أثار ارتفاع نسق الإضرابات وتزايد الوقفات الإحتجاجية في الفترة الأخيرة الكثير من نقاط الإستفهام، إذ يرى البعض انها تحرّكات طبيعية جاءت للمطالبة بتسوية الملفات العالقة وانها وسيلة لتبليغ أصوات الموظفين والعمّال ممن لا يجدون طريقة لإيصال مطالبهم غير «الإحتجاج»، في حين يرى آخرون ان بعض التحرّكات «مفبركة» تقف وراءها أياد خفية تعمل على إنهاك الإقتصاد وتأجيج الأوضاع في البلاد خاصة إذا نظرنا إلى بعض المطالب التعجيزية وشروطها المجحفة. «التونسية» تحسّست آراء بعض المسؤولين في الإتحادات كإتحاد الشغل واتحاد الصناعة وكذلك الجامعة التونسية للشغل في هذا الموضوع. اتّحاد الشغل: تحرّكات طبيعية قال «حفيظ حفيظ» الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل ان ما حصل من تحرّكات في الفترة الأخيرة لم يرتق إلى مستوى الظاهرة، وأكدّ انه كلما وقع الإخلال بالتعهدات وعدم إحترام الإتفاقيات فإنّ الإحتجاجات تظهر وتطفو على السطح، وقال انّ ابرز التحركات التي وقعت ويمكن القول انها شملت قطاعات حسّاسة في تونس كانت في قطاع المالية وفي مجال المحروقات، واعتبر انها تحركات تلقائية وسبقها صدور برقيات للإعلان عن تلك الإضرابات. وقال انّه في اغلب الإضرابات كانت هناك دائما مؤسسات تتفاوض وأنه عادة ما يتم التوصل إلى حلول لفك الإضراب، وأشار الى ان الإضراب مثلا في قطاع المحروقات لم يتعد 24 ساعة وتم التوصل الى حلول وقال انه في إضراب أعوان المالية وتحديدا في القباضات فإنه رغم طول المدة نسبيا فإن العمل استؤنف بنسبة تقدر بمائة في المائة. وأضاف حفيظ انّه تم إصدار برقية إضراب لأعوان البريد وانّ أغلب المطالب ضرورية، وكشف انه عادة ما تكون هناك مدة زمنية للتفاوض وقال انّه تم أمس عقد جلسة مع «توفيق الجلاصي» وزير تكنولوجيا المعلومات والإتصال للنظر في إضراب أعوان البريد على أمل التوصّل الى حلول. وأكدّ «حفيّظ» ان جميع البرقيات الصادرة طبيعية وانها دليل على عدم قبول «التراجعات» في بعض المسائل وأضاف انه لا يجب ان ننظر إلى بعض الإضرابات على انّها «مدبّرة» بل هي مسألة «عادية وصحية» وقال انه في 80 بالمائة منها يتم التوصّل الى حلول وتفعيل الإتفاقيات المعطلة. ولم ينف محدثنا ان وراء إندلاع بعض الإحتجاجات محاولات لإرباك الإتحاد وقال انّ أغلبها لم ينجح، وقال ان البعض يحاول إرباك المجال الإجتماعي، وتساءل عمّن له مصلحة في عدم عمل القباضات المالية في تونس؟وقال انّ الرأي العام يعرف الإجابة. الجامعة التونسية للشغل: لا بدّ من الحوار من جانبه قال «الحبيب قيزة» رئيس الجامعة التونسية للشغل انّ اغلب الإضرابات مرتبطة بمشاكل إجتماعية،وأكدّ ان سببها يعود الى وجود نقاش بين الحكومة وطرف واحد في حين انّ بقية الأطراف مغيبة، وقال: «نحن نمثل العمّال ومع ذلك السلطة والإدارة لا تتفاوض معنا» وأكدّ انه طالما لا يوجد حوار فإنّ التساؤل عن سبب تزايد الإضرابات سيظلّ بلا إجابة. واعتبر قيزة انّ غياب التفاوض هو خرق للقانون وقال ان القانون التونسي يقرّ بالتعدّدية النقابية مضيفا انّ الإضرابات هي نتيجة لعدم تنظيم الحقل النقابي في تونس ونتيجة لعدم ضبط مقاييس تنظم العمل النقابي. وأكدّ ان الجامعة تنظم اليوم ندوة ستكشف من خلالها النقاب عن الكثير من المسائل. الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة: كثرة الإضرابات تقتل الإضراب وقال «خليل الغرياني» عضو المكتب التنفيذي ورئيس لجنة الشؤون الإقتصادية بالإتحاد التونسي للصناعة والتجارة انّه ضدّ النظرية التي تقول ان هناك أطرافا توّجه الإضرابات في تونس. وأضاف انّ هناك أخبارا زائفة تشير إلى تصدّع العلاقة بين اتحاد الشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة وذلك مباشرة بعد صدور بيانهم الأخير الذي تم التأكيد من خلاله على تفاقم نسق الإضرابات في الفترة الأخيرة وتأثيراتها على الإقتصاد. وأكدّ انّ العلاقة بين اتحاد الشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة هي علاقة «أخوّية» وقال «جمعنا موعد تاريخي ومازلنا مجتمعين». وأضاف الغرياني ان المشاكل في تونس كبيرة جدا وان هناك مسائل عديدة يجب إعادة النظر فيها ، وقال انها تهم المستوى الإجتماعي والعلاقات الشغلية والمقدرة الشرائية في تونس... واعتبر ان مختلف هذه المسائل تتطلب حدا أدنى من السلم الإجتماعية والتهدئة للتوصّل الى حلول، وأكدّ انه لا يمكن لأي حوار ان ينجح إلا إذا كان هناك حدّ أدنى من الهدوء. أما في ما يتعلق بتفاقم وتيرة الإضرابات في الفترة الأخيرة فقد قال الغرياني ان «كثرة الإضرابات تقتل الإضراب» لأنها من جهة تصبح دون مفعول ومن جهة أخرى لا تجد الصدى المطلوب عند الأعراف وبالتالي لا يعود لها أي ثقل مضيفا: «اننا شهدنا ظواهر غريبة مؤخرا ومنها الإضرابات «التضامنية» على غرار ما حصل في بعض المناطق الصناعية وكذلك الإضرابات الجهوية والعامة». وأكدّ ان هذه المسائل مرفوضة في ظلّ الوضع الإقتصادي والأمني الخطير الذي تعيشه حاليا بلادنا. واعتبر الغرياني انّ الأخطر من ذلك هو عدم وجود أي توجيه لبعض الاضرابات وكشف انّه لا يمكن ان ننكر انّ بعض المطالب مجحفة و«خيالية» واعتبر ان شروط بعضها قد تدفع إلى الكثير من التساؤلات. وطالب «الغرياني» بضرورة تأطير الإضرابات والرجوع الى القانون خاصة إلى مجلّة الشغل والتي تنّظم وتضبط آجال الإضرابات.