هل ورث «شباب التوحيد» وظيفة «أنصار الشريعة» في تونس ؟ مواقع جهادية كثيرة موجودة في موزعات آسيوية وأغلب الإرهابيين يستعملون «موزعات جسور» لتفادي الأثر حسب «معهد واشنطن» الأمريكي المتخصص في إعداد دراسات استراتيجية في العالم تتعلق بالمصالح الأمريكية فإن المجموعات التونسية المعروفة في الانترنات باسم «شباب التوحيد» هي شكل جديد ومراوغ لتنظيم «أنصار الشريعة» المحظور والمرتبط بمجموعات جهادية مماثلة في ليبيا والعراق. وفيما أعلنت الحكومة عن نيتها إنشاء قطب قضائي متكامل لمقاومة الإرهاب يتضمن خلية لمقاومة ما تسميه «الإرهاب الالكتروني»، مع ما يعني ذلك من توظيف توظيف تقنيات الاتصال في الإرهاب، يرى العديد من العارفين بخفايا عالم الانترنات صعوبة تحقيق ذلك خاصة أن أغلب الدول تفضل سياسة الانفلات الظاهري في الانترنات «لإخراج الثعابين من جحورها أولا» على رأي خبير فرنسي يعتقد أن أكبر خطإ تقترفه الحكومات هو إغلاق منابر الجهاديين في الانترنات، لأن تلك المواقع والمنتديات والشبكات، ما تزال أهم مصدر لمعرفة أخبارها ونواياها العملية والتنظيمية وخصوصا لاختراقها. القتال بالأنترنات في بحث صغير عن مجموعات «شباب التوحيد» في مواقع التواصل الاجتماعي، نجد أنفسنا حائرين أمام الكم الهائل لهذه الجمعيات في تونس، مع اختلاف نبرة الدعوة إلى الجهاد بينها، لكن يمكن أن نلاحظ بسهولة كثرة انتشارها وتبنيها علنا أو ضمنيا القتال في تونس ضد السلطة ورموزها أو ضد المواطنين العاديين حتى أن بعض المراقبين يقولون إن «القتال بالانترنات» أصبح ظاهرة واضحة في تونس. وقد أدت حالة الانفلات العام التي شهدتها بلادنا بعد الثورة إلى تنامي الفوضى في شبكة الانترنات وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ساحة بلا مراقبة ولا قوانين وظهرت إلى العلن مجموعات تكفيرية كثيرة لا تتردد في نشر أدبياتها ودعواتها للقتال ضد «جند الطاغوت» في تونس. وقد كشفت عمليات التحقيق في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي أن الانترنات كانت وسيلة التواصل المفضلة للتنسيق بين نشطاء المجموعات الإرهابية، كما أن خطط السفر للقتال في سوريا بدأت في أغلبها عبر شبكة الانترنات في مرحلة الإقناع والتأطير، ثم للتواصل مع ممثلي الحركات الجهادية سواء في تونس أو في المشرق. وغني عن الذكر أن شبكة الانترنات تتيح إمكانيات غير محدودة للاتصال عبر العالم في سرية باستعمال هويات حركية وهمية ومجانا مع إمكانية تغيير الهويات ومواقع الانترنات بشكل مستمر بسهولة كبيرة بدل مخاطر استعمال الهواتف التي تسهل مراقبتها واقتفاء أثرها الجغرافي ومعرفة هويات مالكيها وحتى تحديد مكان استعمالها بدقة جغرافية تصل إلى بضعة أمتار. تحديات تقنية يجب أن نعرف أولا ان هذا النوع من الإجرام، يتمثل في نشر ثقافة الإرهاب والتكفير والتحريض والتواصل بين المجموعات وتبادل المعلومات وإعطاء الأوامر بتنفيذ عمليات إرهابية، وكذلك نشر معلومات حول طرق صنع القنابل والمتفجرات والأسلحة الكيميائية بمواد بسيطة تباع في المتاجر ودروس في نصب الكمائن والتخطيط للتفجيرات في الأماكن العامة. يجب أن نذكر أيضا أن القوانين القديمة التي استصدرها نظام بن علي لمراقبة الانترنات لم تعد صالحة للوضع اليوم، ليس فقط لأن أغلبها سالب للحريات العامة وفيه تعسف جماعي على الناس وانتهاك لحقوقهم، بل لأن التطور المذهل في تقنيات التواصل يطرح على رجال القانون والمحققين تحديات جديدة ذلك أن القوانين القمعية السابقة أصبحت بلا معنى إزاء التطور التقني والتوسع المذهل لاستعمال الانترنات في تونس مع انتشار هواتف الجيل الثالث من جهة، وتوفير الاتصال العمومي بالشبكة عبر المقاهي والنزل المنتشرة في كل مكان، يضاف إلى ذلك انتشار ثقافة الانترنات وحتى لغات البرمجة لاختراق الشبكات وحسابات التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني وغيرها. وسوف يجد المشرعون والمحققون في تونس أنفسهم أمام تحديات تقنية عويصة، ذلك أن الكثير من المواقع التي يستعملها الجهاديون هي في موزعات منتشرة جغرافيا في دول آسيوية بعيدة، ليس بينها وبين تونس أية اتفاقيات قانونية ولا شيء يجبرها على أن تسلم القضاء التونسي الرقم الموحد لعنوان بروتوكول الاتصال Internet Protocol، وهو الحاسوب الذي تم استعماله للدخول إلى شبكة الانترنات بما يسمح بمعرفة المزود بخدمة الانترنات ومنه معرفة هوية حريفه وعنوانه. كما أن أغلب المجموعات الجهادية أصبحت تملك خبراء في الانترنات يحسنون مراوغة المراقبة عبر استعمال «موزعات جسور»، تزيد في تعقيد عملية اقتفاء الأثر. وعليه، فإن القضاة والمحققين سيجدون أنفسهم أمام تحديات كثيرة بعضها تقني، وبعضها الآخر تشريعي يتطلب قوانين جديدة تتفادى انتهاك حريات الناس وحقوقهم، وتسمح بالوصول إلى مروجي المضمون الإرهابي أو الداعي إلى الإرهاب.