مازال التهريب الذي استفحل بصفة مهولة بعد الانفلات الذي حصل اثر الثورة ينخر اقتصاد البلاد ولم تجد الحكومات المتعاقبة حلا ناجعا له. هذا الغول الذي يلتهم قرابة 40 بالمائة من قيمة الإقتصاد الوطني أصبح مصدر تهديد كبير للأمن الوطني عامة والأمن الاقتصادي خاصة. في الجنوب وتحديدا في ولاية تطاوين اكبر ولايات الجمهورية والتي تمتد الحدود فيها على أكثر من 600 كلم مع ليبيا والجزائر اتخذ التهريب شكلا جديدا ولم يعد المهربون يركزون كثيرا على تهريب المواد الغذائية المدعمة خاصة إلى ليبيا بل استبدلوا هذا الإستنزاف بجريمة جديدة إن تواصلت ستكون عواقبها وخيمة. جولة صغيرة وسط المدينة تكشف عن وجود عدد كبير من محلات بيع الوقود علاوة على الشاحنات المعبئة ببراميله والإطارات المطاطية وكل أصحابها يتجولون ويزاولون نشاطهم دون أدني خوف من الأمن. وقد أفادنا أحد أصحاب هذه المحلات أن لا احد بإمكانه محاسبته وغلق مورد رزقه الوحيد مادامت الدولة لا تستطيع توفير شغل قار له. وفي السياق نفسه أكد مصدر أمني بالجهة أن الولاية تشكو نقصا كبيرا في التجهيزات الأمنية على غرار السيارات. وبين أن هناك فرقا مختصة لمقاومة التهريب تتولى مراقبة كل الحدود الممتدة بين تونس والجزائر وتونس وليبيا. وأضاف محدثنا أن القانون لا يطبق بحذافيره خاصة في الولايات الحدودية وأنه لا توجد أية أوامر واضحة لتطبيقه وأكد أن هناك غض طرف على التهريب خاصة للوقود. محدثنا علّل هذا الأمر بغياب البديل الذي يمكن المهربين من موطن شغل يضمن لهم لقمة العيش بالإضافة إلى أن المصالح القمرقية لم توفّر خزانات كافية لتخزين الوقود المحجوز. تهريب المواشي؟؟؟ أكد أحد المهرّبين بولاية تطاوين ان تهريب المواد الغذائية إلى الجارة ليبيا لم يعد «يوكّل الخبز» ذلك أن الليبيين عوضوا النقص الكبير الذي عانوا منه بعد الإطاحة بالقذافي بالتوريد من تركيا. وأكد محدثنا ان السفن التركية وفرت لليبيين أطنانا من المنتوجات الغذائية وغير الغذائية وان الأسعار المنخفضة لهذه المنتوجات جعلت المهربين يعكسون الآية وذلك بجلب كميات هامة خاصة من الطماطم المعلبة والملابس للمتاجرة بها في تونس. وبين محدثنا أن المنتوج الذي يوفر مصدر ربح وفير الآن في ليبيا هو تهريب المواشي خاصة الأبقار. وأكد أن سعر البقرة الواحدة يمكن أن يصل إلى 9 آلاف دينار وان سعر «النعجة» يصل إلى 1700 دينار خاصة إذا كانت حاملا. مصدرنا أكد انه يجلب المواشي من جميع أنحاء الجمهورية وان لديه مزودين ولم ينف تهريب المواشي المسروقة إلى التراب الليبي مشيرا الى أن العديد من المهربين تعاملوا مع عصابات اختصت في سرقة المواشي، ممّا يفسر السرقات العديدة التي يتعرض لها الفلاحون ومربّو المواشي خاصة في ولاية المهدية والتي عانت العديد من معتمدياتها في الفترة الأخيرة من عمليات سطو على الأبقار وقع البعض منها في وضح النهار وبالعنف. وفي السياق نفسه أكد العديد من أهالي ولاية تطاوين أن التهريب تضاءل كثيرا خاصة في المدة الأخيرة بعد إعلان المنطقة العسكرية المغلقة بالجهة وبينوا أن قلة من أبناء الجهة يمتهنونه ذلك أن جلهم هاجروا إلى فرنسا أو يعملون بالعاصمة علاوة على وجود نسيج صناعي هام بالجهة يوفر مواطن شغل لا باس بها. وبين المواطنون أن الحدود شاسعة جدا في الولاية وانه لا يمكن مراقبتها بالكامل .