بقلم: أبو غسان تعيش كبرى المؤسسات الوطنية أوضاعا خانقة، ويتكبد بعضها يوميا خسائر فادحة، جعلها تتحول إلى عبء إضافي كبير على ميزانية الدولة المنهكة أصلا. وقد تجد بعض هذه الشركات نفسها غير قادرة على الإيفاء بتعهداتها في المستقبل ما لم يقع اعتماد خطط طارئة لإنقاذها وإعادة هيكلتها على قواعد مدروسة وسليمة وعدم الاكتفاء بالحلول الترقيعية. نقابيون من شركة السكك الحديدية أكدوا قبل أيام أن مؤسستهم تعاني من عجز مالي يفوق المائة مليون دينار. أما شركة الخطوط التونسية ورغم نفيها للأخبار التي أفادت أنها على حافة الإفلاس، فإن القائمين عليها اعترفوا أن المؤسسة تعاني بدورها من مصاعب مالية جسيمة، وأن العجز المالي للشركة فاق ال400 مليون دينار خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وكذا الوضع بالنسبة لشركة نقل تونس، وشركات النقل الجهوية، وشركة الفولاذ وشركة الكهرباء والغاز، وشركة استغلال وتوزيع المياه التي تمر جميعها بظروف صعبة - ولو بشكل أقل حدة من الوضع في السكك الحديدية والخطوط التونسية-، هذا فضلا عن الوضع في شركات الفسفاط بالحوض المنجمي التي تمر بدورها منذ ثلاث سنوات بظرف استثنائي لم تستطع معه العودة إلى نسق إنتاجها الطبيعي، وبالتالي ضمان إيراداتها المعتادة، وهي التي كانت مصدر دخل محترم لميزانية الدولة. تشغل كل هذه المؤسسات آلاف التونسيين، ولبعضها وظائف اجتماعية جد حساسة. وهي لذلك تحظى بالدعم من ميزانية الدولة، وهذا معمول به في كل دول العالم ولكن ضمن حدود مقننة ومعقولة. كما أن الحكومة لم تتأخر في التدخل كلما تعرضت إحدى الشركات إلى مصاعب ظرفية. ولكن المشكل أن بعض هذه الشركات أصبحت تعاني من أمراض مزمنة تتطلب التدخل باستمرار، كما أن الثقوب في ميزانية الدولة باتت كثيرة، ومواطن العجز عديدة، وقد نصل إلى حد لن يكون بإمكان الحكومة فعل شيء كبير لإنقاذ هذه المؤسسات من الوضع الذي تردت فيه. تعود بعض أسباب «تعفن» الأوضاع ببعض الشركات الوطنية إلى طريقة التعامل مع المطالب الاجتماعية التي «تفجرت» في كل مكان تقريبا إبان 14 جانفي 2011، حيث تضخمت الانتدابات وعمليات الدمج والإلحاق بهذه المؤسسات بشكل لم يراع مدى قدرتها على تحمل كل الوظائف الجديدة التي لم يكن الكثير منها مجديا من الناحية الاقتصادية. كما يعود هذا الوضع جزئيا إلى أسباب موضوعية منها تراجع إقبال السياح الأجانب على تونس في السنوات الأخيرة، والمنافسة الشرسة من طرف الناقلات العالمية بالنسبة للخطوط التونسية، وغياب المداخيل من عملية نقل الفسفاط بالنسبة لشركة السكك الحديدية، وكذلك النقص الكبير الذي سجلته شركات النقل في مداخيلها لأسباب مختلفة. بعض هذه المؤسسات الوطنية لن يكون بإمكانها الصمود طويلا. والأوضاع بها عبارة عن قنابل موقوتة يجب تفكيكها قبل فوات الأوان بما يجنب الأضرار الجسيمة جدا التي يمكن أن تخلفها اجتماعيا واقتصاديا. والثابت أن الحكومة لن تستطيع القيام بضخ الأموال في موازنات هذه الشركات إلى ما لا نهاية له. كما أن الحل لا يكمن في خصخصتها باعتبار طابعها الاستراتيجي، ودورها الهام في حياة المواطن. والمفروض أن يكون هذا الملف من أول الملفات الذي يتوجب على الحكومة الجديدة فتحه ومعالجته من خلال البحث عن حلول جذرية لمشاكل هذه المؤسسات بما يحفظ حقوق العاملين فيها ويضمن أيضا الجدوى الاقتصادية لها وتجنب أي إثقال جديد لكاهلها ولكاهل الدولة مهما كانت الأسباب.