محمد صالح الربعاوي - رغم مرورعام على الثورة التونسية مازال المشهد الإعلامي متأرجحا و ضبابيا ويعاني من التخبط وعدم وضوح الرؤية، تتقاذفه الأمواج وتتجاذبه المصالح؛ بل ان تزايد العناوين الصحفية والمحطات الإذاعية والقنوات التلفزية لم يحدث النقلة النوعية التي انتظرها المواطن؛ ولم يعكس سقف الحرية بعد أن رزح هذا القطاع طويلا تحت وطأة التدجين والاستبداد وتكميم الأفواه . ولم تمر الأشهر الماضية دون تجاذبات بين مختلف الأطراف المتداخلة سواء قبل الانتخابات أو بعدها جعلت الإعلام في مرمى انتقادات لاذعة رغم الجهود التي بذلتها الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال لتنظيم القطاع. فقد أثارت تصريحات رئيس الحكومة حمادي الجبالي بشأن الإعلام «الحكومي» ردود فعل عديدة عكسته بيانات النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين التي أكدت أن استقلالية الإعلام لن تكون إلا «خطا أحمر» بعد ما عاناه القطاع من النظام البائد الذي استخدم الإعلام لخدمة أغراضة واجنداته وتلميع صورته. وبعيدا عن هذا التباين في وجهات النظر دعا عديد المختصين الى ضرورة التحلي بالصبر والحكمة لأن الإعلام الذي «خرب» لمدة عقود لا يمكن ان يستعيد عافيته وإشعاعه في ظرف أشهر قليلة وإنما يحتاج الى تظافر جهود كل الأطراف لتجاوز إشكالية ضعف المهنية ومعالجة مختلف النقائص. وفي ظل هذا الواقع تطرح عديد التساؤلات :الى أي حد حقق الإعلام القفزة النوعية المطلوبة وارتقى الى مستوى انتظارات المتلقي؟.. ما مدى منطقية الانتقادات التي توجه الى مختلف التلوينات الصحفية ؟..هل قدمت العناوين الجديدة التي أغرقت السوق بعد الثورة الإظافة المنتظرة ؟..الى أي مدى احترم الإعلام مبدأ الشفافية والحياد في إطار تنوع يعكس مختلف الأطياف والحساسيات ؟..الى أين تتجه مسألة استقلالية الإعلام العمومي الذي أصبح يثير»رغبة» «الترويكا»؟ ..هل نجحت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال في تنظيم القطاع قبل رفع تقريرها النهائي ؟. هذه الأسئلة وغيرها حاولنا الإجابة عنها من خلال حديثنا مع عديد الأطراف بما قد يكشف مسائل هامة من خلال الملف التالي.
انتقادات حركة النهضة انتقدت حركة النهضة الأداء الإعلامي واعتبرته لم يرتق الى مستوى الثورة التونسية ؛ وهو ما عكسته تصريحات عديد المسؤولين يأتي في مقدمتهم رئيس الحكومة حمادي الجبالي الذي ذهب الى حد التأكيد على ان الإعلام العمومي مازال لم يدرك بعد أنه لابد له من التعامل مع نتائج الانتخابات مما خلق ردود فعل عديدة من مختلف الأطراف المنتمية للقطاع. راشد الغنوشي: «الاعلام هدفه إفشالنا» وكان راشد الغنوشي قد اكد مؤخرا خلال لقاء جمعه بشباب حركة النهضة أن هناك حملة منظمة يقودها الإعلام تستهدف نشرالتشاؤم وبث الدخان الأسود حيث لا تسمع إلا أخبار الاعتصامات وقطع الطرقات وحرق المصانع وأن العملة الصعبة في طريقها الى النضوب، وهكذا لا تسمع إلا من يحبط العزائم ؛ على حد تعبيره . واضاف ان استطلاعات الرأي أثبتت ان 92 بالمائة من التونسيين متفائلون بالمستقبل وهو ما لا يعكسه الإعلام المقروء والمسموع والمرئي بما يطرح الكثير من التساؤلات ويثبت عدم الشعوربالمسؤولية وعدم احترام للشعب. واستطرد قائلا: «ثمة نشر للأباطيل بأن وزراء النهضة ليس لهم مستوى وأن بعضهم جلبتهم القرابات إلى جانب أن كل مصدر يمكن أن يدخل الإنعاش على الوضع الاقتصادي تتم الدعوة إلى مقاطعته. والميزان الذي أصبح يتعامل به الإعلام هو أن كل ما يمكن ان يفيد النهضة لا بد من محاربته .» وشدد على أن الإعلام في عمومه مخرب وليست له روح وطنية وهدفه الأساسي هو ضرب النهضة وإفشالها لأغراض مكشوفة بات يعلمها الجميع. كما خاطب شباب الحركة قائلا :»لا تبالوا بالعدميين لأن الحياة تقوم على البناء الإيجابي والنهضة هي مشروع بناء». محمد بن سالم: «يلزمكم تكنسو قدام داركم» من جهته اعتبرمحمد بن سالم وزيرالفلاحة في إحدى تدخلاته التلفزية ان الإعلام في حاجة الى ثورة أخرى باعتبار أن «الجزيرة « و»فرانس 24» وقنوات أخرى كان خبرها الأول تنصيب الحكومة الوطنية لكن كان الخبرالثالث في نشرة أنباء التلفزة الوطنية وهذا دليل على أنه «قدامنا برشة خدمة « على حد تعبيره. وواصل انتقاداته بقوله: «عندكم انتم الإعلاميين «برشة خدمة « للوصول الى مستوى الثورة التونسية والمستوى الحضاري الذي ظهرت عليه تونس ولكن «يلزمكم تكنسو قدام داركم».
عبد الله الزواري (المسؤول الإعلامي لحركة النهضة): الإعلام العمومي لن يكون إلا تحت ظل المرزوقي والجبالي وبن جعفر في تقييمه للمشهد الإعلامي أشارعبد الله الزواري المسؤول الإعلامي لحركة النهضة إلى أن الإعلام التونسي تقدم بعض الخطوات مقارنة بإعلام ما قبل الثورة لكنه مازال دون المأمول مضيفا: «الإذاعات والتلفزات والصحف عاشت لفترة طويلة في ظل نظام استبدادي. وطول مدة التكميم تورث عادة في الإنسان بعض العادات السيئة تتمثل أساسا في انتظار الأوامروالتوجيهات وعدم الجرأة في الإصداع بالحقيقة مع التعود على مخاطبة طرف واحد وهو ما يعني أن وسائل إعلامنا لم تعكس التنوع الذي تعيشه بلادنا .» غياب الحرفية وشدد على أن الجميع استوعب الدرس من العهد البائد والصوت المهني عليه أن يتعامل بحرفية ويبرزالقضايا التي تهم شعبه إذ أنه من العيب أن يقع تقديم باقة من الأخبار البسيطة بنشرة انباء الثامنة على الحادث المريع للقطارالذي جد منذ أيام في بوعرقوب وأدى الى وفاة السائق ومرافقه وفقا لتقييمه . وتابع قائلا : « من المعيب ايضا انه يوم تسلم وزيرالخارجية لحقيبته استجوبت القناة الوطنية الأولى اثنين من 6 أو7 اشخاص كانوا يرفضون قدوم الوزيرن وهذا من حقهم ، في حين تجاهلت أعداد كبيرة مؤيدة للحكومة ولم تستوجب أحدا منها . كما أنه كان من اللائق والحرفية منح خبر تسلم الحكومة لمهامها الأولوية لكنه كان الرابع أو الخامس في الترتيب هذا لا يعد احترافا؛ فكيف يتم تأخيرأخبار يعتبرها التونسي من الدرجة الأولى ؟» وعن مدى ارتقاء وسائل الإعلام الى مستوى الانتظارات من وجهة نظره أكد ان إعلامنا مازال دون المأمول حيث ينتظرالصحفي المحقق والصحفي الكاتب والصحفي المحررعملا كبيرا للارتقاء إلى مستوى المهنية وإدراكه لأهمية الخبر وفقا لآمال الشعب التونسي. نار الرقابة وعن مرد استياء اغلب الأطراف داخل النهضة من الإعلام واعتباره لم يرتق الى نتائج الانتخابات على حد تعبيررئيس الحكومة حمادي الجبالي أكد الزواري ان التصريحات الواردة على لسان رئيس الحكومة أو لسان الاستاذ راشد الغنوشي لا يمكن ان تفهم الا في إطار الغيرة على الإعلام التونسي والسعي الى أن يكون في منتهى الحرفية بقطع النظرعن المواضيع المطروحة . وحول ان كان ذلك يمثل رغبة في التدخل في الشأن الاعلامي التونسي رد محدثنا قائلا :»نحن اكتوينا بنارالقمع ونارالرقابة ولا يمكن ان نمارس نفس الممارسات ولكن أؤكد ان المؤسسات العمومية لن تعرف استقلاليتها إلا في ظل إشراف التحالف الموجود في الوقت الحاضر سواء الاستاذ المنصف المرزوقي أو حمادي الجبالي او مصطفى بن جعفر فكلهم مناضلون قد ذاقوا الأمرين؛ إما سجنا او ملاحقة أو حصارا أو كلها معا؛ وبالتالي نعتبرهم معا حماة حرية التنظيم وحرية التعبير. والإعلام العمومي لن يكون الا تحت ظل هؤلاء المناضلين ؛ ونحن رأينا ونرى وسائل إعلام أخرى ذات اتجاه واحد وذات فكرواحد وأصحابها ومسؤولوها والمشرفون عليها وإن ادعوا انهم حداثيون والى غيرها من الألقاب فممارستهم تدل على رفضهم للفكر الآخر». الاعلام العمومي تحت إشراف «الترويكا» وحول تأثير وجود الإعلام العمومي تحت إشراف «الترويكا» وما يمكن أن ينجر عنه من تأثير على حرية الرأي والتعبيرأوضح الزواري ان التحالف لن يتدخل في عمل الصحافيين ولن يمنع أحدا من التعبيرعن رأيه وإنما يتمثل دورالتحالف في رعاية حرية وسائل الإعلام العمومية وفي استقلاليتها وحرفيتها . سألت محدثي:لكن المدير العام للتلفزة الوطنية مختارالرصاع شدد على ان التلفزة تتعامل بحرفية وموضوعية وحياد مع مختلف الأطراف السياسية بل إن لغة الأرقام تؤكد أن حركة النهضة سجلت حضورها بنسبة تعادل بقية الأطياف السياسية ؟ فرد هنا قائلا: «يمكن تكليف لجنة مستقلة لتكشف الحقيقة ويكفي ان عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات برمجت التلفزة سهرة ضخمة وأعدت نفسها لها من جميع الجوانب؛ وبمجرد فوزالنهضة لم يتم إنجازالسهرة الى جانب ملفات أخرى سيأتي الوقت لفتحها. فالتلفزة التي يساهم فيها المواطن من ماله من الضروري ان يعرف أسراركل ملفاتها حتى لا تظل مجرد ألغاز» . رفض للمغالطات وعن مدى تفاؤله بمستقبل الإعلام رغم هذه الصورة السوداوية التي يحملها أشار الى انه متفائل لوجود كثير من الصحفيين المحترفين الذين لا يتبوؤون مكانة بارزة ومتميزة في وسائل إعلامهم .وأضاف: «انا متفائل لأن الضمير الجماعي للشعب التونسي أصبح يرفض المغالطات والتشويه والرأي الواحد وهو قادرأن يقوم المسار من جديد وهذا الرهان سينجز إن شاء الله ولكنه يحتاج الى بعض الوقت . وما اذا كانت «الترويكا» تفكرفي هيئة جديدة تعهد لها الإشراف على تنظيم القطاع اكد الزواري انهم بصدد دراسة ما أنجزته الهيئة الوطنية للإعلام والاتصال وتابع: «ليس لنا مشكل مع أي عضو من الهيئة بل إن بعضهم مثل رئيسها كمال العبيدي يحظى باحترام خاص لأنه مناضل وحرم من حرية التعبيرفي وقت من الأوقات وعانى من مضايقات النظام البائد لذلك ننتظر منه ان يكون راعيا لحرية التعبيرونزاهة إعلامنا وحرفيته».
مطالبة الإستقلالية ودعم الحريات الصحفية مختار الرصاع (المدير العام للتلفزة الوطنية): اتهامات النهضة غير منطقية ..ونرفض تدجين التلفزة.. رغم التحسن النوعي الذي شهده آداء التلفزة الوطنية طوال الأشهرالماضية مقارنة بتدجينها في العهد البائد فقد اتجهت صوبها عديد الانتقادات تعكسها تصريحات أكثر من طرف داخل حركة النهضة الى جانب بعض المؤاخذات والمطالبة بفتح عديد الملفات التي أثارت الكثير من التساؤلات. تجني واضح وللوقوف على ردود الأفعال و توضيح أكثر من معطى تحدثنا مع المديرالعام للتلفزة التونسية المختارالرصاع الذي شدد على ان أداء التلفزة كان متوازنا ويمثل كل الأطياف السياسية لحرصها المستمرعلى ان تكون تلفزة الشعب . واعتبرأن الانتقادات التي وجهت الى التلفزة مؤخرا من قبل بعض الأطراف داخل حركة النهضة تمثل تجنيا صارخا لأن حركة النهضة أخذت حيزا مثل بقية القوى السياسية بعد الثورة سواء قبل الانتخابات أوأثناء الحملة الانتخابية أو بعدها . وتابع قائلا: «هذه الاتهامات تعد تجنيا على صحفيي التلفزة الذين يبذلون جهدا كبيرا لكن لا ننسى أنهم بالأمس القريب فقط كانوا يرزحون تحت الاستبداد ويعانون من التكميم ثم ان «الناس الكل»و جميع الأطياف مازالت بصدد تعلم الديمقراطية .أريد أن أسال هنا: «صحفيينا ما جبناهمش من القمرة « ثم هل إن إيهاب الشاوش كان من رموز النظام السابق؟ ونفس الشيء بالنسبة لعاطف الفالحي؟ ومفيدة الحشاني؟ كما أني شخصيا لم أنتم الى أي حزب طوال حياتي. ورغم الضجة التي أحدثها البعض فاعتقد أن برامجنا متوازنة وتعكس جهدا واضحا .» خط تحريري وسطي وحول تقييمه لمردودية التلفزة أشار مختار الرصاع الى ان أداءها ارتقى إلى مستوى انتظارات المواطن منذ تسلمه مقاليد الإشراف عليها بتاريخ 27 فيفري بل انها ساهمت في إعادة استقرار البلاد بعد الانفلاتات الأمنية والهزات التي سجلت في تلك الفترة الحساسة. وأضاف: «لما شرعت في عملي على رأس المؤسسة وجدت انفلاتا إعلاميا كبيرا وعملت على إعادة الأمور الى نصابها من خلال توازن مختلف البرامج وخاصة الحوارية وأريد أن أسال هنا كذلك لماذا لم نستمع الى مثل هذه التصريحات من حركة النهضة قبل الانتخابات رغم تاكيدنا على ان كل الأحزاب الكبرى نالت حظها ويمكننا الرجوع الى الأرشيف لنكشف بالدليل القاطع عدم صحة هذه الاتهامات التي اعتبرها ظلما في حق صحفيي التلفزة؟ ولابد ان تفهم كل الأطراف أننا لسنا إعلاما حكوميا ولا إعلام أحزاب وإنما نحن إعلام الشعب لذلك اخترنا خطا تحريريا متوازنا ووسطيا . والمشاهد وحده يحكم لأننا «ماناش نعملو في حاجة بالسرقة» حيث قمنا بحوار مع رئيس الجمهورية بعد انتخابه ثم رئيس الوزراء إلى جانب وزير العدل وسمير ديلو. وتشهد كراسي وطاولات البلاتوهات على عدد البرامج التي حضروها دون ان ننسى راشد الغنوشي ؛ لذلك يتحتم على حركة النهضة التثبت قبل ان تلقي بالتهم جزافا وإذا هنالك من يمدهم بمعلومات فهي مغلوطة وبعيدة عن الواقع»!! استقلالية التلفزة وعن مدى استقلالية التلفزة وابتعادها عن التعليمات والأوامر التي انبنى عليها أسلوب العمل داخل المؤسسة طوال عقود نفى الرصاع وجود مثل هذه الأساليب في الوقت الراهن مشددا على استقلالية التلفزة الوطنية كمرفق عمومي. وأضاف :»خطنا التحريري هو خط تلفزة عمومية يمولها المواطن والدولة وينتج على ذلك خط تحريري وسطي بين الحكومة وبين الأحزاب في خدمة المواطن «. وحول تعدد التصريحات التي اعتبرها البعض رغبة خفية من بعض الأطراف في التدخل في عمل التلفزة حيث أشار المسؤول الإعلامي لحركة النهضة عبد الله الزواري أنه لا استقلالية للإعلام العمومي إلا في ظل «الترويكا» قال الرصاع: «تواترمثل هذه التصريحات في الفترة الأخيرة تعكس رغبة حقيقية من النهضة في تدجين التلفزة وهو أسلوب عانت منه كل الأطراف في السابق ؛ «وهم شادين الإعلام الإعلام ..الناس يلزمها تكنس قدام دارها موش لقاو كان الإعلام الجحيّش القصير.... وعوضا عن هذا الكلام الفارغ كان ينبغي تكوين هيئة تعديلية «خليني نمشي على روحي أنا ما نيش عامل دار مقام هنا» لأن الإعلام في حاجة الى إصلاحات كبيرة و أنا شخصيا ليست لي قوة لجميع هذه الاصلاحات.. «
المنصف بن مراد (مدير جمعية مديري الصحف): أموال «قذرة» أغرقت السوق بعناوين صحفية قال المنصف بن مراد مدير جمعية مديري الصحف إن الانتقادات التي توجه اليوم إلى الإعلام مصطنعة والقضايا التي تلفق له مفتعلة بل إن الإعلام التونسي شهد تغييرا جذريا وحقق قفزة نوعية على جميع المستويات مقارنة بحقبته السوداء وصفحاته القاتمة؛ اذ تخلصت الأقلام من الاستبداد الذي خنقها وحاصرها لأكثر من عقدين وظهرت في الأشهر الماضية طاقات صحفية شابة تبشربكل خير كما أن الأسماء التي كانت في «جبهة» المخلوع أوقريبة من نظامه عدلت بوصلتها من جديد بما يتماشى مع روح الثورة. وأضاف: «بموضوعية هنالك ولادة جديدة للإعلام رغم بعض النقائص التي سيتم معالجتها باعتبارأن معاناة سنوات لا يمكن للإعلام التونسي تجاوز أثارها في ظرف أشهر قليلة وانما سيتطلب الأمربعض الوقت مع تظافر لمختلف الأطراف المتداخلة في القطاع» . تمويلات مشبوهة وبشأن التمويلات المشبوهة لبعض العناوين الصحفية التي أسالت الكثير من الحبر طوال الفترة الماضية واثارت جدلا واسعا لم يخف المنصف بن مراد أن أقلية من الصحفيين قبلت أموالا قذرة ومشبوهة من الطرابلسية لتغرق السوق بعناوين تثير الكثيرمن الشكوك في مضمونها باعتبارها قد تأسست منذ بدايتها لخدمة مصالح بعض الاطراف لتمثل هذه الصحف «القذرة» تهديدا للصحف المحترمة التي عرفت بتوازن خطها التحريري حتى قبل ثورة الكرامة والحرية. واستطرد قائلا: «تحاول هذه الصحف اليوم الدفاع عن رموزالنظام السابق وتنشرملفات غريبة رغم أقدميتنا في الميدان لم نتمكن من الحصول عليها والتعرف على معطياتها وتفاصيلها واسرارها. واليوم تتواجد في الساحة ثلاث صحف مختصة في الدفاع عن الأسماء المشبوهة فلا يعقل أن تتغيرأحوال بعض الأشخاص بين عشية وضحاها اذ بعد أن كانوا لا يملكون ثمن قهوة أحيانا أصبحوا بقدرة قادرأصحاب مؤسسات إعلامية ومال وسيارات وهو ما يثير الكثير من الأسئلة «. الخط التحريري وفي الوقت الذي وجه الكثير من الانتقادات لأصحاب المؤسسات الإعلامية على خلفية تدخلهم في العمل الصحفي الذي قد يجهله بعضهم أحيانا أكد مدير جمعية مديري الصحف ان من حق صاحب الصحيفة ان يحدد خطها التحريري وهو ماهو معمول به في فرنسا مع أنه يظل دوما للصحفيين الحق في المطالبة بنشر مقالاتهم في إطار حرية التعبير. وتساءل باستغراب: «هل تريد من أصحاب المؤسسات الإعلامية ان يضخوا المليارات دون التدخل في محتوى صحفهم ثم على حد علمي ان كل الذين أسسوا صحفا هم صحفيون ينتمون للقطاع وليسوا دخلاء ومتطفلين « وحول مدى استقلالية الإعلام أشارالمنصف بن مراد الى ان بعض المؤسسات الإعلامية شعرت بتهديدات من بعض الإعلاميين أوالنقابيين او الأحزاب لذلك فكرت في التقرب إلى الحزب الحاكم لحماية نفسها. وعلى عكس ما تذمرت منه بعض الأوساط السياسية اعتبر محدثنا ان محتوى مختلف الصحف يعكس توازنا في التنوع بعيدا عن إقصاء أي طرف سياسي؛ متابعا: «كل حزب سياسي يجد ممثليه في الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزة؛ وكل من يدعي عكس ذلك فهو مخطىء».
الفاهم بوكدوس (مركز تونس لحرية الصحافة): لا يمكن تطوير قطاع الإعلام دون تطهيره «إنّ الجرعات من الحريّة التي منحتها الثورة التونسيّة للإعلام التونسي لم تكن لتنقذه من الحالة التي أصبح عليها بعد عقود من التخريب الممنهج. ولم يكن مفاجئا أن تكون حصيلتنا من تقييمه بعد عام من سقوط الطاغية مزيدا من السلبيّة و التشاؤم.» بهذه القراءة السريعة بدأ الفاهم بوكدوس حديثه معنا في واقع الإعلام التونسي بعد مرورعام تقريباعلى الثورة . وأضاف أن الإعلام العمومي حافظ على حكوميّته وتحوّل مصدرالتعليمات من وزارة الداخليّة وقصرقرطاج إلى القصبة حيث أدارالسنّاوي حنفيته بكلّ حزم حيث فمُنعت عديد الشخصيات الإعلاميّة والسياسيّة من الظهورفي التلفزيون لجذريتها في نقد السلطات الانتقالية، وحُرّم التطرق لعدد من المواضيع الحارقة على غرار قضايا التعذيب في فترة ما بعد الثورة و تورط شخصيات عامة في قضايا فساد وانتقاد أداء حكومة السبسي. ورغم محاولة بعض الصحافيين التصدي لهذا التيار إلّا أنّه وقع تهميشهم وتخويفهم من قبل إدارة حافظت على كلّ المقومات النوفمبريّة. تمعش من أخبار الفضائح وأشاربوكدوس الى ان الإعلام الخاصّ الذي نشأ معظمه وتواصل بفضل الهبات والمساعدات والرشاوى التي أغدقتها عليه السلطة السياسيّة مقابل التسترعلى جرائمها والتطبيل لإنجازاتها الوهميّة، فلم يكن من السهل أن ينقطع عن عاداته القديمة بل استغل فترة الفوضى الإعلامية ليغرق سوق الإعلام بعناوين جديدة وسّعت فضاء الصحافة الشعبويّة التي تتمعّش من أخبارالفضائح والأسرار الشخصية والعائليّة وتستغني باحتكارعائدات الإشهارالعمومي والخاصّ التي مكّنت صحف «مزابليّة» من زيادة عدد طباعاتها و أثارت شبهات إضافيّة على مسار تطور الإعلام التونسي. ولقد زادت الهشاشة المهنيّة للصحافيين وعدم ثقتهم في أفق التغييرالثوري وضعف المهنيّة في تكريس هذا المنوال الإعلامي. واستطرد قائلا: «ولكنّ رغم الجراح العميقة التي تركها النظام البائد على جسم الصحافة فإنّ تضحيات الشهداء ما زالت تلهمنا الكثيرلتثويرالقطاع الإعلامي. وإن كان الوضع الحالي يقوي مطامع السلطة الحالية للسيطرة على القطاع أو احتوائه تحت مسميات مختلفة غيرأن مقاومة مثل هذه النزعات لا يمكن أن تتم مع أو بواسطة قوى ساندت النظام السابق وتلوثت بجرائمه.ليس فقط لأنّها لا تملك مشروعيّة تحمّل هذه المسؤولية بل لأن مجرّد تشريكها في هذه القضيّة بإمكانه أن ُيضعفها.» مسارات السكة الصحيحة وإن أكد الفاهم بوكدوس اقتناعه أنّ مسارتحريرالإعلام طويل وشائك ويرتبط بشدّة بطبيعة الانتقال الديمقراطي ببلادنا فإنّه أعتبرأنّ التركيزعلى مسارات ثلاث بإمكانه أن يضعنا على السكة الصحيحة وهي : 1- إدماج مسألة الإعلام في العدالة الانتقالية إي أنّ تفكيك منظومة الاستبداد والفساد في القطاع الإعلامي يجب أن تتمّ عبرالوسائل القانونيّة باعتبار خطورة الجرائم التي ارتكبت في حقّ الإعلام سواء عبر شراء الذمم بمئات الملايين من أموال دافعي الضرائب أو بكتابة التقارير البوليسيّة في حقّ زملاء عرضتهم للسجن أو التجويع أو التجميد الوظيفي أو بالانقلاب على هيئات مهنيّة شرعيّة مثلما هو الحال مع النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين. وإنّ فتح أرشيف وزارة الداخليّة والرئاسة ووكالة الاتصال الخارجي سيُمكّن القضاء من إثباتات كافية لإدانة العديد من الصحافيين الذين لبسوا رداء الثورة وتصدروا المشهد الإعلامي الحالي بحثا عن عذريّة مفقودة. ويُمثّل الإسراع بإعداد القائمة السوداء خطوة هامّة في هذا الاتجاه. 2- دسترة حريّة التعبير والنشر والإبداع واستقلالية وسائل الإعلام والنفاذ إلى المعلومة وعدم ربط هذه المبادئ بأيّ تضييقات أو استثناءات تفقدها جدواها وعلويتها ومراجعة كل القوانين السالبة للحريّة في المجال الإعلامي تحت إي مسوغات كانت أخلاقيّة أو سياسيّة. 3- بعث هيئة تعديليّة تشرف على القطاع الإعلامي بكلّ أصنافه وتتولى تنظيمه وحمايته من أيّ تجاوزات أو انتهاكات؛ وترتكز على قاعدة واسعة من الإخصائيين والمهنيين ونشطاء منظمات حريّة التعبيريقع اختيارهم مناصفة من قبل المجلس التأسيسي وجمعيات المجتمع المدني المعنيّة على أن لا تكون لها صلاحيات موازية للسلطة القضائيّة. وخلص بوكدوس الى القول «غيرأنّنا لا ننتظر من مثل هذه الوصفات أو غيرها أن تمرّ بسهولة نظرا للشراسة المنتظرة من المتمعشين من تخلف القطاع الإعلامي، ممّا يُحتّم على الصحافيين لعب دور مضاعف قد ينقل احتجاجاتهم موحدين إلى خارج مكاتبهم.»