع العربي"-، على طريق تجاوز الأزمة التي تهدد استمرار مسار الانتقال الديمقراطي. وأن النخبة السياسية الديمقراطية والتحديثية، ومكونات ما يسمى ب "الدولة العميقة" قد نجحت في استعادة المبادرة السياسية والشعبية. وأن تونس بدأت تستعد لتجاوز مرحلة حكم النهضة الإسلامية، التي اتسمت بما يمكن أن نصفه ب "الفشل المركب" في إدارة وتصريف شؤون الحكم. أم أن قبول الحوار، لا يتجاوز مجرد "الاستهلاك الاعلامي والسياسي"، ويبقي مجرد مناورة من الحزب الإسلامي الحاكم لمزيد كسب الوقت ولتجاوز العاصفة.
خارطة طريق لحل سياسي
تتضمن "مبادرة المنظمات الراعية للحوار الوطني في تونس، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان،"ورقة عمل" تحدد تصور لخارطة طريق لحل الأزمة السياسية.
من أبرز بنود "خارطة الطريق" التي تضمنتها "مبادرة الرباعي لحل الأزمة السياسية". التي أمضت عليها الأحزاب المشاركة، في "مؤتمر الحوار الوطني"، ومن بينها حركة النهضة الإسلامية الحاكمة القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة تحل محل الحكومة الحالية التي تتعهد بتقديم استقالتها، وتكون للحكومة الجديدة الصلاحيات الكاملة لتسيير البلاد، ولا تقبل لائحة لوم ضدها إلا بإمضاء نصف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، ويتم التصويت على حجب الثقة عنها بموافقة ثلثي أعضائه على الأقل، واستئناف المجلس الوطني التأسيسي لجلساته وتحديد مهامه ونهاية أشغاله خلال أربعة أسابيع من بداية جلسات الحوار الوطني.
وتبدأ بعد ذلك المشاورات حول الشخصية الوطنية المستقلة التي ستعهد لها مهمة تشكيل الحكومة والاتفاق على خارطة بشأن استكمال المسار الانتقالي وضبط روزنامة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإعلانها للرأي العام بعد إمضائها من كل الأطراف وإصدارها ضمن قانون يصدره المجلس الوطني التأسيسي خلال جلسة خاصة.
وقد حددت مبادرة الرباعي جدولاً زمنياً، من ذلك أن المجلس الوطني التأسيسي يستأنف أشغاله وينهي المهام الموكلة إليه في أجل لا يتجاوز أربعة أسابيع من تاريخ الجلسة الأولى للحوار الوطني.
وتتمثل مهام المجلس في إنهاء اختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتركيزها في أجل أسبوع واحد، وإنهاء إعداد وإصدار القانون الانتخابي في أجل أسبوعين، وتحديد المواعيد الانتخابية في أجل أسبوعين من إنهاء تركيز هيئة الانتخابات، والمصادقة على الدستور في أجل أقصاه أربعة أسابيع بالاستعانة بلجنة خبراء تتولى دعم وتسريع أعمال إنهائه في الأجل المشار إليه.
موقف النهضة.. غموض وارتياب
برغم توقيع حركة النهضة على "خارطة الطريق"، خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني، السبت 5 أكتوبر الجاري فإن الحركة تنكرت لالتزاماتها بسرعة فائقة من خلال تعدد التفسيرات والقراءات لنص وثيقة الحوار الوطني عبر تصريحات لعدد من قياداتها مباشرة بعد انتهاء الجلسة التمهيدية للحوار الوطني، عبر التأكيد على أن "مبادرة الرباعي" تمثل أرضية للحوار، وأن بنودها ليست ملزمة. بل هي متروكة للحوار والتفاوض بين الفرقاء. كما تضاربت الروايات بشأن ما إن كانت الوثيقة الممضي عليها هي النسخة الأصلية من "خريطة الطريق" الواردة في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الثلاث الأخرى, أم إنه جرى تعديلها بعد احتجاجات من حركة النهضة.
كما تداعى مجلس شوري النهضة –وهو أعلى سلطة بعد المؤتمر العام- الى الاجتماع يومي 5 و6 أكتوبر، في نفس اليوم الذي انطلق فيه مؤتمر الحوار الوطني. وأصدر بيانا حول قبول الحركة بالمشاركة في الحوار الوطني، متضمنا مفردات ومقاربات ليست هي التي ضمنت في وثيقة "خارطة الطريق" وخاصة حول التسريع بل "وجوبية" حل الحكومة.
و اعتبر مجلس شورى النهضة، في بيان له أن الحركة قبلت بمبادرة الأطراف الراعية منطلقا للحوار. ما يعنى أنها في حل من كل التزام مسبق، خاصة "حل الحكومة" الذي ورد في نص مبادرة الرباعي.
ودعا بيان الشورى الى: " ضرورة الإسراع باستكمال المسار الانتقالي بالمصادقة على الدستور وإجراء انتخابات شفافة تحقق الاستقرار السياسي وتعزز مكاسب الثورة،والحفاظ على المجلس الوطني التّأسيسي بصلاحيّاته كاملة إلى حين انتخاب مجلس تشريعيّ جديد. و المحافظة على القانون المنظّم للسّلط العموميّة باعتباره الإطار المنظّم للحياة السّياسيّة بالبلاد. ومواصلة الحكومة الحاليّة أعمالها حتّى انتهاء المجلس الوطني التّأسيسي من مهامّه التّأسيسيّة. والتّوافق على حكومة جديدة ملتزمة بأهداف ثورة الحرّيّة والكرامة . والتزام كل الأطراف بهدنة اجتماعية توفيرا لأجواء الاستقرار في البلاد وضمانة لنجاح الحوار."
ولدى تعرضه للأوضاع السياسية التي مرت بها البلاد خلال الشهرين الماضيين والمستجدات الإقليمية: "حيّا المجلس نضج الشعب التونسي ودفاعه عن ثورته ومكاسبه ومساره الديمقراطي بعدم انسياقه لدعوات الفوضى، و حيا المجلس موقف نواب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي الذين تمسكوا باستكمال مسار الانتقال الديمقراطي وفاء لإرادة الشعب وأداء للأمانة. و ثمن المجلس الجهود التي تبذلها الحكومة في تحقيق الاستقرار الأمني ومقاومة الإرهاب ومضاعفة الجهود لدفع عجلة الاقتصاد والحفاظ على السلم الاجتماعي وتأمين المرفق العام، والتزامها بتعهداتها للشعب التونسي ولمؤسساته المنتخبة".
إن مثل هذا التوصيف من قبل النهضة يتعارض مع الأسباب التي من أجلها تمت الدعوة للحوار الوطني، حيث تم تصوير الأوضاع كما لو أنها عادية، بل تم التحدث والإشارة إلى نجاحات في عمل الحكومة.
وبهذا فان حركة النهضة، ومثلما جاء في بيان مجلس الشورى، تنفي وجود أزمة سياسية في البلاد، وترى أن خصومها في المعارضة قد فشلوا في "الانقلاب" على الحكم، وأنهم لم ينجحوا في حشد الشارع لإسقاط الحكومة. وكأن النهضة ما تزال وفق تصورهم تحظى بتأييد شعبي. وذلك على خلاف كل عمليات سبر الآراء التي تشير إلى تراجع كبير في شعبية حزب النهضة، وأن نوايا التصويت لفائدته عرفت تقلصا كبيرا.
كما أن توصيف البيان، لم يعبر عما يجري في رحم المجتمع التونسي من رفض لسياسات الحكومة، وتراجع ل"المطلب الديمقراطي" لصالح المطالبة ب "الاستقرار" والأمن. و هذا ما أكد عليه مثلا تقرير نشر في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في عددها الأخير، حيث تساءلت المجلة عما إذا كانت الديمقراطية انتهت في منشأ الربيع العربي, تونس, وسط تزايد سخط التونسيين تجاه حكومتهم.
وبينت المجلة أن أغلب الشعب التونسي (81%) يرى أن دولته على الطريق الخاطئ للديمقراطية وأن بلدهم الآن في حال أسوأ مما كانت عليه في عهد "بن علي". وحول التطورات التي شهدها الرأي العام التونسي, رصدت المجلة أن أغلبية المواطنين التونسيين يرون أولوية وجود حكومة مستقرة عن وجود حكومة ديمقراطية, خلافاً لما كان عليه الرأي العام في 2012.
كما تؤكد على أن الطبقة المتوسطة في المجتمع التونسي قد فقدت إيمانها بالديمقراطية بالفعل خلال العام السابق. وبالرغم من هذه الاستطلاعات والإحباطات, ترى "فورين بولسي" أن التونسيين مع بداية اختيارهم لحكومة جديدة, مازال قطاع واسع منهم يرى أهمية اتباع المعايير الديمقراطية الواجب توافرها في الحكومة الجديدة كحرية التعبير وإقامة انتخابات حرة عادلة إلا أن هذه المعايير تأتي بصبغة إسلامية حيث التأكيد على أهمية اتباع مبادئ الإسلام في النظام التشريعي, كذلك أهمية دور رجال الدين في القضايا السياسية. وهذا ما يجب أن تنتبه إليه الحكومة القادمة.
ألغام تهدد الحوار
بعيدا عن المشهدية التلفزية، و "الفنتازيا" الإعلامية التي صاحبت انطلاق مؤتمر الحوار الوطني في تونس، السبت 5 أكتوبر الجاري ، وخاصة حفل التوقيع على خارطة الطريق ، برزت تخوفات حقيقية لدي المعارضة الديمقراطية – حتى قبل صدور بيان مجلس الشورى- من "النوايا" الحقيقية لحركة النهضة. وهي تخوفات تغذيها "أزمة الثقة" المتجذرة بين الطرفين، وما عرف عن الإسلاميين من ازدواجية في الخطاب والمواقف.
كما يتوقع أن تعرف جلسات الحوار، صعوبات كبيرة لا يستبعد أن تعصف بالحوار وتحكم عليه بالفشل مردها التباين الكبير في وجهات النظر وخاصة حول النقاط التي تمثل "ألغاما" يستدعي تفكيكها مرونة سياسية غير متوفرة في المشهد الحالي، الذي يتسم بالاحتقان ورفض الآخر.. ومن أبرز النقاط التي قد تكون وراء فشل الحوار الوطني ، وبالتالي تعصف بتونس نحو سيناريوهات أخري، نذكر التالية:
الأولى: تنص "خارطة الطريق" على الاستقالة الوجوبية للحكومة الحالية على أن تعوض بحكومة كفاءات مستقلة، تكون لها صلاحيات كاملة ولا يمكن للمجلس التأسيسي إعفاؤها أو سحب الثقة منها إلا بثلثي النواب، وهو ما ترفضه حركة النهضة متعللة بكون الحكومة المقترحة ستكون بهذه الطريقة غير خاضعة لأية رقابة وأنه وقع تهميش دور المجلس التأسيسي الذي هو في الأصل أساس ومرجعية كل سلطة في هذه المرحلة التأسيسية.
وهنا لا يخفي قيادات حزب النهضة الخشية من إمكانية حصول ملاحقات لحزبهم، بعد خروجهم من السلطة. وخاصة بعد أن حملتهم أطراف في المعارضة مسؤولية الاغتيالات السياسية التي حصلت. و تنامي نشاط الجماعات السلفية المتشددة. خصوصا وأن المعارضة لم تخف اتهاماتها الصريحة والعلنية لحكومة الإسلاميين ولحزب النهضة. وتحميلهما المسؤولية السياسية والأخلاقية عن اغتيال المعارض شكري بلعيد والنائب محمد البراهمي. كما تم التلويح أيضا –وإن بصفة محتشمة- إلى المسؤولية الجزائية عما حدث، حيث تتحدث المعارضة عن وجود "جريمة دولة" .
وهي إشارات فهم منها توجيه اتهامات صريحة للحكومة عن حصول أعمال إرهابية واعتبار الاغتيالات بمثابة جريمة دولة. وهو ما قد يعرض وزراء النهضة لاحقا لملاحقات قضائية. وهي اتهامات قد تصل حد اللجوء إلى الدعوة إلى حل حزب حركة النهضة، سيناريو تتخوف منه قيادات النهضة وحتى القريبون منها، ما جعل البعض منهم لا يستبعد حصول ملاحقات شرسة في حق التنظيمات والرموز الإسلامية، بعد خروجهم من الحكم. على غرار ما حصل في عهد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. أو ما يحدث الآن في مصر بعد سقوط حكم الإخوان، حيث خضعوا لحملة اعتقالات واسعة أدت إلى شل التنظيم.
الثانية: مقابل تراجع المعارضة عن أولوية كتابة الدستور وتحديد موعد ملزم للانتخابات القادمة لصالح التمسك بضرورة الابتداء أولا بحل الحكومة وبالتالي إمكانية الدخول في مرحلة انتقالية جديدة وبحكومة جديدة بدون الإسلاميين، فإن حركة النهضة تصر على ضرورة التلازم بين المسارين الحكومي والتأسيسي. أي أن حل الحكومة لا يكون إلا بعد الانتهاء من المرحلة التأسيسية. والمتمثلة في إقرار الدستور، وتكوين لجنة تشرف على الانتخابات وصياغة القانون الانتخابي.
وتري النهضة في "خارطة الطريق" دعوة الى الانقلاب على المجلس الوطني التأسيسي من خلال تجاهل الاستناد الى "القانون الوقتى المنظم للسلط العمومية"، وهو بمثابة "دستور صغير" لادارة المرحلة الانتقالية. وهذا ما عبر عنه المحامي فوزي جاب بالله، مستشار وزير حقوق الانسان، في مقال له صدر بجريدة "الضمير" المحسوبة على حركة النهضة. اذ رأى "في الوثيقة الصادرة عن الرباعي والتي يقدمها أصحابها كحل للأزمة السياسية الحالية" أنها "وثيقة تقوم في جوهرها على التجميد الفعلي للتنظيم المؤقت الساري المفعول الآن قبل الوصول إلى تعديله دون ربط ذلك بعملية انتخابية سوى الاشارة الواردة بالفقرة الأولى من المقدمة من "ضرورة السير نحو انتخابات نزيهة وشفافة" لكنها إشارة بقيت يتيمة ولم يتم البناء عليها في ورقة العمل التي تعمدت السير عكسها في اتجاه يتجاهل الانتخابات أو إتمام المسار التأسيسي ويتمحور حول تغيير الحكومة لا غير".
كما يستغرب كاتب نفس المقال ما تم تضمينه حول عمل ومحاسبة الحكومة القادمة، فيري أنها مخالفة للقانون المؤقت للسلط العمومية الذى " يحدد التنظيم المؤقت للسلط العمومية صلاحيات الحكومة بالتفصيل دون ذكر أنها تكون أحيانا بصلاحيات كاملة وأحيانا بصلاحيات منقوصة ، أما الوثيقة فتستعمل مصطلح الصلاحيات الكاملة وهو مصطلح خارج عما هو مذكور بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وهو مناقض تماما للسعي المحموم الذي برز منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011 للحد من صلاحيات الحكومة الناشئة عن الانتخابات مما يجعل من البديهي التساؤل : هل أن صلاحيات الحكومات تتناقص كلما كانت نتيجة انتخابات يمارسها الشعب ؟".
الثالثة: تمثل مهام الانتهاء من وضع الدستور، والقانون الانتخابي والهيئة المستقلة للانتخابات محور خلاف كبير بين حركة النهضة والمعارضة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المسودة الأخيرة لمشروع الدستور كانت محور جدل كبير . ورأي العديد من فقهاء القانون الدستوري أنها قد تضمنت العديد من النقائص في الصياغة وكذلك المنهجية، كما أن واضعيها لم يوفقوا في وضع نص توافقي يراعي طبيعة المرحلة الانتقالية المتسمة بغياب الاستقرار، وأن الكثير من الفصول المقترحة لم تحسم. وهذا ما يجعلنا أمام وثيقة غير مكتملة وغير نهائية. وهي وضعية من شأنها أن تجعل النقاشات داخل المجلس مطولة، خاصة في ظل وجود انقسام في المواقف بين الأغلبية النيابية بزعامة حزب النهضة الإسلامي، وبقية الكتل الممثلة للمعارضة، ما يجعل من إمكانية التوافق عملية صعبة. ومن حيث الشكل فان مسودة الدستور تعتبر طويلة وفيها إغراق في التفاصيل، مما قد يفتح المجال واسعاً للتأويلات.
الرابعة: ولعل أهم نقطة خلافية ستواجه الحوار الوطني، تلك المتصلة بالاتفاق على شخصية وطنية مستقلة تحظى برضي وقبول الإسلاميين والمعارضة لرئاسة الحكومة المرتقبة.
الوفاق الصعب:
يوجد خطاب مهيمن ومسيطر في الساحة السياسية يؤكد على ضرورة "التوافق الوطني" يستند الى مسلمة مفادها أن هذه المرحلة الانتقالية المتسمة بشيوع مظاهر عدم الاستقرار، وغياب تقاليد ديمقراطية، مثلما هو موجود في الديمقراطيات المستقرة يفرض على كل الفرقاء تغليب "شرعية التوافق" على "شرعية الصندوق". وهذا ما أكد عليه كل من الرئيس منصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريّض ورئيس المجلس التأسيسي، في خطاباتهم خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني الذين أكدوا "على ضرورة التوافق وتهيئة الأجواء لإنجاح الحوار, واستكمال المسار الانتقالي, والمرور إلى الانتخابات بسلام". وعبر الرئيس منصف المرزوقي "عن قناعته بأنه سيتم التوصل إلى وفاق سياسي يمكّن من الوصول إلى الانتخابات، معتبرا أن إطالة النقاشات أو الفشل فيها سيهددان الوضع الاقتصادي". وربط المرزوقي نجاح الربيع العربي بنجاح التجربة التونسية ، قائلا إن نجاح تونس سيعيد تألق الربيع العربي.
من جهته, قال رئيس الحكومة علي العريّض "ان الاستقرار السياسي هو الذي يساعد على الاستثمار والهدوء الاجتماعي"، مشيرا إلى "أن تونس تواجه مخاطر حقيقية، وإلى أن حكومته نجحت في ضبط الأمن ومكافحة الإرهاب". ورأى العريض "أن المرحلة الانتقالية بحاجة إلى ضمانات كي تنجح وعلى رأسها التزام الجميع بالتهدئة والنأي عن التجاذبات". كما أكد رئيس المجلس التأسيسي مصطفي بن جعفر على قيمة الحوار، معتبرا "أنه سيساهم في إعادة الاستقرار السياسي في البلاد وسيعطي مؤشرات إيجابية عن الوضع التونسي في الداخل والخارج".
وكان الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي أكثر وضوحا ومباشاراتية حينما شدد في الكلمة الافتتاحية للحوار الوطني على ضرورة التوافق، وقال إن "أمام الأطراف خيارين لا ثالث لهما وهما التوافق أو فتح المجال أمام الفوضى والأجندات الخارجية"، على حد تعبيره.
و رغم فشل مبادرات سابقة للحوار الوطني، وإعلان الأحزاب المعارضة والمنظمة الشغيلة عن تحميل حركة النهضة الإسلامية مسؤولية هذا الفشل، فإن المراقبين للشأن التونسي في الداخل والخارج يجمعون على أن الفرصة ما تزال مناسبة للوصول لتسوية توافقية تتمثل في وضع دستور مدني يؤسس للجمهورية الثانية، والاتفاق على موعد لإجراء انتخابات تنقل البلاد إلى فترة أكثر استقرارا. ويبقي ذلك مرهونا بتوفير كل ضمانات إجراء انتخابات نزيهة. وذلك عبر تشكيل حكومة محايدة، ولجنة مستقلة للانتخابات. ودون ذلك تكون الأوضاع في تونس مفتوحة على كل السيناريوهات.. بما فيها الفوضى وانتشار العنف، مع أن ذلك يبقي مستبعدا بالنظر إلى الإرث التحديثي المتجذر من جهة، والى الانسجام المجتمعي والثقافي وحتى الطبيعي من جهة أخرى.
المقال نشر في موقع العربية للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.