كلّما تحدثنا عن ريادة الرياضة التونسية إلاّ وفرضت الرياضات الفردية نفسها حاملة للواء العالمية والتألق وعندما نتصفّح سجل التاريخ يستوقفنا إنجاز طيب الذكر المرحوم الحبيب قلحيّة الذي ارتفعت بفضل قبضته القوية راية الوطن عالية خفّاقة لأوّل مرّة في الألعاب الأولمبية عندما أحرز الميدالية البرنزية في الملاكمة في أولمبياد طوكيو سنة 1964 ليفتح قلحيّة الباب على مصراعيه أمام أسطورة الرياضة التونسية العدّاء محمد القمودي ليدعم رصيدنا من الميداليات في تلك النسخة من الألعاب الأولمبية.. وعندما نتذكر الحبيب قلحيّة ونترحّم على روحه الزكيّة تنتصب أمامنا شامخة قلعة الشبيبة الرياضية بالساحل التي أنجبت المرحوم الذي وهبها عصارة جهوده مدرّبا لسنوات طويلة.. ولأنّها ولاّدة فقد أنتجت الشبيبة الرياضية بالساحل أبطالا آخرين من بينهم محمد إبراهيم الذي حصد البطولات ملاكما قبل أن يخوض مغامرة استثنائيّة في بلد الملاكمة كوبا التي تحوّل إليها سنة 2007 وأمضى فيها ست سنوات ضمن اتفاقية تعاون بين تونسوكوبا في رياضة الفن النبيل. محمد إبراهيم جمع في تجربته الكوبية بين النظري والتطبيقي ونهل من معين البلد الذي يتسيّد الملاكمة في العالم حيث بدأ مشواره ببحث علمي شامل عن المنتخب التونسي للأواسط في الملاكمة شارك به في الملتقى الدولي لأمريكا اللاتينية بعد أن رشحته الجامعة الكوبية للملاكمة لذلك واستطاع محمد ربراهيم أن يغنم الجائزة الثانية.. كما عمل ضمن الطاقم الفني للمنتخب الكوبي للأواسط وقام ببحث موضوعه النشاط الفيزيولوجي للملاكمة أثناء المباراة واشتغل محمد إبراهيم في هذا البحث الذي استمر سنة كاملة مع 15 ملاكما كوبيا كنموذج منهم ستة أصبحوا أبطالا للعالم (3 في الأصاغر ومثلهم في الأواسط) وبلغ اثنان منهم مرتبة أفضل ملاكم في العالم. عاد فرحا.. فتناسوه !؟ حصيلة ست سنوات من العمل والبحث والتحصيل والاستفادة من أهم تجربة في رياضة الملاكمة في العالم عبر تعامله مع قمم التدريب في كوبا عاد بها محمد ابراهيم من بلاد فيدال كاسترو وهو في قمة الفرحة بما تحصّل عليه من شهائد وديبلومات ليضعها على ذمّة الملاكمة التونسية حيث قدم ملفا ثقيلا إلى سلطة الإشراف وهو المحرز الإجازة في التربية البدنية اختصاص ملاكمة من المدرسة الدولية للرياضة بهفانا وانتظر ابراهيم أن يتلهّف القائمون على الشأن الرياضي في تونس على الاستفادة من تجربته وخلاصة سنواته الست في كوبا ولكنهم «أكرموه» بالتجاهل ولم يكلفوا أنفسهم حتى محاولة التعرّف عليه... فكانت خيبة الأمل التي لم يتوقعها أحد ولكن يبقى الأمل قائما مع النسخة الجديدة لوزارة الرياضة عساها تُنصف محمد ابراهيم وتفتح أمامه آفاق العمل حتى تستفيد رياضة الملاكمة من تجربته. راتب ب300 دينار !! الشبيبة الرياضية بالسّاحل الفريق الأم لمحمد ابراهيم سعت من خلال رئيسها محمد موسى ورغم تواضع إمكاناتها المالية أن توظف ما عاد به محمد ابراهيم من كوبا براتب شهري متواضع لا يتجاوز 300 دينار.. وإذ يستحق رئيس الشبيبة محمد موسى التحية على مبادرته وحرصه على الاستفادة من شهائد وأبحاث محمد ابراهيم في إطار «جاد الفقير بما عنده» فإن السؤال يبقى مطروحا على أولي الأمر في رياضتنا إلى متى ونحن مبدعون في تهميش كفاءاتنا؟