رغم نجاح النادي الإفريقي في تحقيق انتصار صعب أمام قرمبالية الرياضيّة عشيّة الأحد الفارط، أعاد به بعض الطمأنينة لأنصاره وأحبّائه، إلّا أنّه لن يخفي عديد النقاط التي تنتظر المراجعة على المستوى الفنّي الكروي وعلى المستوى الإداري فالإثنان معا مازالا ينتظران تركيز الصفوف وتنظيم البيت لتجنّب كلّ ما يمكن أن يعرقل مسيرة النادي نحو الأفضل... الكلّ ينقلب على «كوستر».. لايختلف عاقلان في أنّ المردود العام لفريق النادي الإفريقي ومنظومة اللعب التي تحدث عنها مسؤولو الفريق وأصحاب القرار سابقا، لا يعطي أيّة مؤشّرات على أنّ هذا الفريق بلعبه المرتجل وعزفه المنفرد سيذهب بعيدا في بطولة تحتاج لنفس طويل وتنظيم واستقرار على جميع المستويات، ورغم الإقرار بالمستوى الفنّي لنادي باب جديد من خلال إجماع عديد الملاحظين على أنّ الإطار الفنّي للإفريقي لم يُظهِر إلى حدود الجولة الحادية عشرة من البطولة بصمات واضحة ولا مردودا منتظما للمجموعة ككلّ، إلّا أنّ حملة الإنقلاب على مدرّب الإفريقي انفجرت بشكل مفاجئ منذ الجولة التي تلت دربي العاصمة لمّا تعادل الفريق مع صاحب المركز الرابع آنذاك مستقبل المرسى على ميدانه. حينها حمّل جميع مسؤولي الإفريقي المسؤوليّة للتحكيم وتمّ الحديث في ذلك الوقت عن مؤامرة تحاك وعن أطراف تتحرّك لزعزعة تقدّم الفريق وابعاده عن مركز الصدارة وهذا ما أكّدته إدارة النادي في بلاغ رسمي اثر اجتماع موسّع حضره رئيس النادي بحديقة الرياضة «أ». وحسب تطوّر الأحداث وتقدّم المباريات، يبدو أنّ هيئة الإفريقي لم تشأ الإتّعاظ من أخطاء الماضي ومن سياسات زمن ليس بالبعيد كلّف النادي الكثير خلال الموسم الفارط، ويبدو أنّ أصحاب القرار في قلعة باب جديد يهوون مسح الغلطات وما تكشفه الأزمات في ضحيّة يتمّ الإختيار عليها ككبش فداء في كلّ مرّة، لكي لا يمسّ السلطان في عرينه ويظهر للجميع في شكل منقذ يبحث عن أسباب النكسات ويشخّص الأزمات ويأتي بالحلول المؤقّتة بعيدا عن لغة الإصلاح والترميم والقاعدة الجذريّة لمن فاته حديث الكواليس وكلّ ما يتطلّبه تسيير ناد في عراقة الإفريقي من مقاييس... موضوع تغيير المدرّب «كوستر» والإستغناء عن كامل الإطار الفنّي طرح منذ مدّة بين جدران مكاتب البحيرة وأصحاب القرار الفعليين في النادي، بعد هزيمة الجولة الرابعة أمام الملعب القابسي، وتمّ الإنطلاق حينها في البحث عن البديل وحتّى سلسلة الإنتصارات التي تواصلت بعد ذلك لم تشفع للفنّي الهولندي الذي واصل عمله في وقت كان فيه هواء الكواليس متقلّبا وينتظر الهزيمة والأزمة لكشف الحلّ والتخلّي على الإطار الفنّي بكامل مكوّناته. وما زاد في تعقيد الأمر هو التصريحات المتناقضة لمسؤولي الفريق في كلّ مرّة، لمّا يتحدثون عن مردود ممتاز وإطار فنّي كفء وعمل جبّار وغيرها من عبارات المدح والإعجاب، ومن ثمّ تبعثر الأوراق وتلعب من جديد وتتغيّر الكلمات لترمي بكامل أسباب الفشل على الإطار الفنّي الذي لم يكن سوى حلقة من سلسلة تفتقد العديد من أساليب الربط والإنسجام والتفاهم والإحترافيّة في كامل مكوّنات عائلة باب جديد الموسّعة. مسؤوليّة مشتركة.. ولسائل أن يسأل عن أسباب الإنقلاب المفاجئ الذي حمّل الإطار الفنّي مسؤوليّة تدنّي مردود الفريق وعدم وصوله للحجم المطلوب كرويّا، فبالنسبة للإطار الفنّي، يمكننا متابعة الأمر حسب تسلسل الأحداث باستغراب وتحفّظ قد تخفيه أحيانا كلّ النتائج الإيجابيّة وهيستيريا الفرحة -والكلّ يذكر ماحصل بعد دربي العاصمة- فعند حلول ركب «كوستر» في حديقة الرياضة «أ» مجّده الجميع وتحدّث عنه رئيس النادي ليصفه بالمنقذ والعصفور النادر الذي سيعود بالإفريقي الى الفترة الورديّة وموسم الرباعيّة، ليخيّل إلى الجميع بأنّ «مورينهو» أو «غوارديولا» مستنسخ نزل في حديقة الرياضة «أ» بتزكية من رئيس ناد لا يفقه من كرة القدم شيئا ولا يدري بأنّ الشكر والمدح والتبجّح بإمكانيات مدرّبه الجديد لا يمكن أن يكشف للعلن إلّا بعد تحقيق النتائج المطلوبة وبعد تطبيق مقولة «مانصدّق إلّا مانعنّق»، وهذا ما نعيبه على قبطان سفينة الإفريقي «سليم الرياحي» الذي لم يتّعظ من أخطاء الماضي وواصل إلقاء حديث «الراحة» وكلام العسل لتنويم الجماهير وتبشيرها بالمهدي المنتظر في كلّ مرّة. وللتاريخ، فإنّ الأمر لم يتعلّق فقط بالمدرّب «آدري كوستر»، حيث أنّ «الرياحي» سبق وأن عبّر بأنّه مدين للمدرّب نبيل الكوكي الموسم الماضي ومن ثمّ أقاله صحبة كامل معاونيه مع أوّل هزيمة ونفس الشيء تكرّر مع المدرّب فوزي البنزرتي، وها أنّنا الآن نشهد «سيناريو» مماثل لا يتناقض مع الحكايات السابقة... صحيح أنّ رئيس الإفريقي دفع الكثير وأنفق أموالا طائلة قد تمنحه حصانة مستمرّة عند الأحبّاء والغيورين على النادي، لكن هذا لن يشفع له بلغة المنطق والواقع التنصل من المسؤوليّة كاملة في ما يحصل في النادي وما يتعرّض له من هزّات في كلّ مرّة، باتخاذه سياسة منفردة سميّت بالمنظومة التسييريّة العصريّة، لم تر الجماهير فيها غير الأرقام والمبالغ. فعلى «الرياحي» وزملائه ومستشاريه أن يدركوا جيّدا أنّ ربّ البيت عليه حماية أبنائه وعلى قائد السفينة أن يعترف بأسباب الغرق دون أن يتناسى دوره في ذلك، ويكتفي بفزّورة «أخطى راسي وأضرب»... «سليم الرياحي» غادر الدّار عند الهزّات وترك سقفها يقع على الجميع قبل أن يعود ويتبجّح بالترميم في شكل منقذ يأتي متأخّرا ويفرح بترميم البنيان حاملا الزهور لمن كانوا سبب سقوطها. على رئيس النادي أن يعترف بأنّ مسؤوليّة الخيبات تكون دائما جماعيّة وإلّا فليكن هو المدرّب واللاعب والمسؤول ليجنّب نفسه عناء التقصّي والتحقيق والبحث عن كبش الفداء في كلّ مرّة... وللمؤامرة نصيب.. في الوقت الذي يمرّ فيه الإفريقي بأزمات مماثلة متعلّقة بالنتائج أو بالتسيير، تظهر لنا بوادر الحلول السريعة والتصريحات التي تسكّن آهات الجماهير ولو بشكل مؤقّت وتحملنا إلى البحث عن مؤامرة وأطراف خارجيّة تسعى للتشويش وإحداث البلبلة. الحديث عن مؤامرة تحاك ضدّ النادي الإفريقي هو مجرّد ذرّ رماد على العيون وموقف يتخذّه الجبناء يبعد عنهم شبهة تحمّل الأخطاء. ورغم أنّ الحديث عن المؤامرات الخفيّة والأطراف الجانبيّة أخذ حيّزا هامّا من تصريحات أصحاب البيت إلّا أنّ الواقع والأيّام المتتالية لم تكشف لنا عن المتسببّين ولم تبرهن للجماهير بما يشفي الغليل وهذا ما يكشف عجزا واضحا من أصحاب القرار على الضرب بعصا الجديّة والإقرار بتحمّل المسؤوليّة في كلّ فترة يمرّ فيها الإفريقي بنكسة أو لخبطة وقتيّة... «ما يدوم في الواد كان حجرو».. رغم أنّ النادي الإفريقي كان محورا في كلّ المواضيع التي تداولتها المنابر الإعلاميّة وحتّى صفحات الجماهير «الفايسبوكيّة»، ورغم أنّ الأمر يبقى في كلّ مرّة معلّقا اسباب الداء على كبش من أكباش الفداء، الاحتياطية فإن التاريخ وما لقّننا من دروس عبر مر الأزمنة وتتالي الحقبات يؤكّد بأنّ الكلّ يمرّ والكلّ ينتهي والكلّ له فترته وزمانه، كما يؤكّد للجميع بأنّ النجاح والفشل يدوّنان بأحرف تجمع كلّ المشاركين ولا تستثني «سي فلان». فإن أراد أصحاب البيت ترميمه قبل السقوط والوقوف على أصل الداء ومكمن الجرح للركوب في قطار النجاح فذلك سيحسب لهم وسيكون لهم الشرف في كتابة أحرف من النجاح تمنّاها البعض ولم يلحقها البعض الآخر. وإن أرادوا مواصلة الرقص على طريقة الديك المذبوح والهروب إلى الأمام، فإنّ ذلك لن يمنعهم من تصدرّ القائمة والأسطر السوداء في كتاب الفاشلين، ففرصة القيادة في سفينة الإفريقي تعتبر حلما للبعض ومبتغى للكثير وها أنّ ما يشهده الإفريقي اليوم قد حقّق حلم الكثير وقد يحقّق لاحقا مبتغى الراكبين، لكنّ الكلّ ينتهي والكلّ يزول والكلّ يمرّ ويبقى الإفريقي قلعة شامخة يمرّ عبرها «سي فلان» ومن ثمّ يدوّن اسمه إمّا بأحرف من ذهب أو بكلمات معدنها «مذرّح»... فالكلّ يذهب و«مايدوم في الواد كان حجرو»..