رغم ضيق الوقت الفاصل بين صعود روح الفقيد الى خالقها وتشييعه الى مثواه الأخير، فإن الحضور المكثف في موكب جنازة المرحوم الطاهر الشايبي لفت انتباه الجميع وأكد الأحكام القائلة بأن «الطاهر Boy» محبوب ومعبود الجماهير والزملاء والمنافسين. في تونس، وفي العالم عموما وبسبب هموم العصر فإن الواحد منا ينسى أحيانا «عشاه البارح» ولكنه لم ينس الطاهر، رغم أنه ودّع الميادين منذ أربعين سنة... ألا يكفي هذا كبرهان على قيمة الرجل الفنية والأخلاقية... فلما نرى أبناء الترجي والنجم والصفاقسي والمرسى والبنزرتي والملعب التونسي والأولمبي للنقل ومكارم المهدية ونادي حمام الأنف والأولمبي الباجي لا نستغرب من معدن الرجال والقيم الرياضية التي كانت سائدة في حقبة الستينات والسبعينيات... ومع ذلك فقد حصل نشاز استغرب له الكثيرون أثناء التشييع: غيابات مبرّرة وأخرى أثارت التساؤل إن ما أثار بعض الاستغراب هو غياب لاعبي اليوم ولاعبي جيل الألفية وحتى التسعينات (لم أر إلا خالد السعيدي) وقد برر المنذر كبير الحاضر في المقبرة بأن أبناءه في تربص مغلق وكانوا قاموا بالواجب أثناء حصة التمارين الصباحية. ولكن ماذا يقول جيل الرويسيات والسليميات وغيرهم لقد لاحظنا وجود أغلب لاعبي جيل الشايبي وقد اشتعلت رؤوسهم شيبا... قد يكون للبعض عذرهم (مرض، سفر، عمل بالخارج) أما أن يغيب لاعبو التسعينات والألفية الحالية فهو محيّر حقا، صحيح أنه وكما أسلفنا يعدّ الوقت ضيقا خاصة بالنسبة للمتواجدين بالخارج: عتوقة طارق معلول سمير السليمي حسام الحاج علي حمدي المدب العائد لتوه من مناسك العمرة وهو صديق المرحوم وقد وعد بالقيام بالواجب في موكب الفرق. أما سليم الرياحي ورغم حرصه على القدوم من لندن فإن مخطط الطيران لم يسمح بالعودة الا في ساعة متأخرة. هذه هوامش عابرة ولكن وجب المرور عليها وقد نكون سهونا عن حضور البعض وحشرناهم في زمرة الغائبين نظرا لوفرة عدد المودّعين، فعفوا منكم ان كنت من المخطئين... بعد أن قدمنا في عدد الأمس لمحة عن مناقب الرجل من رؤيتنا الخاصة، نفسح المجال اليوم لرفاقه وأحبابه وزملائه ليرسموا انطباعاتهم حول سيرة الفقيد العزيز: محسن حباشة (النجم الرياضي الساحلي) كان رفيق درب وأخا وحبيبا جمع كل الخصال، لقد حرمه الزمن والحظ والمرض وأشياء أخرى من الاحتراف في ايطالياوفرنسا رحم الله أخي الطاهر. علي رتيمة: بكى واكتفى بالقول: إنا لله وانا اليه راجعون. توفيق القليبي (النادي الافريقي) خسارة كبيرة وتلك مشيئة الله. الطاهر حمودية (النادي الافريقي) كان من اللاعبين الكبار بل أكبرهم ولو كان من هذا الجيل لصال وجال في الملاعب الأوروبية. محيي الدين هبيطة (الأولمبي للنقل): كان امبراطورا من أباطرة كرة القدم العالمية ولايفوقه De Stephano و Juste Fontaine و Euzebio الا بعدد سنوات اللعب، فالطاهر غادر الميادين في سن 26. فريد العروسي (الترجي الرياضي): خسرنا الطاهر لقد أعطى للكرة ولم تعطه شيئا يذكر. حمدة الطويري (النادي الافريقي) كان أسطورة من أساطير الكرة، كان قدوة للكثيرين، تعلمنا عنه عديد الأشياء الايجابية حب الانتصار، التضحية، الانضباط والعطاء دون حساب. عبد الرحمان الرحموني (النادي الافريقي): مهما تحدثت عنه، فلا يمكن أن أستحضر انجازاته (وأجهش بالبكاء). مختار النايلي: عاجز عن التعبير (ثم أجهش بالبكاء) وهنا نلاحظ أن أغلب أبناء جيل الراحل غلبتهم العبرات فعجزوا عن الكلام. عبد المجيد القوبنطيني (الترجي الرياضي): هو نجمي المفضل، قالها بالفرنسية (Tahar était mon idole) لقد أعطى في فترة وجيزة، ما لم يعطه غيره في عشرات السنين، لعبت ضده في بداياتي فاكتشفت فيه كل الخصال... عبد الكريم بوشوشة (الترجي الرياضي) مثل عبد المجيد، لعبت لفترة قصيرة في جيله وشرف لكل لاعب عاصره. لقد جاءته عروض من الخارج ومن فرنسا تحديدا كان لاعبا متكاملا. ويعد أفضل ما أنجبت كرة القدم التونسية أقول في كلمة : في تونس الطاهر والبقية... بلحسن مرياح (الترجي الرياضي): الخصال التي يملكها تتحدث عنه لا يمكن أن أضيف شيئا وأتساءل: لماذا لم يحضر لاعبو الجيل الحالي؟ مراد محجوب (مدرب وطني سابق) لست مؤهلا لتقييم الطاهر، فهو من الفلتات وأنا مولود في نفس العام الذي ولد فيه المرحوم أعرفه جيدا. ورغم أنه غادر الميادين منذ 40 سنة فهو مايزال محفورا في ذاكرتنا. علي الكعبي (الأولمبي للنقل): عايشته في 4 سنوات الأخيرة من مسيرته، لما يمر أمامك بالكرة فكأنه البرق... وإن أنسى لا أنسى ما قاله لنا الشتالي في الأرجنتين: «يا لولاد، تعرفو أشكون ناقصنا؟ قلنا له بصوت واحد: من ؟ قال الشايبي... لعنة الله على المرض...». جمال الدين ليمام : كنت أحلم أن أكون مثله، ولكنه يفوقني على عدة مستويات، رحمه الله... الهادي البياري: تدربت معه أسبوعين عندما صعدت لقسم الأكابر لما يمر أمامك تحس وكأن الريح تهب حولك له كل المواصفات: الفنيات، اللياقة البدنية، السرعة، التسديد، اللمسات الحاسمة وهو القادر على حسم نتيجة مباراة بمفرده. سليم الجديدي (حكم دولي) لقد ذكر لي أبي رحمه الله خصاله باختصار مفيد: لو لم يكن الطاهر الشايبي لما كنت هدافا في المنتخب والافريقي فهو يمرر ويوزع وحتى اذا كان قريبا من المرمى فهو ليس بأناني يمرر لصاحب الموقع الأفضل. إنه لاعب بكل المواصفات... عبد المجيد بن مراد(الترجي الرياضي): هر رفيق دربي وهو قدوتي، وان اشتهرت بالمراوغات، فإنه اشتهر بكل المواصفات رحمه الله قالها بشديد التأثر... خالد السعيدي (الحاضر الوحيد من جيل التسعينات) لم ألعب معه، ولكن كل ما سمعته أنه كان فلتة من فلتات كرة القدم التونسية (قالها متأثرا). عبد السلام شمام (مستقبل المرسى): كنا نلقب «Chats 3 Les» نسبة الى أسمائنا: «CHAKROUN - CHAMMAM - CHAIBI» لكنه القط الأقوى والأذكى والأبرع رحمة الله عليه . ولأهل التسيير والسياسة رأي: لاقينا في رحاب المقبرة كذلك العديد من رؤساء الافريقي وبعض الأندية الأخرى ورجال السياسة فكانت انطباعاتهم متطابقة مع آراء الفنيين: حمة الهمامي (حزب العمال): كنا نعشق الشايبي كان لاعبا كبيرا بكل المقاييس لقد أمتع جيلنا بكل أنواع الكرة أطالب الدولة التونسية أن تولي عناية للرياضيين والفنانين والمبدعين في حياتهم وليس بعد فوات الأوان. حمودة بن عمار: إنه رمز من رموز الافريقي كنا نتدرب معا في ملعب تونس البحرية كل في اختصاصه في رأيي هو أكبر لاعب عرفته تونس. منير البلطي (نائب رئيس سابق): كان قدوة للجميع (لم يستطع مواصلة الكلام) كمال إيدير (رئيس سابق) أسطورة لم يخلق لها مثيل في الافريقي. رافع بن عاشور (نائب رئيس سابق وقيادي في «نداء تونس») يكفي أنه أعاد مجد الافريقي منذ سنة 1965 لاعب سابق لعصره. أنور الحداد: لاعب بكل المواصفات، أعتقد أن حفظ ذاكرته واجب على كل المعنيين (التلفزة الوطنية، النادي الافريقي، الجامعة....) سعيد الخزامي (التلفزة الوطنية) بفضل الشايبي سيطر الافريقي على كرة القدم في المغرب العربي الكبير . جمال العتروس: (رئيس سابق) بالاشارة والدموع كان يعبّر عن عديد الأشياء (شفاه الله). ماهر السنوسي (نائب رئيس الجامعة): الطاهر الشايبي لو كان هناك أرشيف لدُرست ابداعاته في مدارس الرياضة ومراكز التكوين وأملي أن تتضافر الجهود لجمع أكثر ما يمكن عن سيرته الحافلة رغم قصرها. المنذر الكبير: (المدرب الحالي للافريقي) ونحن نغادر مقبرة الجلاز صادف أن اعترضني منذر كبير فبادرني دون أن أسأل قائلا: «إنه أسطورة من أساطير كرة القدم التونسية، وإن غاب أبنائي فإن واجب العمل حتم ذلك... وفي الحصة الصباحية اجتمعت بهم قبل التمارين وحدثتهم عن مناقب الفقيد، وذكرتهم بانجازاته وعن سر بقائه في ذاكرة الجماهير باختلاف ألوانها وإن أردتم أن تكونوا كذلك فعليكم بالعمل والعمل فقط. لم يحضر حمدي المدب لأنه عائد في اليوم ذاته من البقاع المقدسة حمة الهمامي كان يتابع المراسم تحت حراسة مشددة... (هاي السياسة وين وصلتنا). حملني مواطن جاء من حامة قابس وطلب مني ابلاغ صوت الجهة في أن يحظى الفقيد بوضع اسمه على ملعب الحامة لأن الحامة هي مسقط رأس المرحوم... أخلاق عالية وتواضع أبداه ابن الفقيد (أنيس الشايبي) وذاك الشبل من ذاك الأسد.