واصل أمس أعوان الحماية المدنية وإدارة الغابات مجهوداتهم لاخماد الحريق الذي اندلع عشيّة أول أمس بغابات منتزه النحلي من منطقة أريانة والذي أتى على 38 هكتارا وذلك بعد تجدّد إندلاع النيران في أكثر من مكان الشيء الذي بعث شكوكا حول أسباب الحريق خاصة أن الأعشاب والأشجار التي أتى عليها الحريق حسب روايتهم هي من النباتات كثيرة الرطوبة والتي يصعب أن تندلع فيها النيران بسهولة ممّا ولّد مخاوف لدى سكان الأحياء المتاخمة الذين فضل بعضهم مغادرة منازلهم توقّيا ممّا قد لا تُحمد عقباه جراء انتشار الحريق واقترابه من منازلهم. «التونسيّة» تحوّلت أمس على عين المكان فكان الريبورتاج التالي. قال محمّد بلغيث من متساكني المنطقة إنّه وزوجته فضلا الهروب من المنزل وعدم قضاء الليلة به خوفا من أن يختنق إبنهما الرّضيع خاصّة انّ ألسنة اللهب باتت قريبة جدّا من مقرّ إقامتهما ولا شيء ينبئ بأنّ الأمور ستسير على أفضل ما يكون لأنّ ما عاينه على حدّ تعبيره ينذر بكارثة قائلا «اللي شفناه يوحي إنّو الجبل باش يرحل» مضيفا أنّ مخاوفه انبعثت بعد أن رأى الدخان قد ملأ المنطقة بأكملها ووصل عنان السماء وأنّ ألسنة اللهب في تصاعد ومن عدّة جهات مؤكدّا أنّ ذلك كان منذ أن وطأت قدماه المنطقة في حدود الخامسة والنصف من مساء أول أمس وتواصل حتى ساعة متأخرة من الليل. «هربنا من الدار» وأضاف بلغيث أنّ وحدات الجيش حاصرت المنتزه لكنّه استنكر ان يتمّ إرسال طائرة وحيدة لإخماد الحريق في الوقت الذي يتطلّب فيه الأمر تعزيزا اكثر للسيطرة على ألسنة اللهب منوّها في الآن نفسه بمجهودات أعوان الحماية المدنية لأنهم رغم استعصاء المسألة عليهم وتفرّق النيران في اكثر من مكان تمكّنوا من إحكام السيطرة عليها في ساعة متأخرة من الليل وظلّوا مرابضين بالمكان ليكونوا بالمرصاد لأيّة شعلة نار يمكن أن تندلع وتتمادى. و اشار بلغيث إلى أنّ طريقة اندلاع النيران تحيل على عديد الشكوك لأنها حسب رأيه لم تكن عادية إذ سرعان ما اشتدت وتفرّقت بمناطق عدّة رغم عدم هبوب الرياح. الشيء نفسه أكّدته احدى المتساكنات التي خيرت عدم ذكر إسمها والتي قالت إنّ مخاوف المتساكنين اشتدّت أكثر فأكثر عندما بدأت ألسنة اللهب المتصاعدة تقترب من منازلهم موضّحة أنها قضت الليلة في منزل أحد أقاربها لأنّها فضّلت الهروب بحفيدتها خوفا من الإختناق أو إنفجار قنوات غاز جرّاء الحريق مؤكّدة أن بقيّة المتساكنين ساعدوا رجال الحماية المدنية والجيش على إخماد النيران. تفادي الكارثة أمّا قيس التابعي عامل بالمنتزه ومتواجد منذ ليلة أول أمس على عين المكان فقد قال إنّ الوحدات المتواجدة سيطرت على الحريق بعد ساعات طويلة من إندلاعه مبديا تخوفّه من تجدد إندلاعه بسبب هبوب الرياح. و أثنى التابعي على مجهودات رجال الجيش الوطني والحماية المدنية وأعوان إدارة الغابات مؤكدا انه لولاهم لحدثت كارثة ولامتدّ الحريق إلى المناطق السكنيّة خاصّة أنّ ألسنة اللهب اقتربت جدّا من العمارات المحاذية كما أكّد انّ السكان لم يبخلوا بالمساعدة وأنهم شاركوا في إخماد الحريق بالوسائل المتاحة لهم. الشيء نفسه أكّده طارق رزيق عامل بالمنتزه حيث قال إنه كان حاضرا منذ إندلاع الشرارة الأولى موضّحا أنّ الحريق شبّ في البداية في «سانية» محاذية للمنتزه ثم انتقل إلى أشجار الزيتون ليتمادى وينتشر في الغابة ويظلّ قرابة الساعة قبل أن تصل الحماية المدنية التي تحركت ما إن علمت بالحريق. و اوضح رزيق أنه كان من أوّل المتصلين بالحماية المدنيّة وأنّه انتظرهم في مدخل حيّ النصر مستبعدا اندلاع الحريق تلقائيا قائلا: «الدخان كثر وفي ساعة لهبت الدنيا الكلّ... مستحيل تصير وحدها». «خطأ في التدخّل» من جانبه قال عون من إدارة الغابات امتنع عن ذكر إسمه انه تم اشعار إدارة الغابات عن طريق أبراج المراقبة منذ الثالثة والنصف مساء وانها تدخلت لكنّ تدخّلها كان خاطئا كما أكّد انّ الإمكانيات التي كانت بحوزتهم لم تكن كافية ليتمكّنوا من السيطرة على الحريق موضّحا انّ ألسنة النيران تصاعدت قبل أن يحل رجال الحماية المدنية. و أشار المتحدّث إلى أنّ النقص في التجهيزات وفي عدد الأعوان ساهم بشكل كبير في عرقلة السيطرة على الحريق رغم توفّر المعلومة منذ البداية مؤكّدا أنّه كان بالإمكان تفادي كلّ تلك الخسائر لو كانت الإمكانيات متوفّرة وكان التدخّل في محلّه. من جهته قال وسام مذيوب من متساكني المنطقة إنّه لا وجود لحالات اختناق بين المتساكنين رغم الدخان المتصاعد مؤكّدا انّ أغلبهم خرج لمعاضدة قوات الجيش وأعوان الحماية المدنيّة وإدارة الغابات وأنّ الحركية تواصلت حتّى ساعة متأخرة. أمّا كمال الشيخاوي سائق تاكسي فقد اكّد انّه كان متواجدا على عين المكان لحظة إندلاع الحريق وأوضح أن النيران كانت على شكل خطّ متصل ببعضه البعض لدى اندلاعها وأنّها اشتدّت في الوسط لتتوزّع في مناطق أخرى مؤكّدا أنّ سرعة اللهب تدلّ على انّ الحريق كان بفعل فاعل مستبعدا أن تكون سيجارة وراء ذلك. «التحقيق جار» من جهته أكّد يوسف السعداني مدير عام الغابات ل «التونسيّة» أنّ النيران أتت تحديدا على 38 هكتارا من مساحة غابة النحلي حسب آخر المعلومات موضحا انّ هذا الرقم خاص بالمساحة التي أتت عليها النيران منذ عشية الخميس مشيرا إلى انّ الحريق تجدّد أمس على مستوى نقطتين وان أعوان الحماية وأعوان إدارة الغابات تمكّنوا من السيطرة عليه. وأشار السعداني إلى انّ المعطيات الأوّلية تدلّ على أن المسألة ليست طبيعيّة وأنها يمكن ان تكون بفعل فاعل مؤكّدا آن الأبحاث ستحسم في ذلك في القريب العاجل خاصّة أن فرقة من الامن العمومي ومن الحرس الوطني قد تكفّلت بالأمر لمعرفة الحقيقة. ونوّه السعداني بالدور الذي لعبه أعوان الحماية المدنية وبالتعزيزات التي دعّمت القوات المتواجدة على عين المكان إضافة إلى ما قدّمه الجيش الوطني كما أكّد انّ المعدّات والتجهيزات كانت كافية لكنّ صعوبة الولوج إلى بعض الأماكن التي كانت تتطلّب تدخّلا يدويا ساهمت في انتشار الحريق مشيرا إلى أنّ اعوان الغابات كانوا بكثافة لأنّ التعزيزات وصلت إلى غابة النحلي من ولايات تونس الكبرى الأربع مضيفا أنّ العمل تمّ بالتنسيق مع بقيّة المتداخلين وانّ الجميع على قدم وساق للسيطرة على أيّة شرارة يمكن أن تندلع مجدّدا. ليلى بن إبراهيم