الزيارة التي أداها رئيس الحكومة مساء أول أمس إلى مقر الإدارة العامة للديوانة، وتحوله الأحد الفارط إلى المعبر الحدودي ب«رأس جدير» الذي يربط بين تونس وليبيا خلال زيارته إلى ولاية مدنين قد يكونان مقدمة لفتح ملف التهريب الذي تحوّل إلى ظاهرة خطيرة جدا لا تهدد مقومات الاقتصاد الوطني فحسب بل أمن البلاد واستقرارها. رئيس الحكومة كان قد استمع قبل أيام خلال لقائه بالمسؤولين في منظمة الأعراف إلى صيحة فزع أطلقها أصحاب المؤسسات بسبب ما وصفوه بتفشي ظاهرة التهريب وما تسببه من خسائر يومية لخزينة الدولة وما تخلقه من مشاكل للمؤسسات المنظمة باعتباره المغذي الرئيسي للتجارة الفوضوية التي تحولت إلى اقتصاد مواز قائم الأركان. فعلى المستوى الاقتصادي وحسب دراسة أعدها البنك العالمي فإن التهريب يكلف تونس خسارة تقدر ب2000 مليار من المليمات سنويا . وعكس ما يتصوره البعض فإن ما يعود من هذا المبلغ للفئات الهشة والضعيفة التي تعمل في التجارة الموازية لا يمثل إلا الفتات، مقارنة مع ما يجنيه كبار المهربين من أموال طائلة على حساب المصلحة العامة. هذا فضلا على أن التهريب والتجارة الموازية تسبّبا حتى الآن في فقدان عدد من التونسيين لمصادر أرزاقهم ويهدّدان الآلاف الأخرى من مواطن الشغل في القطاع المنظم. كما أن العديد من البضائع المهربة يمثل خطرا على صحة المواطنين وأبنائهم وعلى المحيط بصفة عامة بحكم أنها في أغلب الأحيان سلع مقلدة لا تستجيب لمواصفات الجودة والصحة واحترام البيئة. أليس من الأجدر العمل على أن يدخل مبلغ ال2000 مليار خزينة الدولة سنويا وأن يخصص جزء منها لإقامة مشاريع تنموية جديدة يدمج فيها هذا الشباب المهمش الذي يشتغل في القطاع الفوضوي في ظروف مهينة وقاسية أحيانا؟ أما على المستوى الأمني فأكبر الأخطار التي يمكن أن يواجهها بلد ما، هو تهريب الأسلحة وسهولة الحصول عليها. وهذا ما بدأنا نشهده في بلادنا وللأسف.. وهذا ما يجب التعامل معه بكل حزم وجدية وتسخير كل الإمكانيات اللازمة لمقاومته. وتبقى مصالح الديوانة هي المعنية الأولى بالتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والحد من انتشارها لأنه يصعب جدا القضاء عليها نهائيا. وزيارة رئيس الحكومة لمقر الإدارة العامة للديوانة هي عبارة عن رسالة تعكس وعيه بحجم هذه الظاهرة ومخاطرها. والمفروض اليوم اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى يؤدي رجال هذا السلك مهمتهم على الوجه الأكمل مهما كانت المغريات أو التهديدات. كما أنه يجب توفير التجهيزات اللازمة لهم حتى يقوموا بدورهم في حماية اقتصاد البلاد وأمنها واستقرارها.