بقلم: محمد حمزة (ناشط حقوقي ومدني) «بعد 23 أكتوبر منح الشعب صوته لفائدة القوى التي اعتبرها في سياق الثورة وتتجه به نحو تحقيق أهدافها ومن ضمنها محاسبة الأزلام لما ألحقوه من ضرر بالعباد والبلاد فكانت العدالة الانتقالية أحد العناوين الأبرز للحملات الانتخابية التي تراوحت وعودها بين تحقيق التنمية والرفاه وبناء دولة الحريات والقضاء على إمكانية الارتداد للدكتاتورية عبر تفعيل جميع آليات العدالة الانتقالية. كانت الفرصة مواتية من اجل تحقيق قدر كبير من النجاح في هذا الاتّجاه ولكن التردد وتغلغل بعض رموز النظام السابق داخل دوائر قرار الأحزاب الحاكمة حالت دون انجاز الوعود أو حتى الانطلاق في انجازها واسترجعت قوى النظام السابق أنفاسها واتحدت من أجل إسقاط «النهضة» ساعدها في ذلك الزخم النفسي الذي حصّلته بنجاح الانقلاب في مصر ولكن اكتشف الجميع ان ميزان القوى في تونس أصبح لا يسمح لأيّ طرف بتحقيق نصر بائن على خصومه وانطلقت حسابات الربح والخسارة. وبتقدم الأحداث في مصر بشكل دراماتيكي ايقن المجتمع الدولي ان الانقلاب في مصر غير قابل للاستمرار طويلا للسيطرة على الوضع بالبلاد مما يفتح الباب في بلادهم على احتمالات غير محسوبة الشيء الذي جعل الغرب يضغط في اتجاه تجنيب تونس نفس المسار المصري وذلك بالدفع نحو تحالف حاكم بين «النداء» و«النهضة» تكون فيه للدولة العميقة المتحالفة تاريخيا مع الغرب اليد الطولى خيار وجد فيه الشيخ حلا مقبولا وهو يمنّي النفس ان تقدّم الانتخابات نتائج تعدّل من هذا الخيار في اتجاه تحالف تكون «النهضة» فيه في وضع افضل من «النداء» بل ولعله يحبّذ ان يكون التحالف مع مرجان وجغام والقروي وغيرهم من الدساترة كبديل ل «النداء» وفي خُلده انهم اقرب للقبول بدور ثانوي في التحالف المحتمل معهم. وسط كل هذا أصبح قانون العزل السياسي خارج حسابات «النهضة» منذ التوقيع على تفاهمات الحوار الوطني وكلّما تقدّمت «النهضة» في انجاز استحقاقات هذا الاتفاق كلما ضيّقت من فرص الارتداد الى خيارات أخرى لتجد نفسها مُجبرة على الاستمرار في ما اختارته بإرادة بالأمس وتواصله مُرغمة اليوم. اليوم ما هو متاح للتونسيين لتجنّب أن يقادوا دون إرادة منهم لتوافقات مشبوهة تسمح لبقايا النظام بالعودة لمقاعدهم وحتى عاداتهم من فساد وإفساد هو الضغط المتواصل عبر منظمات المجتمع المدني والتحركات الميدانية لتفعيل العدالة الانتقالية والبدء الفوري في كشف أرشيف البوليس السياسي وتناول ملفات الفساد المالي بجدية اكبر مما سيعيد أزلام النظام إلى مربع الدفاع عن النفس ويحدّ من إمكانيات تأثيرهم في الانتخابات القادمة».