رغم الجهد الواضح الذي بذله رئيس الحكومة مهدي جمعة مساء الاثنين في اللقاء التلفزيوني الذي تحدث فيه عن الوضع العام بالبلاد في انتقاء الكلمات المناسبة ، وحرصه على تجنب التهويل وعدم تخويف التونسيين فإن الذعر أصاب الكثير منهم. بل من المؤكد أن عددا من هؤلاء لم يناموا جيدا ليلتها بسبب بعض الحقائق التي كشف عنها رئيس الحكومة خاصة في المجال الاقتصادي. الصورة التي رسمها رئيس الحكومة عن أوضاع الاقتصاد جاءت مرعبة ومخيفة. رغم أنه لم يكشف عن كل الحقائق، ولكنه قدم ما يكفي من المعطيات والمؤشرات التي تفيد بأن أحوال البلاد سيئة جدا من الناحية الاقتصادية. ولم يعلن بشكل واضح عن إجراءات دقيقة ستتخذها حكومته لمجابهة هذا الوضع ولكنه قال أن الأحوال لن تتغير نحو الأفضل إلا بالعودة إلى العمل ومعالجة الخلل الكبير الذي أصبحت تعاني منه التوازنات المالية العامة للدولة والذي يتفاقم يوما بعد يوم. لذلك شدد رئيس الحكومة على أن البلاد أصبحت تحتاج اليوم إلى العودة إلى الروح التي قادت التونسيين قبل ثلاث سنوات لإسقاط نظام جائر مستبد، إذا ما أرادوا أن يستكملوا تحقيق أهداف ما انتفضوا من أجله. لم يحمّل رئيس الحكومة طرفا بعينه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ربما تفاديا للتجاذب الذي تظل البلاد في غنى عنه في الوقت الراهن، ولكنه لمح إلى أن الحكومات المتعاقبة منذ جانفي 2011 لم تتعامل مع مرحلة الانتقال الديمقراطي، وفق مقاربة سليمة خاصة من حيث التعاطي مع الشأنين الاقتصادي والاجتماعي على الأقل. أهم ما يمكن استنتاجه من كلام رئيس الحكومة أن «الفسحة انتهت...» وأنه آن الأوان للتصدي للمشاكل المستعصية التي تعاني منها البلاد حتى لا تغرق السفينة بالجميع. وأن الحل لا يكمن في الاقتراض إلى ما لا نهاية له لسد ثغرات ميزانية الدولة و لدفع الأجور. لأن ذلك سيمثل بداية الإفلاس الحقيقي للبلاد لا قدر الله. الحل يكمن في إعادة الاعتبار لقيمة العمل وإطلاق المبادرة وتوفير المناخ الملائم للاستثمار وخلق الثروات وحسن توزيعها بين كل الفئات والجهات، وفي احترام الجميع للقانون ، وعدم تعطيل آليات الإنتاج . وهذا شأن كل التونسيين وليس شأن الحكومة وحدها، التي لن تكون قادرة على حل مشاكل البلاد بمفردها مهما كانت عبقريتها.