عميد المحامين يدعو إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    المدرسة الابتدائية سيدي احمد زروق: الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي.    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    أقسام ومعدّات حديثة بمستشفى القصرين    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الفيفا يهنئ الترجي ع بمناسبة تاهله لمونديال الاندية 2025    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفارقات زمن الثورة المشهد الخامس ثورة تونس..هل هي صناعة غربية؟ - الهادي حامد
نشر في الفجر نيوز يوم 16 - 01 - 2012

ثمة زخم كبير من الكتابات تشكك في اصالة الثورة العربية من بدئها الى منتهاها الحالي. وترتكز على التعاطي الغربي معها ومع قواها والطبقة السياسية الجديدة التي هي بصدد فرزها كطبقة مرشحة للحكم. لنتفق على امر هام : ان الغرب قد لايكون هو من خطط للحراك الذي تعيش على امله او المه الامة ، لكن يمكن ان يلحق به فيسابقه ويجاوزه فيحدد منعرجاته واتجاهاته. هنا علينا ان ناتي بالدليل عن كل امكان قراءة نختار. وان نتفحص مجريات الاحداث ونقبض على تمفصلاتها وتحولاتها الكيفية والنوعية لاجل ان ننتهي الى تحليل يلائم الواقع وليس بالضرورة ان يلائم قناعاتنا الايديولوجية. الامر الثاني الذي نتفق عليه بلاشك : هو ان الغرب لايفرط في مصالحه الاستراتيجية ولا يغامر بها كما لايتقاعس في تأمينها. يعني اما ان يكون مخططا حقا واما ان يكون مثابرا لاجل الامساك بالمقود. والامر الثالث الذي نتفق عليه هو : للغرب الحق في ان يفعل مايشاء طالما انه لاوجود لقوة تردعه ولا لارادة تقف له بالمرصاد. وهذه مع الاسف صارت قاعدة في القانون الدولي في ظل غياب تام ودراماتيكي للعدالة الدولية.
مرة اخرى اطرح موقفي المتعلق بثورة شعب تونس وانا هنا لست قارئا للأحداث بل كناشط فيها وفي مدينة سيدي بوزيد التي شهدت حادثة العربة. ثورتنا شعبية واصيلة وبريئة من كل التهم ومن جميع التحليلات الوثائقية المجردة وغير المنصفة وانا هنا لاادافع عنها بصفتي ابن هذا البلد، فهذا الاعتبار عند المثقف لامحل له ، بل بصفتي اقرر مااراه حقيقيا وموضوعيا بالفعل. ثورتنا اندلعت من سيدي بوزيد وساهم في اندلاعها من الناحية الميدانية طرفان لاثالث لهما: نقابة التعليم الثانوي (اداء نهاري متنوع) وشباب الاحياء السكنية (اداء ليلي استنزف العدو). النقابيون التقطوا القدحة من جسد البوعزيزي وحولوها فوريا وميدانيا الى ملف صدامي مع السلطة واستقطابي للاهالي في الجهة والخارج. كنا في كل مناسبة محلية اووطنية او قومية نبرمج مظاهرة في الشارع وفي كل مرة – لسنوات طويلة وخصوصا في السنوات العشر الاخيرة- نضطر الى الوقوع في تدافع مع قوات الامن عند مدخل الاتحاد الجهوي للشغل وبعد ان يغلقوا بسياراتهم وفرقهم المتنوعة الشارع من الجهتين دون ان يساندنا احد من عموم المواطنين. في كثير من الحالات نعود الى بهو مبنى الاتحاد وننهي فعالياتنا هناك. خلال المرات التي ننجح بتمويهاتنا في الخروج الى الشارع ترى الناس تنظر الينا وكاننا مجانين او متهورين ، وترى رواد المقاهي يرتشفون كؤوسهم كانهم يشاهدون فيلما حجم الاثارة فيه متوسط وينتظرون نهايته المعتادة او المنتظرة. علما وان جهة سيدي بوزيد من اكثر الجيهات التي تجذر فيها الفقر والحرمان والتهميش والتخلف..وتجذر فيها الحزب الحاكم بقواعد لادور لها الا الوشاية والتصفيق والتآمر على ابناء جهتهم دون ان يكون للواشين او المصفقين او المتآمرين اي عائد لقاء ماطلب منهم اداؤه لاماديا ولا معنويا وهم مع اخوانهم في الذل والمهانة سواء(حزب ليلى بن علي الطرابلسي كان رؤوس مافيوزية تدير اعمال وصفقات وقواعد تصفق وتمجد وتشي). النضال النقابي بالجهة احدث حالة من التراكم في درجة الاحتقان السري، وسبقا في القيمة الاعتبارية لنقابة الاساتذة على حساب الادارة الحزبية ولم تكن ثمة في الجهة قوة مناضلة اذا استثنيناها. اما عن الدور في الايام الموالية ل17ديسمبر2010 فهو: تحركات شعبية يقوم الاساتذة بتاطيرها + تنسيق نقابي بين الجيهات +نشاط مكثف جدا على الموقع الاجتماعي الفيسبوك واتصال نقابي بالقنوات الاعلامية العربية والاجنبية حقق سبقا اعلاميا على النظام وجرد اجهزته الاعلامية من المصداقية. وهذا يعني انه لم يكن بالامكان ترسيخ الحالة الاحتجاجية ولا تصديرها الى الجيهات الاخرى ولا محاصرة النظام اعلاميا دون فعالية النقابة الجهوية للتعليم الثانوي والدربة التي اكتسبتها في ادارة المعارك جهويا مع مؤسسات النظام واعوانه في الجهة.وللامانة التاريخية اقول، وهذا لاول مرة اصرح به ، ان البعثيين في جهة سيدي بوزيد كان لهم دورا عظيما في ذلك بحكم تمرسهم بالعمل النقابي وبتكتيكات الصراعات ذات البعد السياسي. اضيف ، وللامانة ايضا ، ان دور المناضل النقابي السيد علي الزارعي(كاتب عام نقابة الثانوي) رجح الكفة على مستوى الجهة لصالح الحالة الاحتجاجية والثورة في الوقت الذي حوله بعض الافراد السياسيين الى محور نضالي بحيث صار لاهم لهم الا اقصائه عن النقابة لحسابات ايديولوجية بالية لم تعد المرحلة تقتضي استحضارها عند الحساب.وهي حسابات كانت تصب في صالح النظام شاؤا ام ابوا. ولقد لعبت نقابة الاساتذة دورا ايضا في اطلاق سراح المعتقلين وفي الرفع من معنويات عوائل الشهداء في الحين وزيارة المحاصرين والمنكوبين (منزل بوزيان). كما ان مكون آخر من مكونات العائلة القومية وهم الناصريون نشطوا خلال الثورة نشاطا خاليا من الحساب وتعقيداته ، من مساء حادثة العربة الى يوم 14جانفي . وظلوا كغيرهم من القوميين يدفعون بالحراك الشعبي نحو التخلص من رموز الجنرال في فترة الحكم الانتقالي الاولى.
اما عن دور شباب الاحياء السكنية فقد تمثل في الاشتباك الليلي بحيث قسموا انفسهم في كل حي الى فريقين : فريق يشتبك في النصف الاول من الليل ثم يخلد عناصره الى النوم وفريق يستانف عنهم الاشتباك في النصف الثاني من الليل بعد ان يكون عناصره قد نالوا نصيبا وافرا من الراحة. ولم تستطع مختلف الفرق الامنية تحقيق ولو نصرا واحدا رغم تسلحهم بالدراجات النارية التي يسهل سيرها في الازقة الضيقة والملتوية لان الشباب كانوا ينصبون لهم حبائل ويقعون بهم تحت زغاريد النسوة وتصفيق الصغار فضلا عن رميهم بالحجارة وبالقطع الخشبية الكبيرة من على السطوح. وتنتهي المواجهات مع انبلاج الصبح لتكشف الشوارع والازقة عن سوادها ويحمل هواء المدينة عطر الادخنة والاطارات المطاطية المحروقة. في النهار يستأنف النقابيون والناشطون السياسيون والاهالي حراكهم الاحتجاجي. بهذا تكامل اداء النقابيين وشباب الاحياء في اطالة امد الحالة الاحتجاجية وبالتالي انتقالها الى جيهات اخرى وفي ارباك النظام واجباره على ارتكاب اخطاء كانت تاتي بها خطب راسه الهش واداء اجهزته. من سيدي بوزيد المدينة الى قراها المحيطة الى القصرين وتالة الى صفاقس الى الاحياء الشعبية بالعاصمة ثم صارت مدن القطر وقراه كلها تهتف بصوت واحد ضد نظام بن علي واعوانه ومافيوزاته.
اريد ان اقول هنا : لاوجود لتاثير امريكي او غربي مباشر ولا غير مباشر في المسار الاحتجاجي، ولا احد كان سيقبل به ان ظهرت مؤشرات تدل عليه. بل بالعكس، ماكانت امريكا سعيدة بسقوط النظام ولا فرنسا ايضا او اية جهة غربية. قطر نفسها التي تتزعم موزتها اليوم "ثوار" المرحلة لم تصرح بموقف الا بعد رحيل بن علي وذلك بانها تتمنى للشعب التونسي الامن والسلام.واذا راجعنا اداء قناة الجزيرة نجدها قد فسحت المجال لاعوان بن علي قدر مافسحته للنقابيين والسياسيين المعارضين او ربما اكثر. يكفي ان نتذكر انها ليلة 13جانفي 2011 اجرت اتصالا مع سمير العبيدي وزير اعلام بن علي انذاك ليقول : ان بن علي انقذ تونس سنة 1987 وهاهو ينقذها اليوم...شاهدوا الشوارع التونسية عبر التلفزة التونسية كيف تعج بالمحتفلين بخطاب السيد الرئيس..." وكان ذلك جزء من خطة صممها النظام للانقلاب على الثورة وهي قاب قوسين او ادنى من لحظة القطاف بالاشارة الى صبيانه ومرتزقته من ضعاف النفوس كي يحتفلوا في الشوارع عل الشعب يجاريهم وعل المحتجين يفقدوا الامل. هذا مادفع بالقوى الثورية (صاروا في هذه المرحلة يستحقون هذا الوصف) يسابقون الحزب الحاكم للاستحواذ على الشارع منذ الصباح الباكر لمنع الارتداد الى الوراء ، وبالفعل كان يوم 14جانفي يوما مشهودا في تاريخ هذا البلد وتاريخ الامة وربما على المستوى الكوني حسب مانرى من مؤشرات.
الغرب صار مهتما بالواقع الثوري التونسي اهتماما محموما منذ يوم 14جانفي وحين اذاع الاعلام نبأ طائرة الجنرال بن علي وهي تحوم في الاجواء بحثا عن ملاذ. لانعرف مستويات ومضامين التواصل مع الهيئة التي استلمت مؤسسات الدولة العليا وفيما اذا كانت الدول الغربية قد حاولت تمرير اشياء للسيد الغنوشي من باب التموقع من جديد. هذه منطقة مغلقة قد تفتح ذات يوم ليس ببعيد. ولكننا نثق في ان الاجهزة الغربية السياسية والامنية وجدت نفسها في حرج كبير : كيف يحدث ماحدث دون ان يكون المقود بيدها ..؟..ودون ان تعدل موقفها جذريا من مافيا بن علي في وقت متقدم ، وبل منذ ان وقفت على فقدانه الاساس الشعبي ولو بدوغمائيته المعهودة او التي تعرف ؟. مستوى احراجي ثان : على من نراهن اليوم في تأمين مصالحنا ؟..وهو احراج يتعلق باستشراف ادوات الهيمنة الجديدة التي ستكون بالضرورة بقوى جديدة وباسلوب جديد.
مالاحظناه ان حركة النهضة الاسلامية اطلقت اشارات ايجابية لامريكا وفرنسا وللوبيات القوى المعادية بلا استثناء ، بل للغرب بلااستثناء. غير ان الامانة التحليلية تقتضي منا طرح السؤال التالي : هل كانت الحركة تتصرف على اساس المبادئ ام على اساس طرف يتهيئ لاستلام الحكم ؟..وهل ان تصرفها مشروع في حالة وغير مشروع في اخرى ..؟ اولا نستبعد ، على اساس استبطان النوايا ، وبقطع النظر عن شذرات مخيفة في التاريخ السياسي للحركات الاسلامية ان تكون النهضة تؤمن فعلا بان القوى الغربية صديقة لشعبها ولامته. نستبعد ان تكون آملة فعلا في قدرة الغرب على ان يتحول الى طرف ايجابي بعد تاريخه العدائي الطويل لامة العرب والاسلام. ولكنها تكون قد خاطرت بمستقبلها السياسي وبطموحها السياسي المشروع كقوة سياسية شعبية مناضلة لو انها اطلقت اشارات سلبية تنبئ بان الغرب عدو وانه مطالب بالتكفير عن ذنوبه وجرائمه قبل ان يعامل معاملة الشريك. اذ قد يعرضها هذا الخيار الى التآمر في وقت لايزال يتسع للمؤامرات فينسد امامها الطريق وعندها لن تكون وحدها الخاسرة بل شعبها ايضا وعلى وجه الخصوص من وجهة نظرها. ان حركة النهضة الاسلامية وهي تستضيف الوزيرة كلنتون وتقدم لها الورود في وقت تصب فيه نار جهنم على العاصمة طرابلس كان خيارا سياسيا قاسيا ولكنه كان شاهدا- كما ارى- على انها تعلمت ممارسة السياسة وفق خلفية امنية سياسية وليس وفق الخلفية الايديولوجية. قد يقول قائل بانها تساند الغرب في حربه على ليبيا لاعتبار ايديولوجي. اقول صحيح . صحيح ان القرابة الايديولوجية لادوات ساركوزي في ليبيا موجودة. ولكني اظل استبعد انه كان من شانه ان يجعل علاقتها بامريكا وفرنسا مطعمة بشيئ من الود. كان هذا الود والابتسامة الصفراء ضمانة مقابلها ان لايعمل الغرب على قطع الطريق امام الصندوق الانتخابي اوان لاتصدر عنه حركة انقلابية تمنعها من الشرعية الانتخابية.
ونشير الى ان الغرب كان يتحسس افكار الاسلاميين وخياراتهم السياسية وفي الآن نفسه كان يعد بدائل وان باحساس بالخيبة واليأس. لقد راهن على الحزب الديمقراطي التقدمي وعلى حركة التجديد وعلى احزاب متولدة عن حزب بن علي ومجموعات ليبيرالية فرنكفونية توفر لها قناة نسمة الرعاية الاعلامية والمعنوية. الغرب كان يميل الى محاصرة حجم وفعالية القوى القومية التي تعرضت الى المحاصرة الاعلامية الشديدة وتكفلت قناة نسمة بتشويه هوية شعب تونس واطلاق تنظيرات سخيفة ومضحكة ومقززة تستبعد العروبة والاسلام وتقلل من دورهما التاريخي في تشكيلها. والمحصلة ان القوى الغربية كانت ترتب في رهاناتها المستقبلية الاحزاب والقوى على النحو التالي: الليبيراليين(قوى تجمعية) 2/ الديمقراطي التقدمي 3/التجديد 4/ التكتل (طرف في التريكا)5/النهضة 6/المؤتمر من اجل الجمهورية(طرف في التريكا) 7/ حزب العمال الشيوعي التونسي 8/ القوى القومية. غير ان القوى التي كانت تفضل فوزها خسرت الانتخابات مثلها مثل القوى التي تعتبرها راديكالية. فوجدت نفسها امام تحالف ثلاثي يتخذ من حركة النهضة الاسلامية كعنوان. لكن هل يمكن القول ان هذه الحركة تمثل ضمانة لمصالح الغرب في تونس اليوم ؟ الاجابة عن هذا السؤال تقتضي منا طرح سؤال آخر منهجي : هل عمل الغرب على نجاحها في التحدي الانتخابي ؟
ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في فوز حركة النهضة : اولا، تاريخها النضالي وعمقها الشعبي وحرفيتها التنظيمية. فهي قارعت نظام بورقيبة في آخر ايامه ونظام بن علي طول ايامه اذا ما صرفنا النظر عن فتور نضالي مبرر في بعض الفترات. قدت شهداء وضحايا وسجناء ومطاردون وممنوعون من الحياة. وكانت تمثل المسن الذي يمضي عليه الجنرال سيفه بحيث تجاوزها القمع ليطال مناضلي الصف الثاني من القوى الاخرى. واشارة امينة ان عناصرها كانوا حذرين ايام الثورة ولم ينزلوا الى الشارع بشكل واضح- وبقرار حزبي كما يبدو- الا في اليوم الاخير. ثانيا ،ضعف القوى القومية وتشتتها ، فجسدها تنخره المماحكات الايديولوجية والفرديات المنتفخة واساليب العمل التي اكل عليها الزمن وغص بها وكادت ان تعجل القيامة. فضلا عن الانحراف السياسي للكثير من عناصرها ودخولهم الى حزب الجنرال في سنوات الجمر ليس اتقاءا للبطش كما كان يفعل اعضاء حركة النهضة بل كان طمعا في الفتات ، وهذا ينطبق ايضا علىكثير من عناصر القوى اليسارية الماركسية. لم تكن العائلة القومية متوافقة على رمزية الشهيد صدام ولا على شرعية الحرب على ليبيا ولا ايضا على الخطر الفارسي على الامة وكثير من القضايا والملفات السياسية كانت تتباين فيها المواقف بحسب تعدد الفرديات المرجعية. هذا الواقع ترك موضوعيا مساحة واسعة للنهضة كي تستقطب كل من يتعاطف مع خطاب الهوية. ثالثا، آداء خصومها من الليبراليين الفرنكفونيين والقوى التي تسمي نفسها ويسميها الاعلام المعادي للهوية العربية الاسلامية :" قوى ديمقراطية تقدمية "، خلال الفترة التي سبقت الانتخابات وخلالها وبالتحديد منذ 15جانفي 2011. حيث اعتمدت استراتيجية الهجوم على حركة النهضة الهجوم على كل ماهو عربي اسلامي باسلوب فيه الكذب والتضليل والسخرية والتشويه وتسويق الخوف من احتمالات فوزها على الحرية والديمقراطية والمرأة وعلى نمط عيش مختلف الشرائح الاجتماعية. ويكفي ان نذكر هنا بث قناة نسمة الفيلم الايراني المدبلج المسيئ للذات الالهية تحت عنوان حرية الثقافة والفكر والابداع. كما نذكر اقتحام مجموعة من الليبراليات اجتماعا للحركة خلال شهر رمضان الكريم وهن يدخن السجائر ويرتدين لباسا لايحترم اساسيات ديننا ولا قيمنا القومية وما الى ذلك من الجهالات التي استفزت عموم الشعب واحدثت استجابة عكسية بحيث صوت اغلب الناس الى النهضة بدافع الدفاع عن هويتهم ودينهم وتأمين مناخ قيمي ونمط ثقافي يرتضونه لابنائهم يكون منسجما مع عمقهم الحضاري.
اما عن المال القطري او الدعم اللوجستي الامريكي فهي مواقف تحتاج الى ادلة اثبات وان كنت ارجح كونها قذائف انتخابية هوائية ودعاية لااعتقد ان اصحابها سيتجنبونها لوصحت فيما اذا كانوا يتمتعون بثقل حركة النهضة وحقيقة تاثيرها في الواقع السياسي التونسي. وان كل مايقال عن الاموال الطائلة التي تمتلكها هي في الواقع معاليم قصاصات الانتماء و تبرعات المنتمين والتي تعادل مبلغ ثلاثون دينارا على الاقل. فباعتبارها الحركة الاوسع شعبية فانه من الطبيعي ان تكون الاكثر اموالا وهذه شهادة بنضاليتها وليس تشكيكا في وطنيتها. وفي المحصلة فان النهضة استغلت معطيات موضوعية ذاتية واخرى تتعلق بالواقع السياسي القطري لتنجز صعودها الى ادارة المرحلة الانتقالية الثانية والاشراف على المهمات التاسيسية للواقع القطري الجديد. وان كل مايتعلق بمواقفها من الدول الاخرى انما املاه طموحها وليس مبادئها ولا اعتقد ان هذا غباءا او خيانة رغم اني قد لااتفق معها في هذا انطلاقا من عقيدتي القومية على اساس ان المبادئ لاترسم الاهداف القصوى فقط بل تقود ايضا اداء المرحلة. وان السلوك السياسي يجب ان يوضع تحت ضغط المبدأ والهدف كليهما حتى لايحدث خللا في الاداء.
الامكانية الاخرى لاستحواذ الغرب على ثورة الكرامة – طالما اننا استبعدنا الفعل في فعالياتها و دعم القوى الفائزة في التحدي الانتخابي – هو ان يحتويها ويدفع نحو مسار يبعد القوى الحاكمة في الفترة التاسيسية عن اهدافها. فهل نراه يفعل هذا بالفعل ؟
لقد قدمت حركة النهضة والتريكا الحاكمة تشكيلة حكومية تجمع بين المصداقية الثورية والنضالية والكفاءة. حتى ان وزير التعليم العالي لما وضعت الوزارة تحت تصرفه ثلاثة سيارات مرسيدس قام بارجاعها لها مصحوبة بدفتر وصولات البنزين المجاني واصر على استعمال الشاحنة التي كان يتعاطى بها تجارة بيع الخضار والخرفان في سنوات الجمر علما انه كفاءة عالمية في الرياضيات وقد منعه نظام الجنرال من العمل الجامعي والعلمي في الجامعة التونسية وفي الجامعات الاجنبية. ويروى انه كان يمد امن الجنرال المراقب لبيته بالماء البارد خلال الصيف. وقد رفض جميع وزراء حركة النهضة الكثير من امتيازات الحقائب الوزارية ومنها قيمة الجراية الشهرية. اما رئيس الجمهورية وهو من حزب المؤتمر من اجل الجمهورية فقد تبرع بثلاثين الف دينار لصندوق دعم التشغيل من جرايته الرئاسية الشهرية وابقى على الفي دينار فقط كما اصر على السكن بفيلا داخل القصر وقرر بيع القصور الرئاسية الاخرى للغرض ذاته...هذا يولد انطباعا منصفا وعادلا وامينا بان المشرفين على مسار البناء الثوري أمناء عليه وانهم خير من يستحق الاشراف على البناء. ان البناء يحتاج الى تخطيط والى تعويل على امكانيات البلد الذاتية واعتماد منهج يسمح باستقلالية القرار والمسار، كما يحتاج الى وقت وصبر ووعي ووفاء والى قناعة بالقيم الديمقراطية التي تبيح للفائز حق تنفيذ برنامجه الانتخابي اذ لاجله انتخب ووفقه يحاسبه ناخبوه. وبان من لايرضيه اسلوب الفائز في ممارسة رؤيته في البناء عليه ان يقنع الشعب ببديله ويعد للتحدي الانتخابي القادم على مبدأ ان يقنع الناخبين ببرنامجه اذ عبر اقناع الناخب وباسلوب التحكيم الانتخابي وحده يكون التداول على السلطة. غير اننا مانعيشه اليوم انه بدل ان تركز المعارضة على تحشيد الطاقات والهمم للخروج من مرحلة الاضطراب الامني والريبية السياسية نحو واقع طبيعي يسمح بممارسة الشعب لحياته بشكل طبيعي وفي اطاره تفجر الطاقات وتصحح المسارات نراها تضلل الشارع وتزج به في متاهات العصيان المدني والامني وتجميد نشاط الاقتصاد الوطني واثارة النعرات الجهوية والمناطقية والتحفيز على المطالبات العبثية والفاضحة بحيث يضعون التريكا الحاكمة امام امرين : اما عرض البلد للبيع او الاستقالة والعودة الى نقطة الصفر. يعني صار هدف افشال النهضة مقدما على هدف نجاح الثورة وتقدمها نحو اهدافها. هدف افشال النهضة مقدما على هدف عودة اعتبارية الدولة وهيبة القانون وامن المجتمع. هدف افشال النهضة مقدما على مطلب الكرامة الذي لاجله قامت الثورة. اقول هنا : يمكن ان تكون معاديا للاسلاميين في المطلق ، ولحركة النهضة بشكل خاص، لكن يقتضي حال الوطن ومصلحة الشعب ان تعلق ممارسة العداء الى حين. او تقضي القيم الديمقراطية ان تعمل تحت ادارة الفائز وان كنت تمقته وتخونه. لكن توفر لك هذه القيم سبل الاحتراب واطره. ولو تاملنا محاور نشاط المعارضة فاننا نجدها مشبوهة : رفض اللباس الديني في المؤسسات الخدمية العامة ، اتهام النهضة بمعادات السامية ، الاحتجاج على وزراء النهضة حتى قبل ان يباشروا مسؤولياتهم ورفض اي اجراء يعتمدونه في ايامهم او ساعاتهم الاولى، وقد راينا انه في يوم تسلم الوزراء لمهامهم كانت امام كل الوزارات تجمعات احتجاجية تطالب الوزير الجديد بالرحيل لدعاوى لاقيمة لها وضالمة بل وتافهة . علما ان القوى الخاسرة صرحت بنزاهة العملية الانتخابية وسلامتها. وصل الامر الى حد التنديد بزيارة المجاهد اسماعيل هنية لتونس . تلك الزيارة التي تجاهلها اعلام منبت وتائه في الوقت الذي احتفل فيه انصار النهضة في المطار بكاميرات هواتفهم. اعلامنا الذي تجاهل اسماعيل هنية والحشود التي هبت لاستقباله بشعار : الشعب يريد تحرير فلسطين بينما احاط بالوزير جوبي لانه وزير فرنسا راعية الانبتات والفرنكفونية وضرب الهوية . حرضوا جرحى الثورة وجيشوهم ودفعوهم الى تجريد انفسهم من القيمة الرمزية لمنجزهم من لحمهم ودمهم بحيث تحول الامر الى بيع لتلك الرمزية في المزاد العلني، رغم استجابة الحكومة للكثير من طلباتهم التي لوكانوا يفقهون لما طلبوا اكثر من العلاج والاعتراف الرسمي وتأمين رمزيتهم ضد النسيان. وحتى لااعمم ، اسوق حالة مختلفة ، في معهدنا عامل بسيط اصيب بثلاثة كسور خلال الثورة في ساقه ، وحين اتصل به البعض ليطلب اموالا رفض ان يدرج اسمه ضمن المطالبين وفضل حسب تصريحه ان يبقى الامر ذاكرة له ولمن بعده من نسله وللاشارة لم يشأ ان يطلب شيئا من احد لاماديا ولا معنويا وهذا عن طيب خاطر ووعي منه. لماذا لم تتحرك احزاب المعارضة كلما اغلقت مؤسسة انتاج او كلما احرقت ادارة او مصلحة حكومية او كلما اشتعلت الحرب بين احياء او عشائر (عروش)..؟؟..لماذا لم تتحرك ميئات الجمعيات وعشرات الاحزاب التي حصلت على التاشيرة بعد الثورة لتخفيف العبء على موظفي الادارة التونسية الذين يتعرضون الى الاهانة والضرب والتهديد في كل آن..؟؟..اليس هذا عمل وطني في هذه الظروف الصعبة..؟؟..ماهي الظروف التي يحتاجك فيها الوطن ايها السياسي او الناشط المجتمعي ..؟؟..كل هؤلاء ينتظرون فشل النهضة واستقالتها لانهم يحقدون على الصندوق الانتخابي الذي افرزها كقوة فائزة اكثر من حقدهم على نظام الجنرال بن علي بل وصل الامر ببعضهم الى القول بانها اسوأ من التجمع على الرغم من كونها اكثر من تلقى قمعه ونالها بطشه ، وكونها لم تستولي على الحكم وانما فازت في التحدي الانتخابي ، ورغم كون الحكم انتقالي ومحدود بسنة.
تلك المعارضة هي الفاشلة في الانتخابات . اغلبها يتمتع برعاية فرنسا وامريكا واسرائيل. ويتمتع بدعم اعلام لايدرك من الثورة غير رحيل بن علي. المثير في بعضها ان برنامجها السياسي هوافشال النهضة ، من اجل حرية الافطار في شهر رمضان. حرية التعري في شهر رمضان . حرية العهر بمعانيه كلها وفي الوقت كله. وعلى راسه العهر السياسي الذي يقعون فيه دون ان يدركوه.
تلك هي المؤامرة
ووراءها ضعف في التكيف مع معطيات المرحلة...و السفارات
ولسوف تفشل..ويفشل معها الفاشلون مرة اخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.