الحلّ في العودة إلى القضاء العدلي حاورته: ليلى بن ابراهيم اكّد الأستاذ عمر الصفراوي منسق هيئة الدفاع عن أهالي شهداء الثورة وجرحاها أنّ أدلة الادانة توفرت لدى محكمة الإستئناف العسكرية وأنها مع ذلك أصدرت «أحكاما مهزلة» في تضارب تامّ بين ما قامت به من أعمال وبين النتائج التّي توصّلت إليها. وحذّر الصفراوي في هذا الحوار مع «التونسيّة» من الحلول المتسرّعة على غرار إحداث دوائر متخصصة لقضايا شهداء وجرحى الثورة نظرا لتعارض هذا الاتجاه مع أحكام الدستور ومع ما هو متداول على المُستوى الدّولي مؤكّدا تبنّيه جملة وتفصيلا بيان جمعية القضاة التونسيين لكنّه عبّر عن احترازه حول فكرة التسريع بتركيز منظومة العدالة الانتقالية. الأستاذ عمر الصفراوي رحّب كذلك بالمزايدات السياسية في ملف قضية شهداء وجرحى الثورة موضّحا أنّ توظيف هذا الملف لأغراض سياسية أو انتخابية مرحّب به إذا كان في إتّجاه إعلاء كلمة الحق. بداية، ألا تعتبرون أن تدخّل المجلس الوطني التأسيسي وبحثه إحداث دوائر قضائية تُعنى بقضية الشهداء والجرحى جاء متأخّرا لحفظ ماء الوجه؟ أعتبر كلّ تدخّل وكلّ سعي في إتّجاه إنصاف أهالي شهداء الثورة وجرحاها عملا محمودا يجب إسناده. وقد عبّرت عن ذلك أثناء الندوة الصحفية ذلك أنّ اللحظة التّي تمرّ بها البلاد هي لحظة حساسة إن لم نقل مفصلية لتحقيق أهداف الثورة وإستحقاقاتها وهي تقتضي أن تكون جهود الجميع موجهة نحو التصدّي للإنعكاسات الخطيرة للأحكام الصّادرة عن محكمة الإستئناف العسكرية. وهو ما يتطلّب نكران الذات والإبتعاد عن التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة. وفي نفس الوقت فإنّي أُحذّر من الحلول المتسرّعة على غرار إحداث دوائر متخصصة لقضايا شهداء وجرحى الثورة لتعارض هذا الإتّجاه مع أحكام الدستور ومع ما هو متداول على المُستوى الدّولي. لأنّ مثل هذه الهيئات القضائية هي هيئات إستثنائية يُمكن أن تنزلق نحو الإنتقام والتشفي. جمعية القُضاة التونسيين نبّهت في بيان لها من مغبّة إحداث محاكم إستثنائية مُعتبرة أنّ هذا القرار شعبوي وغير دستوري. ما هو تعليقكم على ذلك؟ أتبنّى جملة وتفصيلا بيان جمعية القضاة التونسيين مع إحتراز حول فكرة التسريع بتركيز منظومة العدالة الإنتقالية على إعتبار أنّ قانون العدالة الإنتقالية هو مكسب وطني إذ إحتوى على المحاور الأساسية للعدالة الإنتقالية المتمثّلة في كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر ضرر الضحايا وردّ الإعتبار لهم وإصلاح أجهزة الدولة الفاسدة للوصول إلى المصالحة، لكنّه تضمّن في نفس الوقت عدّة إخلالات ونقائص يُمكن أن تُعطّل عمل هيئة الحقيقة والكرامة وتُؤدّي إلى فشل التجربة التونسية إذا لم يقع تعديل هذا القانون وتلافي ما شابه من نقائص. كيف تقرؤون التدخّل الحالي للرئيس المنصف المرزوقي في القضية وهو الذّي تعهّد سابقا بإنصاف عائلات الشهداء والجرحى لدى زيارته منزل الشهيد أحمد الورغي وتنكّر لهم على حدّ قول والدة الشهيد فاطمة الورغي؟ مثلما أسلفت الذكر، فإنّ إجماع أغلب الأطراف السياسية ومكوّنات المُجتمع المدني على الوضعية الكارثية الناتجة عن أحكام القضاء العسكري في الطور الإستئنافي المتعلقة بملفات شهداء وجرحى الثورة تحتّم على الجميع وخاصّة على الرؤساء الثلاثة التنسيق في ما بينهم لإيجاد الحلول الكفيلة بإنقاذ السفينة من الغرق وتجنيب البلاد مخاطر الدخول مرّة أُخرى في موجة من الإضطرابات والفوضى. بحيث أنّ المرحلة تقتضي التغاضي عن الأخطاء المرتكبة في السابق وتوحيد كافّة الجهود للعمل على بناء دولة القانون والمؤسسات والمسألة لم تعُد في إعتقادي تهُمّ ملفات شهداء وجرحى الثورة وإنّما تعدّتها إلى ما هو أخطر من ذلك وتحديدا إلى عجز مؤسسات الدولة عن تفكيك منظومة الفساد والإستبداد والتصدّي إلى ما قام به رموز النظام السابق من إنتهاكات فظيعة للحريات ولحقوق الإنسان. وبطبيعة الحال فإنّ هذه المعالجة السيّئة لمحاسبة المتورّطين مع النظام السابق جعلهم يعودون إلى الساحة السياسية بخطاب عنتري وإستفزازي. وعليه فإنّ تدخّل رئيس الجمهورية لا يجب أن يكون مجرّد قراءة للأحداث وتحليلا لخطورتها بل من الضروري أن تصدر عنه قرارات جدّية وحاسمة تضع حدّا للدوس على القانون من أية جهة مهما كان نفوذها ومهما كان موقعها. بصفتكم رجل قانون هل يجوز التعليق على حكم قضائي دون النظر في الحيثيات والتعليل؟ التعليق على حكم قضائي دون النظر في الحيثيات والتعليل لا يجوز إطلاقا عند إعداد وتحرير مستندات التعقيب. غير أنّه في قضايا ملف شهداء وجرحى الثورة لا لزوم للتخصّص في القانون وفي الحقوق، بل حتّى الأمّي يُمكنه إستنتاج أنّ الأحكام الصّادرة عن محكمة الإستئناف العسكرية هي أحكام بعيدة كلّ البعد عن القانون مثلما هي بعيدة عن إستحقاقات الثورة وأهدافها. ولهذا الغرض طلبنا تكوين لجنة تحقيق تتولّى البحث عن أسباب صدور الأحكام بمثل هذه الرداءة وتحديد مسؤولية هيئة المحكمة ومدير القضاء العسكري والأطراف التّي يُمكن أن تكون قد ضغطت على المحكمة لإصدار الأحكام بهذه الكيفية وما هي مصلحتها. إذن بماذا تُفسّرون الكمّ الهائل من البلاغات والتصريحات؟ ألا تعتبرون ذلك من باب المزايدات السياسية لا غير؟ جميع الأطراف التّي إستنكرت هذه الأحكام وعبّرت عن ضرورة إنصاف ضحايا الثورة مشكورة على مواقفها. فالمزايدات السياسية وتوظيف ملفات شهداء وجرحى الثورة لأغراض سياسية أو إنتخابية مرحّب بها إذا كانت في إتّجاه إعلاء كلمة الحق. ما هو ردّكم على إتّهام بعض محاميي القائمين بالحقّ الشخصي بالمُزايدة والمُتاجرة بقضية شهداء وجرحى الثورة ؟ لا أُريد أن أدخل في سجال عقيم مع أي طرف يوجّه مثل هذه الإتّهامات لهيئة الدفاع عن القائمين بالحقّ الشخصي لا تهرّبا من التصادم معهم ولكن إعتقادا منّي أنّ هذا الملف لا يتحمّل مثل هذه المهاترات. فقط أُريد أن أذكر أنّه سبق لنا تثمين وقوف البعض من زملائنا معنا ومُساندتهم لنا عندما قرّرنا الإنسحاب وعدم الترافع أمام الهيئة التّي أصدرت الأحكام المهزلة ويُؤسفني أنّ البعض منهم تراجعوا عن موقفهم المشرّف وإنزلقوا نحو توصيفنا بنعوت لا تحترم واجب الزمالة وأخلاقيات المهنة. ما هو تعليقكم على القول بأنّ ملف القضية «فارغ» ويفتقر إلى ركن الإسناد والحال أنّكم إستظهرتم في ندوتكم الصحفية الأخيرة بوثائق تُفيد عكس ذلك ؟ من الطبيعي جدّا بعد صدور الأحكام المهزلة أن يفنّد المتهمون الحجج الثابتة التّي تُؤكّد تورّطهم في ارتكاب الجرائم البشعة المنسوبة إليهم والتّي عرضنا عيّنات منها خلال الندوة الصحفية . لكن ما يدعو للإستغراب أنّ المحكمة في الطور الإستئنافي قامت بمجهودات كبيرة في إتّجاه الكشف عن الحقيقة من خلال الأعمال العديدة التّي قامت بها والمتمثلة في إجراء الأبحاث والتحقيقات وسماع الشهود وإجراء المكافحات. لكن بعد أن توفّرت لديها أدلّة الإدانة أصدرت الأحكام المهزلة في تضارب تامّ بين ما قامت به من أعمال وبين النتائج التّي توصّلت إليها. ختاما ما هي الحلول المقترحة من قبلكم لمعالجة القضية؟ بالنسبة لي الحل ليس في اتخاذ حلول متسرّعة بل يجب إيجاد حلول تمكّن من التصدّي للآثار الكارثية للحكم دون خرق القانون والدستور وحقوق الإنسان وهذا ما أكّدته لرئيس الجمهورية في لقائي به الخميس الماضي حيث فسرت له أنّ هذه الحقوق لها درجات أهمّها الحق في الحياة لكن هؤلاء اغتالوا الحق في الحياة ويتوجّب التصدي لهم بالوقوف لامكانية رجوعهم والقيام بنفس المسار كما دعوت إلى إمكانية تحجير السفر على المتهمين والموقوفين للتصدي لمسألة الإفلات من العقوبة. و في ما يخصّ سحب الملفات من القضاء العسكري إلى المدني لا يجب إتباع الطريقة التي دعا إليها التأسيسي بل نحن نجمع على حصر إختصاص المحكمة في الشأن العسكري وتحويل جميع القضايا التي تخصّ المدنيين إلى القضاء المدني الضامن للحريات . و هنا أقول أنّ الحل يكمن في مقولة «الحيلة في ترك الحيل» وأنه لا بدّ من عودة ملف الشهداء والجرحى إلى القضاء العدلي بعد أن تحسم فيها محكمة التعقيب مع الحفاظ على نفس الدرجة التي كانت عليها الملفات في الطور العسكري اي ما كان في الطور التحقيقي العسكري يعود إلى الطور التحقيقي المدني وما كان أمام الدائرة الجنائية العسكرية يعود للدائرة الجنائية المدنية.