*من موفدنا الخاص إلى دبي - مالك السعيد إختار مهرجان دبي السينمائي أن يفتتح دورته العاشرة بفيلم فلسطيني هو "عمر" لهاني أبو أسعد المتوج بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة نظرة ما في مهرجان كان ، ولا يمكن القفز على دلالات برمجة فيلم فلسطيني في مهرجان يراه البعض من "فطاحل" النقاد العرب تظاهرة منبتة عن عمقها العربي –وإن كان لا احد يخبرنا على وجه التحديد أين يصل هذا العمق الذي فرق شعبين بسبب مباراة كرة قدم مثلا؟ ، فيما لا يكل صنّاع القرار داخل المهرجان من التأكيد على أن دبي السينمائي هو بيت السينما العربية، ويستشهدون بعدد الأفلام العربية المبرمجة في كل دورة منذ ميلاد المهرجان قبل عشر سنوات، و يعد رشيد مشهراوي أحد أصدقاء "دبي السينمائي" ففي السنة الماضية كان حاضرا ب"أرض الحكاية" تناول فيه قصة المنازل الفلسطينية الواقعة في محيط المسجد الأقصى، والصعوبات التي يواجهها المقدسيون للحفاظ على الهوية العربية للمدينة المقدسة من خلال المرابطة في منازلهم التي تحتاج إلى ترميم وصيانة، ويحتاج بعضها إلى إعادة بناء أجزاء منها، والتي قد ينتهي بها الحال أن تُمسي ضحية لمخططات التهويد بسبب ضيق ذات اليد. بعد عرض "أرض الحكاية" خلال فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي، توالت الاتصالات الهاتفية على إدارة المهرجان بحثاً عن المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي لتقديم المساعدات لهؤلاء الفلسطينيين المرابطين في وجه الإستيطان، و أذكر أنه عند إنتهاء الدورة التاسعة لمهرجان دبي كانت وجهة رشيد مشهراوي هي تونس بلد منتجه الرئيسي الحبيب عطية الذي دخل عالم الإنتاج من بابه الكبير بعد رحيل والده أحمد بهاء الدين عطية بفيلم مشهراوي الروائي"عيد ميلاد ليلى" بطولة محمد بكري ، جاء رشيد مشهراوي إلى تونس من أجل فيلم الجديد "فلسطين ستيريو" الذي يعرض في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة (العرض الأول في العالم) ، يدور الفيلم حول الشقيقين ميلاد(ستيريو) المغرم بالموسيقى ومطرب الأعراس وسامي الذي يعمل كهربائيا ، يطلب ميلاد من شقيقه ان يذهب لمنزله لإصلاح عطب كهربائي، دقيقتين بعد دخوله البيت تتعرض البناية للقصف، قال الإسرائيليون في روايتهم إن الهدف كان شقة في الطابق الثاني وبما أن شقة ميلاد كانت في الطابق الرابع كان لابد من قصفها هي أيضا للوصول إلى الطابق الثاني، نوع من العدالة في القصف؟ النتيجة ان فقد سامي حاستي النطق والسمع وان ماتت أنغام زوجة ميلاد . بعد هذه الحادثة التي تروى من خلال الحوار في الفيلم ولا نراها صورا - ومن الواضح أن هذا الخيار الإذاعي في السرد كان لأسباب مادية لا لاختيارات سينمائية- تتغير حياة الشقيقين إذ يقرر ميلاد الانقطاع عن الغناء فيما يبتعد سامي عن حبيبة الطفولة ليلى، ويقرر الشقيقان الهجرة إلى كندا ومن اجل توفير المال الضروري (10 آلاف دولار) ، يعمدان إلى العمل في تأجير معدات الصوت للحفلات والتظاهرات السياسية والخطب الدينية وغيرها ... فكرة الفيلم مغرية وفيها شيء من العبث والسخرية من الواقع، ولكن ماذا قدم مشهراوي من خلال الصورة؟ بدت صياغة الحوار ثقيلة ومملة في أحيان كثيرة حتى أن أداء الممثل الرئيسي(محمود ابو جازي) كان مدرسيا وكأنه يلقي محفوظات على معلمته، اما نسق الفيلم فقد زادته الموسيقى التصويرية غير الملائمة لقيس السلامي الطين بلة ، لتنتهي الأحداث عند عودة الوعي للشقيقين بخروجهما من الحياد السلبي إلى الهتاف ضد إسرائيل على انغام "فدائي، فلسطين داري، وارض إنتصاري " لتتجول كاميرا مشهراوي على جدران غرفة سامي وقد كتبت عليها شعارات من حبيبته تدعوه للبقاء" الهجرة مش حل، اسهل شيء الهروب، الحياة مواجهة، تستطيع ان تهرب مني لكن لا تستطيع ان تهرب من نفسك ..." هل كان ضروريا ان يلتجئ عين السينمائي وعدسته إلى شعارات خطت بالغليظ ليبلغ الرسالة؟ نجح الفيلم في إضحاك الجمهور من الخطاب السياسي للوزير النموذج الذي قدمه مشهراوي، ولكن للمخرج أراد أن يخوض غمار البحر دون أن يبتل، فهو يصر على التصريح على لسان شخصياته بأنه غير راض عما يحدث في رام الله وكذلك في غزة وهو بطبيعة الحال ضد الإحتلال الإسرائيلي والإستيطان ... ثم ماذا؟ ماذا يبقى من الفيلم بعد ان تنطفئ شاشة العرض؟ هل تبقى جملة موسيقية في ذهنك كما الحال في "البريء" لعاطف الطيب في صياغة رائعة لعمار الشريعي؟ هل تبقى شخصية ما أبدع ممثل أو ممثلة في أدائها؟ حتى الكاميرا كانت شحيحة على الممثلين بمن في ذلك زوجة مشهراوي نفسه عرين عمري(دور مريم شقيقة ميلاد وسامي) فلا هي رصدت تعبيرات حزن او فرح بلقطات مكبرة ، كانت الكاميرا بصدد نقل المشهد العام بحياد ، وكأن المخرج ينأى بنفسه عن التورط في التعاطف مع أي كان، مرت شخصيات في الفيلم دون اثر زياد زوج مريم، صديق ميلاد ، .... وآخرون غيرهما ... بدا إنجاز الفيلم متسرعا وكأن المخرج أراد أن يتخلص من عبء ما، لم يبق شيء كثير في أذهان من حضر العرض العالمي الأول ل"فلسطين ستيريو" ... غير بعيد عن رشيد مشهراوي قدمت الأمريكية من اصل فلسطيني جنان كولتر فيلمها الوثائقي الطويل الأول "البحث عن ساريس " في عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية . وساريس قرية على مشارف القدس عرفت بفلاحتها(غراسة الزيتون) وأرضها الخصبة تم إحتلالها في أفريل 1948 خلال ما إصطلح عليه العرب بالنكبة ، تعود المخرجة إلى بعض من بقي من شهود العيان على قيد الحياة لتستمع إلى رواياتهم لما حدث حاصرت عصابات الهاغانا القرية من ثلاثة محاور لتسمح - وتشجع القرويين على الهرب خاصة مع تتالي أخبار المجازر التي إرتكبت في حق الفلسطينيين(دير ياسين بوجه خاص في 10 أفريل 1948 وبلغ عدد الضحايا 300 وربما أكثر حسب بعض المصادر) إستقر اللاجئون في مخيم قلنديا حيث الحياة"ذليلة وحقيرة" ، يحلم الشيوخ بالعودة ويتطلع الشبان إلى رؤية موطن آبائهم ... شهادة اخرى توثق سينمائيا النكبة ، قالت سيدة عجوز من ساريس" النكبة ليس لها حد ولم تنته سنة 1948 إنها غير محدودة في الزمن " فعائلة ناصر الغاوي تم إخراجها بالقوة من بيتها بحي الشيخ جراح بالقدس ، 800 جندي إسرائيلي داهموا البيت في الرابعة وخمسين دقيقة صباحا لإخلاء سبعة وثلاثين نفرا ... لتجد العائلة نفسها في الشارع بعد أن إستحوذ مستوطنون على البيت الذي بني بسواعد فلسطينية قبل عشرات السنين . ولكن الفلسطينيين لا يفقدون الأمل فهم مرابطون وصابرون وإن كانوا لا يعلمون على وجه الدقة من اين سيأتي الحل وكيف سيعودون؟ ورغم يأسهم من المفاوضات فإنهم يرددون" إن شاء الله نرجع" فمتى تقرع اجراس العودة؟ لا احد يعلم .... عالوا نتذكر الطفل فارس عودة. كان في الثانية من عمره حين اندلعت الانتفاضة الأولى,فقد ولد في ديسمبر 1985 وفي 8 نوفمبر 2000 في الشهر الثاني من الانتفاضة الثانية كان على وشك الاحتفال بعيد ميلاده الخامس عشر لكن رصاص الاحتلال لم يُعطه الوقت تعالوا نتذكر كيف يولد الأطفال الفلسطينيون قبل أو بعد أو بين انتفاضة وأخرى ويموتون قبل نهاية المشهد.