بقلم: أبو غسان لا يفهم الكثير من التونسيين إلى الآن ماذا أرادت رئاسة الجمهورية أن تحقق بنشرها ل «كتابها الأسود»..هل كانت تبحث حقا عن كشف الحقيقة..؟ أم أنها سعت إلى تحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها بهذه الغاية النبيلة؟ الثابت أن هذا الكتاب الأسود أدخل البلاد في دوامة جديدة، وأن أصحابه لم يحققوا ما سعوا إلى تحقيقه. بل إن النتائج جاءت عكسية وسقطت العديد من حساباتهم في الماء، بعد أن تحول هذا الكتاب إلى «ورطة» أصابت من يقفوا وراءه بالارتباك قبل غيرهم. لا يكفي البلاد اليوم ما تتخبط فيه من مشاكل اقتصادية ومصاعب اجتماعية وتهديدات إرهابية ومن تعطل للحوار الوطني، حتى تقوم رئاسة الجمهورية بنشر «كتابها الأسود» خارج الأطر القانونية غير عابئة بمخاطر وبعواقب هذه الخطوة، التي رأى فيها الكثيرون «فتنة» سيكون لها تداعيات جد خطيرة على الواقع الراهن للبلاد. فعملية نشر الكتاب الأسود ، وعدا كونها مخالفة للقانون وللأخلاق، فهي لا تنسجم مع الماضي الحقوقي للرئيس المؤقت، وهي أيضا مخالفة للوعد الذي قطعه (الرئيس المؤقت) وبعض معاونيه على أنفسهم بشكل علني وواضح لا لبس فيه، بأنهم سيتعاملون مع الأرشيف الوطني وفق ما يمليه القانون وتفرضه الأخلاق. وفضلا عن الرفض المبدئي لنشر مثل هذه النوعية من الكتب، من قبل أي مؤسسة كانت، ووجوب ترك متابعة المخطئين ومحاسبتهم على أساس مبادئ العدالة الانتقالية أو من قبل القضاء العادي، فإن اللافت في هذه المسألة هو تعمد أصحاب هذا الكتاب إلى توظيف بعض المعطيات وانتقائها وإخراج بعض الأحداث والمستجدات عن سياقها مما أدى إلى حشر الكثيرين من مختلف القطاعات بين صفحاته دون ذنب ارتكبوه. بل إن بعضهم كان ضحية للعهد السابق. كذلك فإن أصحاب الكتاب الأسود تجنوا بعملهم هذا على حقوق من قد يكونوا أخطؤوا - وهم موجودون فعلا - لأنه لم يوفر لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم مثلما تنص على ذلك كل قوانين العالم وأبسط مبادئ حقوق الإنسان. إن كشف الحقيقة مطلب شعبي وأمر ضروري، وهو الخطوة الأولى على طريق المحاسبة والمساءلة التي تفتح أبوابا للمصالحة. ولا أحد يطلب من الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي ولا من مصالح مؤسسة رئاسة الجمهورية، ولا من أي مؤسسة أخرى في الدولة التستر عن أي تجاوز للقانون جرى في العهد السابق. كل المطلوب هو الالتزام بالقانون، وأن يعهد للمؤسسات المؤهلة لذلك دون سواها كشف الحقيقة، ضمن إطار قانوني واضح وشفاف، بعيدا عن النزوات وعن الحسابات الظرفية الضيقة وبعيدا خاصة عن عقلية الانتقام والتشفي وتصفية الحسابات. قد تكون حصلت تجاوزات في تعامل بعض وسائل الإعلام مع مؤسسة رئاسة الجمهورية ولكن ذلك لا يبرر عقلية العقاب الجماعي وحملة التشويه بالجملة التي قام بها أصحاب الكتاب الأسود. ولا يمكن «معالجة» أي تجاوز بإتيان تجاوز أخطر خاصة من قبل مؤسسات الدولة، لأن ذلك أسهل طريق للفتنة بين مختلف فئات الشعب الواحد.