بقلم: جيهان لغماري مَنْ قتل الشهداء مرتيْن وأكثر؟، ليس سؤالا واحدا بل «مُفْرَد في صيغة الجمع»!. نعم ماتوا جسدا أيام الثورة بالرصاص ثمّ تكرّر موتهم الرمزي طيلة المراحل الانتقالية التي أصبحت دائمة. هل كان لأصحاب المشهد السياسي الجديد الجرأة على قول الحقيقة كاملة دون حسابات سياسوية ولا خطابات شعبوية تميح أينما مالت ريح الرأي العام الشعبي؟. الشهداء لم يموتوا يوم النطق بالحكم بل قبله ودموع الوقت الضائع التي تذرفها الأحزاب لن تعيد حقهم المسلوب ولن تكفكف دموع زوجة ثكلى وأمّ مكلومة وطفل يتيم. ليست المسألة ضربا من تمثيل الدراما المؤثرة حتى يتفنّن سياسيونا في النحيب الكاذب الذي يذكّرنا بمهنة «النّدّابة» التي كانت موجودة سابقا في المجتمع التونسي، بكاء وعويل في المآتم بمقابل مادي. والمقابل عندهم اليوم هو حملة انتخابية رائقة وغير مكلّفة ببيانات تندد وتصريحات تتوعّد، نعم ما زال في الشهيد ما يُؤْكَل!. الذين أحالوا بقوانين ومراسيم القضية على القضاء العسكري هم أنفسهم اليوم يهرعون إلى المطالبة بإرجاعها للقضاء المدني، يضعون دستورا يمنع في بعض فصوله كل تدخل في سير القضاء ويمنع المحاكم الاستثنائية ثمّ يطالبون بخرقه للتأكيد على حرقتهم لموت الشهداء!. المعطى القانوني على أهميته، ليس هو المحدد الوحيد لمدى حصول الشهداء على حقوقهم من عدمه، بل المسار المؤدي إلى كشف الحقائق كاملة دون رتوش هو الحلقة المفقودة إلى اليوم. وحده هذا المسكوت عنه كفيل بمحاكمات شفافة وعادلة تضمن حقوق كل المتهمين في الدفاع عن أنفسهم وتقنع الرأي العام بأحكامها. ألم تبدأ المحاكمات بتغطية تلفزية جعلت الشارع يطمئن نفسيا على حقوق الشهداء ثم بسرعة تمّ التخلي عن بث وقائعها. هل نطق سياسي واحد وقتها؟. طيلة فترة المحاكمة، تأخرت القضية سياسيا وحتى إعلاميا عن الواجهة، فاكتظت مداخل المحكمة ومخارجها بالناس في قضايا صدور «فيمن» وسينما «برسيبوليس» وفرغت من قضايا الشهداء إلا من عائلاتهم. ماذا تريدون؟، أن يقع تحديد افتراضي للمتهمين لمجرّد رتبتهم الإدارية العليا زمن الثورة ثم إطلاق الأحكام الثقيلة لطيّ الملف؟. أهالي الشهداء والشارع عامة يريدون الحقيقة ولا شيء آخر!، أي ما الذي وقع بالضبط، المنفذ والمقرر لتكون المحاسبة عادلة. عندما كان الحُكْم مرميا على قارعة الطريق، لم يتقدّم أحد من جماعة «البكّائين» لطرق الحديد وهو ساخن قبل أن تبرد الحقائق وتختفي الأدلة، لم يدعُ أحد إلى محاكم مختصّة محددة بسقف زمنيّ قصير لكشف الحقائق ومحاسبة المذنبين وأيضا لتبرئة من يستحق دون تجنّ أو تشفّ للانصراف الجاد بعد ذلك إلى المصالحة ومنها إلى بناء تونس جديدة ممكنة لكل أبنائها. إنّ ما نسمعه اليوم من الأحزاب ليس إلاّ لإبراء الذمة من تهمة التخلّي عن حقوق الشهداء والذي يغالي في إبراز انتصاره لقضيتهم إنما في الحقيقة يؤكّد عكس ذلك والدليل مواقف عائلات الشهداء من السياسيين، ومن المضحكات المبكيات أنّ الذين يتأففون من الوقفة الأسبوعية كل أربعاء لكشف الحقيقة كاملة في اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي، هم أنفسهم وبعد ثلاث سنوات وأكثر مَن تذكّروا أن يطالبوا بحقيقة قتل شهداء الثورة !: مصائب أهالي الشهداء عند قوم.. فوائدُ.