تم إنشاء «صندوق المواطنة111» طبقا للمرسوم عدد 12 لسنة 2011 المؤرخ في 12 مارس 2011 وتتمثل مهمّته في جمع التبرعات المقدمة من قبل كل شخص طبيعي أو معنوي بهدف استعمالها بصفة مباشرة أو عن طريق الجمعيات في تمويل مشاريع المصلحة العامة ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وذلك بالأساس في المناطق والجهات المحرومة. وبلغت قيمة التبرعات لفائدة صندوق المواطنة منذ إعلان محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي عن إحداث هذه الآلية وإلى حد الآن حوالي مليارين ويترجم هذا المبلغ المتواضع العديد من الاستنتاجات لعلّ أبرزها أن التونسي لم يعد له الثقة في مثل هذه الصناديق التي تُذكّره بالصندوق الوطني للتضامن 26/26 وما قام به النظام السابق من تحويل لموارده كما لم يقع تسجيل رغبة سياسية كبيرة من طرف الحكومات المتعاقبة لدعم هذا الهيكل الجديد. والملاحظ أن حكومة علي العريض حرصت على تمرير بعض مشاريع القوانين ذات الصيغة الإسلامية على غرار مشروع إحداث صندوق الزكاة ومشروع قانون الأوقاف اللذين أثارا جدلا واسعا في بعض أوساط المجتمع التونسي مع تغافل ملحوظ للالتفات إلى صندوق المواطنة. أضف إلى ذلك تواضع الإطار البشري العامل بالصندوق والذي لا يضمّ سوى 4 شخصيات مستقلة وخبيرين من دائرة المحاسبات وكاتبة تعمل بالمكتب الذي خصّصه البنك المركزي للمقر الاجتماعي لهذا الصندوق. كلها عوامل مباشرة وغير مباشرة من شأنها أن تجعل مآل الصندوق الاضمحلال بعدما دخل طي النسيان بمرور الوقت وفق ما أكدته مصادر مأذونة من صندوق المواطنة حول هذا الهيكل الذي غاب عن الساحة الإعلامية ولم نسمع عن أنشطته. وفي الواقع فإنّ الأمر الذي دفعنا لتسليط الأضواء على أعمال صندوق المواطنة وإنجازاته ما تمر به البلاد من ظروف عصيبة جراء تواصل الأزمات الاجتماعية وتدني القدرة الشرائية للمواطن والمساهمة الفعالة في مختلف المواسم والمناسبات الاستهلاكية الكبرى التي تعرفها البلاد فضلا عن القيام بحملات تبرع لفائدة العائلات محدودة الدخل والمعوزة ولا سيما منها المتواجدة في المناطق النائية من تونس. وقد كان صندوق المواطنة الغائب الكبير عن المدّ التضامني وهو الذي المفروض أن يكون في طليعة القوى الحية والهياكل الفاعلة في مثل هذه الظروف والمحن. بداية واعدة وتحمّس ولكن! وأوضحت مصادرنا أن بداية صندوق المواطنة كانت سنة 2012 مشجعة ومحمودة خاصة في مساهمته في المد التضامني ومساعدة المواطنين العالقين ببعض مناطق الشمال الغربي بالشكل المطلوب خلال موجة البرد والثلوج التي اجتاحت تلك المناطق، حيث اختار الصندوق أن تكون مشاركته من خلال توزيع أجهزة تدفئة إذ قام بين 6 و8 فيفري 2012 بتنظيم قافلات إعانة تمثلت في توزيع حوالي 600 جهاز تدفئة مجهز بقارورة غاز مع ضمان عناصر السلامة لهذه الأجهزة. وأشارت مصادرنا إلى أن هذه المساعدات توجهت نحو ولايات جندوبة والقصرين وزغوان والكاف وسليانة مؤكدا أن صندوق المواطنة اتخذ هذا القرار بطريقة استعجالية لعدم إضاعة الوقت ملاحظا أن 600 عائلة تونسية في هذه المناطق انتفعت بأجهزة التدفئة بمعدل 120 جهازا لكل ولاية. مضيفا أنه تم توزيع المساعدات عن طريق الجمعيات التنموية ومنظمات المجتمع المدني وأنّ قيمة المساعدات بلغت 182 ألف دينار. غير أنه مع مرور الوقت وتواضع حجم الإمكانيات والتبرعات بدأت شعلة الصندوق تنطفئ خاصة في ظل حيوية ونشاط مكونات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات التي تعمل في الحقل الاجتماعي والتي توفقت في جمع بعض التبرعات وتوزيعها على المستحقين، وهي عوامل أثرت بشكل ملموس على نشاط الصندوق. عزوف عن التبرع للصندوق وفي إجابة عن سؤالنا بخصوص تواضع قيمة التبرعات قالت مصادرنا إنّ التبرّعات توقفت في سنة 2012 عند مستوى مليون دينار و38 ألف دينار وأنّ الأسباب المباشرة التي جعلت صندوق المواطنة لا يجمع مبلغا أكبر من التبرّعات هي أن الصندوق لا ينتمي إلى أيّ صنف من المؤسسات الموجودة ولا يخضع إلى أي جهة إدارية فهو مستقل من الناحية القانونية ويتمتع بالشخصية المعنوية وتديره لجنة تصرف. وبالرغم من كل الضمانات التي تؤمن الاستقلالية والحياد عن كل الأطراف السياسية والحكومية فإنّ ما عرفه صندوق التضامن الوطني 26/26 من فساد إداري ومالي في عهد المخلوع جعل المواطنين يحترزون أكثر من مثل هذه الصناديق وتجسّد ذلك في عزوف عن التبرع لفائدة صندوق المواطنة من منطلق الهاجس والحيطة اللذين طبعا سلوك المواطن. وأضافت مصادرنا أنه تم إرسال أكثر من 300 بريد إلكتروني إلى أغلب المؤسسات الاقتصادية للمساهمة في التبرع لفائدة الصندوق غير أن النتيجة كانت سلبية ولم يحصل التجاوب المطلوب. غياب الدعم الحكومي وعن علاقة صندوق المواطنة بحكومات السبسي والجبالي والعريض من حيث الدعم والمساندة قالت مصادرنا إن رئيس الصندوق اتصل شخصيا ببعضهم طالبا منهم دعم الصندوق خاصة على مستوى التعريف به وحفز المواطنين على التبرع لفائدته حتى يقوم بالمهمة التي أحدث لأجلها غير أنهم لم يولوا الموضوع أهمية كبرى. وأشارت مصادرنا إلى أن حكومتي الجبالي والعريض عملتا على إحداث صندوق للزكاة وما سيرافقه من عمليات تبرع لهذا الصندوق وتوظيف أموال الزكاة في تونس لأغراض اجتماعية وإنسانية معتبرا أن مثل هذه الصناديق إيجابية وعلى غاية من الأهمية غير أنها قد تعيق صندوق المواطنة عن مواصلة عمله على الوجه الأكمل والأفضل وتشتيت التبرعات والموارد المالية.