» أصداء» تفتح ملفات التنمية والحوكمة في عدد استثنائي يواكب رهانات المرحلة    النيابة تأذن بإيقاف صاحب مطعم بسوسة يخزّن أسماكا غير صالحة للاستهلاك    الركراكي: "لديا ثقة في مشروعي الفني وأنا الأنسب لقيادة المغرب نحو اللقب القاري"    البنك الوطني للجينات يقوم بتركيز ثلاث مدارس حقلية بهذه الولايات    مدرب منتخب مصر : "سنلعب للفوز على أنغولا رغم التأهل لدور الستة عشر"    نابل: "العلوم الإنسانية والاجتماعية بين تحديات التحول الرقمي وفرص تحقيق التنمية المستدامة "محور أعمال منتدى تونس الثاني للعلوم الإنسانية والاجتماعية    توزر: إشكاليات تراث جهة الجريد وسبل تثمينه في ندوة فكرية بعنوان "تراث الجريد بين ضرورة المحافظة ورهانات التثمين المستدام"    فيلم "فلسطين 36" في القاعات التونسية بداية من الأربعاء 7 جانفي 2026    علاج للسرطان.. من أمعاء الضفادع...شنيا الحكاية؟    عاجل-فرجاني ساسي: ''نسكروا صفحة نيجيريا والتركيز على مواجهة تنزانيا''    وفاة الممثلة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر يناهز 91 عاما    المهدية :انطلاق عملية التصويت على سحب الوكالة من أحد أعضاء المجلس المحلي بشربان عن عمادة الشرف    مصر.. فيديو الهروب الكبير يثير ضجة والأمن يتدخل    احذر.. إشعاع غير مرئي في غرفة النوم!    اختتام البطولة الوطنية للرياضات الإلكترونية لمؤسسات التكوين المهني    كأس أمم افريقيا: برنامج مباريات اليوم الأحد..    هام/كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..#خبر_عاجل    كيفاش باش يكون طقس آخر أحد من 2025؟    تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي    ماسك: «الاستبدال العظيم» حدث في بروكسل    غزة: خيام غارقة في الأمطار وعائلات كاملة في العراء    مدرب منتخب نيجيريا: "نستحق فوزنا على تونس عن جدارة"    كأس إفريقيا للأمم... الجزائر- بوركينا فاسو: "الخضر" على بعد انتصار من الدور ثمن النهائي    جلسة مرتقبة لمجلس الأمن بشأن "أرض الصومال"    الاحد: أمطار متفرقة بهذه الجهات    مرض الأبطن في تونس: كلفة الحمية الغذائية تثقل كاهل المرضى والعائلات محدودة الدخل    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    علي الزيتوني: بالعناصر الحالية .. المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في الكان    منخفض جوي قوي يضرب غزة.. خيام النازحين تتطاير أمام هبوب الرياح العاتية    تونس تُشارك في الصالون الدولي للفلاحة بباريس    سيدي حسين: المنحرف الخطير المكنّى ب«ب بألو» في قبضة الأمن    لجنة مشتركة تونسية سعودية    قريبا شحن الدفعة الأولى من الحافلات    جهاز استشعار للكشف عن السرطان    تراجع خدمات الدين الخارجي المتراكمة ب 13،8 بالمائة    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    مجموعة الخطوط التونسية: تراجع طفيف في العجز ليناهز 220،8 مليون دينار خلال سنة 2022    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    خبايا الخطة..ماذا وراء اعتراف اسرائيل بأرض الصومال..؟!    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد القديدي (نائب رئيس «الاتحاد الوطني الحرّ») ل «التونسية»:ندعو الى أَخْلقة الحياة السياسيّة وبناء دولة الحداثة الأصيلة لا دولة الحداثة الدّخيلة
نشر في التونسية يوم 05 - 04 - 2014

اذا التزم القانون بروح الدستور فسيمنع كل من حرم المواطن من حق المواطنة من التمتع بهذا الحق
على الجيل القادم ترسيخ الحرية والكرامة والعدالة لا السقوط في فخ التشفّي والانتقام
لا مناص من الوفاق والتنازلات والمعركة القادمة اقتصادية بالأساس
أشعر بضيق أخلاقي وأنا أرى أحد أباطرة النظام البائد يترأّس حزبا
حاورته: صباح توجاني
عندما يتحدث الدكتور أحمد القديدي نائب رئيس «الإتحاد الوطني الحر» عن حزبه يؤكد بانه يرفع شعار البراغماتية و العقلانية ويفصح عن شعوره بأن المعركة القادمة إقتصادية بالدرجة الأولى ويضيف ان الحزب يتمسك بالهوية ويدعو إلى (أخلقة) الحياة السياسية و تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة. إلاّ ان نشاط الدكتور القديدي لا يتوقف عند العمل السياسي فضيفنا اليوم يرأس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس، وهو مجتهد في كتابة المقالات التحليلية حول الوضع في تونس وفي العالم العربي والغربي.
حوارنا مع الدكتور القديدي تناول أيضا جوانب خفية من مواقف «الإتحاد الوطني الحر» من بعض القضايا المحلية خاصة ان هذا الحزب ظل يعمل في صمت بعيدا عن الضوضاء الإعلامية بالرغم من ان رئيسه يملك قناة فضائية وليس بالغريب عن القطاع ككل. كما عرج ضيفنا على بعض ما تعرض له من عذابات سنوات الجمر وهو الذي عانى ويلات التهجير وملاحقة «الأنتربول» له طيلة عقود وفي ما يلي نص الحوار.
ظل صوت «الإتحاد الوطني الحر» خافتا على مدى الفترة الماضية بالرغم من الأحداث الحارقة التي سجلتها تونس، الى ما يعود هذا الصمت بوصفك نائبا لرئيس الحزب؟
ليس خافتا بل هادئا.. نحن لا نحبذ الضجيج و نأينا بأنفسنا عن المجادلات العقيمة على البلاتوهات لكننا كنا و مانزال ندلي بمواقفنا إما على مستوى رئاسة الحزب مع سليم الرياحي أو على مستوى نيابة الرئيس أو على مستوى الأمانة العامة التي يضطلع بها بكفاءة المحامي ماهر بن ضياء.
المعلوم ان لديك علاقات وطيدة وواسعة بالمسؤولين القطريين، كيف تقبلوا زيارة رئيس الحكومة الأخيرة لبلادهم وما هي افاق العلاقات بين البلدين ؟
نعم علاقاتي بالإخوة القطريين وطيدة و قديمة فصاحب السمو الشيخ حمد هو الذي آواني أنا و أسرتي في الدوحة ومنحني الأمان وهو الوحيد من بين الحكام العرب الذي يجرؤ على نصرة رجل معارض ملاحق من الأنتربول. و قد سعيت جاهدا إلى إرساء علاقات تعاون بين البلدين من كل المواقع التي كنت فيها... و أنا أواصل هذا العمل خدمة لبلادي و أعتقد جازما أن صاحب السمو الشيخ تميم سيدفع التعاون التونسي القطري إلى أفاق أرحب و أشمل.
ظللت لأكثر من عشرين عاما حبيس الغربة، وعدت الى تونس فوجدتها تعج بالثوريين الجدد الذين عملوا مع نظام بن علي، ماهو موقف حزب «الإتحاد الوطني الحر» من مشروع قانون تحصين الثورة، أو لنقل مشروع اقصاء التجمعيين من الحياة السياسية ؟
نحن في الحزب عبّرنا عن موقفنا منذ أكثر من سنة حينما وقع تداول الجدل حول مشروع قانون ما سموه بتحصين الثورة و اكدنا أنه أولا مخالف لشرع الله تعالى الذي قال في كتابه المجيد (ولا تزر وازرة وزر أخرى) و قال (كل نفس بما كسبت رهينة)... ثم هو مخالف لنص الدستور الراهن الذي لا يقر بالعقاب الجماعي و لا يتطابق مع روح الثورة التي هي في نظرنا كما نصحنا نيلسون مانديلا بناء دولة الحق على هياكل دولة الإدارة المحايدة التي وجدناها. فكل من اعتدى ومن ظلم ومن اختلس و من عذب ومن قتل يحاسبه قضاء مستقل و عادل ...أما من خدم الإدارة والدولة ولم يقترف جنحة أو جناية فهو آمن و يحق له أن يكون مواطنا كامل الحقوق.
ثم لو نأخذ مثالا عن مسيرتي السياسية الشخصية و أستسمحك في ذكرها للإعتبار فقط لأنها ربما نموذجية تتشابه مع آلاف المصائر السياسية لأبناء جيلي في تونس. فأنا عملت مع حزب بورقيبة عندما لم تكن هناك أحزاب أخرى و حاولت مع رفاق دستوريين آخرين أن نصلح ما أمكن إصلاحه و أن نتحاور مع المعارضين و أن ننصف الإسلاميين و عندما دارت علينا دوائر الأعداء وأصحاب المصالح الذين تلاعبوا بالزعيم بورقيبة وهو في أرذل العمر نفينا واضطهدنا ولوحقنا من قبل الانتربول لمدة 15 سنة.
ولكني شخصيا آثرت أن أحتفظ بشعرة معاوية مع بن علي من باب النصيحة ولكني تكلمت عديد المرات في قناة «الجزيرة» ضد الطغيان وأصدرت كتابي الناقد جدا لبن علي سنة 2005 حين كان هو في عزّ قوته ...أي تكلمت في حضرة السلطان الجائر لا بعد رحيله يوم 14 جانفي2011 ... وفي ماي 2010 عرض عليّ سفارة تونس في قطر فلم أتردد في القبول لأني أدرك مدى خسارة بلادي من قطع العلاقات مع الدوحة فالعلاقات كانت مقطوعة بسبب تصريح للمرزوقي حول العصيان المدني ...والنتيجة أني عقدت اتفاقيات بين دولتنا ودولة قطر تمكن الآلاف من التونسيين من العمل في قطر. فحين عينت سفيرا كان عدد الجالية التونسية 8000 فحسب...اليوم تجاوز 15000 لا بفضل جهودي فقط بل وايضا بفضل حماس وكفاءة من أخذ المشعل وواصل المسيرة.
ويمكن لأي تونسي أن يحلل نتائج قبولي للسفارة بالمردود الملموس والعائد على وطني بالخير لا أن يقول إن القديدي بعد معارضة شرسة للدكتاتورية قبل السفارة فالسفير هو سفير دولته وشعبه لا سفير الرئيس مهما كان الرئيس! وقد بلغني أن المرزوقي وهو صديق قديم لي منذ 1988 حين كتب لي رسالة ما أزال أحتفظ بها يلومني من خلالها على قبول مسؤولية السفارة وهوالذي يعرف ويعترف أني كنت في التسعينات أستقبله في مطار الدوحة وكنت أستاذا جامعيا معارضا للطاغوت وأنظم له لقاءات في مجالس الشيوخ بالدوحة مع لقاءات في قناة «الجزيرة».... ونفس الأمر قمت به مع معارضين آخرين إسلاميين وعلمانيين من منطلق الكفاح المشترك ضد الإستبداد بلا خوف ولا حسابات. فهل يعتبرني أبناء وطني ممن اجتهدوا وكافحوا طيلة 23 سنة أم يصنفونني ظلما مع الفلول ؟ أرجو ألا تختلط على الناس المفاهيم وأن ينصفوا كل من قدم عملا صالحا لبلاده والله وحده يعلم مدى المظالم والمحاكمات الكيدية وتشتيت أولادي وبيع بيتي وتشريدي في أرض الله وأنا لم أطالب بأي تعويض كما طالب البعض وهو على حقّ ...
وانا ليس لي تقاعد في بلادي وأحمد الله على كل حال فقد كان سبحانه رحيما بي وعشت حتى تحققت بعض أحلام جيلي في أن نرى تونس حرة منيعة لكن كفاحنا الراهن هو من أجل استعادة هويتها السليبة وجذورها الأصيلة.
أما الشق الثاني من السؤال فيتعلق بعودة الوجوه التجمعية للساحة السياسية وجوابي هو مبدئيا إن كل من لم تطله العدالة بحكم نهائي مواطن حر له كل الحقوق وعليه كل الواجبات... إلا أني أشعر بضيق أخلاقيّ حينما أرى أحد أباطرة نظام بن علي كان وزيرا أول لمدة 11 سنة يترأس حزبا وهو الذي كان يشغل مناصب في «التجمع» وفي الحكومة وكان على علم بما كان المعارضون يعانونه من قتل وتعذيب وتشريد وتنكيل. هناك قرارات يجب على هؤلاء إتخاذها من تلقاء أنفسهم بمنطق المراجعة الذاتية للمواقف الأخلاقية واحتراما للجيل التونسي الجديد الذي يريد أن يطوي صفحة الماضي ويدشن عهدا جديدا من الحريات والحقوق والمواطنة.
إلا أنه يجب القول بأن قلة من وزراء بن علي كانوا وطنيين وخدموا الدولة لا منظومة الفساد وأنا أعرفهم من موقعي السابق كمعارض ملاحق من الأنتربول وأعرف مدى محاولاتهم إسداء النصيحة لبن علي بل ومساعدتنا بكل ما يستطيعون على عكس آخرين تفانوا في خدمة إرهاب الدولة والعصابات الناهبة سامحهم الله. ولذلك نحن نعتقد بأن القانون إذا التزم بروح الدستور فهو يمنع كل من أساء وأجرم من التمتع بحق المواطنة لأنه سبق أن حرم منه المواطنين دون وجه حق أما الوجوه الأخرى التي لم يحكم فيها القضاء فإن الغربال الحقيقي والعادل هو أصوات الناس حين يصوتون يوم الإقتراع.
كنت رفيق كفاح للغنوشي والمرزوقي وبن جعفر، اليس غريبا ان تكون لك صداقات مع مناضلين تفرق بينهم الإيديولوجيا الفكرية والعقائدية، ولا يجمع بينهم سوى الوطن ؟
بل إنه مصدر اعتزاز وفخر لي بأن أكون رفيق كفاح لهؤلاء دون أن أنتمي الى أحزابهم ودون أن أعتنق أيديولوجياتهم. فالذي جمعنا خلال سنوات المنفى الطويلة هوالنضال من أجل نفس القيم والمبادئ أي بلوغ عهد الحريات وكرامة الإنسان وقد حقق جيلنا هذه الأماني الوطنية وعلى الجيل القادم أن يؤدي الأمانة بترسيخ قيم الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية وألا يقع في فخ التشفي والإنتقام.
تحدثت سابقا عن البراغماتية العقلانية وكيف انها تقود الى الحوار ثم التوافق فالمصالحة هل ترى أن دول الربيع العربي نجحت في عبور هذه المراحل الثلاث ؟
حزبنا يرفع شعار البراغماتية والعقلانية إلى جانب شعوره بأن المعركة القادمة إقتصادية بالدرجة الأولى وهو حزب يتمسك بالهوية ويدعو إلى (أخلقة) الحياة السياسية وتغيير كثير من المفاهيم الخاطئة والنهوض بالإنسان قبل البنيان وإرجاع بلادنا إلى الدورة التاريخية بفضل مقدراتها العالية وكفاءاتها الناجعة. ومن هذا المنطلق دعونا إلى عقلنة الربيع العربي والقطع مع الديماغوجيا والشعارات وطرق أبواب الثورة الرقمية وتحقيق مجتمع المعرفة بالعلم وتجديد التربية على أساس مبتكر ونحن نأسف بالطبع لما وقعت فيه أغلب بلدان الربيع من أخطاء وما اصابها من انحرافات وهي ظاهرة تكاد تكون عادية حين تفقد الشعوب بوصلاتها الحضارية وتبحث عن خلاصها بطرق أخرى. فالوفاق الذي حققه رئيس حزبنا بين السيدين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي أتاح الفرصة لتونس لتخرج من منطق الشيطنة إلى منطق الحوار والإشتراك في تقرير مصير بلادنا بل إن الدينار ارتفعت قيمته بعد التدني ثم جاء الحوار الوطني مجسدا لإرادتنا السياسية وإرادة أغلب الطيف السياسي التونسي. إننا في «الإتحاد الوطني الحر» نعمل بصمت ونحقق إنجازات ميدانية ونحاور الجميع بلا إقصاء ونسعى لإقرار تقاليد سياسية أصيلة تنبع من تقاليدنا ومن تاريخنا من أجل التأسيس لدولة الحداثة الأصيلة لا دولة الحداثة الدخيلة.
عشت زمن الحزب الواحد والرئاسة مدى الحياة، واليوم أنت شاهد على نقلة نوعية كبرى في تونس، هل تعتقد انه بامكان تونس تشييد ديمقراطية لم نعهدها من قبل في ظل هذا الجدل والتمزق الحزبي واشتداد المطلبية وعدم رضا الطبقة السياسية بأي طرف ؟
الجدل والتمزق الحزبي واشتداد المطلبية والإقصاء وهي المعوقات التي ذكرتها أنت في سؤالك ليست هي الأسباب الأساسية لتعطيل النقلة الديمقراطية رغم أهميتها لأن الأسباب الكبرى أبعد من هذا وأعمق ولا تنسي أن البلاد مرت بزلازل مدمرة على مدى ستين سنة فمن مرحلة المقاومة التحريرية مباشرة إلى مرحلة زعامة بورقيبة وما فيها من إنتقام مجاني وجائر من العائلة الملكية مصحوبة بقمع منقطع النظير للتيار اليوسفي وأعقبت ذلك حرب بنزرت التي لم تكن ضرورية أو مفروضة ثم إحباط مؤامرة 62 وقبلها إغتيال الزعيم صالح بن يوسف وبعدها بدأت مغامرة التعاضد والجفاف المتواصل سبع سنوات عجاف وانتهت المغامرة بظلم رهيب للمناضل أحمد بن صالح وسجنه مع أصحابه ثم جاءت محنة محمد مزالي ورفاقه فتشردنا في أرض الله وآخر المهازل خرف بورقيبة وهو المريض الغائب عن الوعي عكس ما قاله عمر الشاذلي في كتاب إنتقامي غير موضوعي تلك المرحلة العصيبة التي انتهت بانقلاب 7 نوفمبر وهو حدث في مجرى التاريخ (تماما كالأحداث في مجرى الطرقات) وراءه رجل عسكري ذو دهاء وتمرس بالملفات المخابراتية وكان إنقلابه في الحقيقة ضد سلطة سعيدة ساسي وليس ضد بورقيبة لأن الزعيم إنتهى منذ 1980 وتولت حكم تونس إمرأة جاهلة محدودة المدارك ومشحونة بالأمراض النفسية غفر لها وللجميع. أردت بهذا السرد التاريخي أن أبين لك وللقراء الكرام مدى إتساع رقعة المهازل التي أصابت الشعب التونسي الصبور والتي لم تؤهلنا لحلول أخرى غير ثورة 17-14 التي كانت لحظة يأس وأمل إنفجر فيها الشباب التونسي دون قيادات ودون زعامات ليغير مجرى التاريخ بدءا من تحقيق الديمقراطية وإقرار الحريات وكرامة المواطن لكن الذي جرى بعد ذلك هو مع الأسف تغيير الطغاة المتجبرين بالعجزة المتخبطين وتعويض الإستبداد بالفوضى لكنها مرحلة ضرورية وطبيعية والحمد لله أن سلكناها نحن في تونس أفضل بأشواط من بلدان الربيع العربي ونحن نتوقع أن تكون الإنتخابات القادمة هي الحاسمة في إختيار الأصلح بعد تراكم الأخطاء فتنطلق بلادنا نحو غاياتها السامية.
راهنت في أواخر الثمانينات على نظام المرحوم محمد مزالي بالرغم من انك بورقيبي التكوين وعرفت المنفى والقهر من اجل قضيته، كيف بمقدورك الجمع بين صداقات أو علاقات باشخاص أو حتى برموز على طرفي نقيض؟
أنا حينما إنخرطت في الحزب الدستوري لم يكن متاحا سواه فحاولنا مع محمد مزالي تصحيح مسيرة الحزب ومبادئه الأصيلة وحاورنا الإسلاميين وسعينا للترخيص للأحزاب وأعدنا العلاقات مع العالم العربي الإسلامي وعرّبنا التعليم ولكن العمل الذي كان من واجب مزالي القيام به هو إكرام بورقيبة بإبعاده عن السلطة وقام به زين العابدين من بعد أن نفانا واضطهدنا. هذا الكلام قلته وكتبته في كتابي (ذكريات من السلطة إلى المنفى) سنة 2005 وقرأه مزالي ولم يعترض عليه فقد كنا مجموعة من الشباب حوله وأبرزهم د. رفعت الدالي زوج ابنته هدى ولكن مزالي كان يعتقد في أبوة بورقيبة له وهو خطأ في التقدير تحملنا وزره عشرين عاما من المنافي.
الوضع السياسي في تونس ما يزال يتسم بالتوتر بالرغم من الإستقرار النسبي الذي رافق تسلم حكومة مهدي جمعة السلطة وخروج حكومة «الترويكا»، هل انت دوما متفائل كعادتك أم أنك تشكك في قدرة التونسيين على تنظيم الإنتخابات قبل موفى العام الجاري وبالتالي على الخروج من عنق الزجاجة ؟
إنه قدرنا أن ننجح ولا مناص من الوفاق والتنازلات والتنسيق بين التيارات السياسية لبلوغ شاطئ النجاة حتى تكون بلادنا السباقة إلى الإنتصار كما كانت الأولى في الربيع العربي. أنا متفائل لأني أدرك أن التوانسة لديهم عبقرية الزمان والمكان كما سماها المؤرخ شارل أندري جوليان وهم قادرون على تحقيق المعجزات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.