كانت في طفولتنا المادة المميّزة شكلا ومضمونا فتنفرد بكراس خاص بها بين كل صفحتين منه ورق شفاف يزيدهما بهرجا ولمعانا وبريقا ... صفحة لكتابة القطعة الشعرية بخط جميل وصفحة تقابلها لرسم مشهد يحاكي موضوع القصيد... وكنّا نتفنّن في الكتابة والتزويق والتلوين والتصوير ونتنافس حول عرض محتوى كراس المحفوظات كلّما دعا المعلم أحدنا إلى السبورة للإلقاء باعتبار أن هذه المادة تؤشر لها 5 معايير منها 3 معايير للحدّ الأدنى وهي سلاسة النّطق ووضوحه... الاسترسال في الأداء ثم الاستظهار الكامل لما يطلب منه ... ومعياران للتميّز وهما احترام مواطن الوقف والأداء المعبّر عن الفهم. أمّا اليوم فقد فقدت مادة «المحفوظات» لدى تلاميذ المدارس الإبتدائية بريقها وسقطت إلى الحضيض ولم تعد ضمن مواد الريادة كما كانت في صبانا إذ حشروها في مادة «التواصل الشفوي» وصارت تسير في ظلّه إلى درجة ذبل فيها اهتمام وعناية التلاميذ بها وأصبح وجه كراس المحفوظات قاتما شكلا ومضمونا تزامنا مع قلة حرص معلمّي اليوم على دفع أطفالهم لإعطاء المادة حجمها ووزنها الرّوحاني والحسّي والعاطفي بعد أن قلّت العناوين وصارت مصادرها مفقودة ونادرة وكل من اجتهد منهم عاد إلى الوثائق القديمة ليستنجد بقطع شعرية ظلّت راسخة في ذاكرتنا لأنها نقشت من حروف من ذهب على غرار «الأرملة المرضعة» و«اليمامة والصياد» و«الممرّضة» و« الأرنب» و«سعادة أب بولديه» و«سلمت يا قريتي» و«أوراق الخريف» و«يا بحر» و«معلمة لاجئة» و«الذئب والخروف» و«الشتاء» و«إلى ابني» و«الشريّد» و«أبي» و«حنوّ الجدّة» و«الأرض الطيبة» وأختي الكبرى» و«المسافر» و«الثعلب المتنكر» والقائمة تطول لقصائد من واقع الطفل المعيش في صورة رومانسية وبجرس موسيقي تحاكيه الأوزان والقوافي وبلغة سلسة تساعد على الحفظ وتنتهي بمغزى أخلاقي لتختم على مادة قيمتها ثابتة في واقع القسم ضمن مجال اللغة العربية.