بقلم: جيهان لغماري نعم! ومهما كانت أسماء الفائزين ومهما تفرقت نِسَبُ نجاحهم بين المرتفع والمتوسط والضعيف، لا بد من حكومة وحدة وطنية تجمع كل الفاعلين السياسيين لتسيير المرحلة الدائمة القادمة المقدّرة بخمس سنوات. ليست المسألة ضربا من التأويل أو التحليل، إنها ضرورة قصوى آن الأوان ليضعها السياسيون كأولوية مطلقة. كل ما وقع من مطبّات وأزمات خلال المراحل الانتقالية المتعاقبة أثبت أنّ سرعة الاصطفاف وراء مفهوميْ سلطة ومعارضة رغم هشاشة الأوضاع في كل المجالات، لم يزد الأمور إلا احتقانا وزاد خاصة في تدهور الأوضاع الحياتية للمواطنين مع أنّ جوهر العمل السياسي هو خدمتهم. فإذا أضفنا إلى ذلك ثقل تركة النظام السابق، يصبح من المستحيل على أيّ طرف مهما كان وزنه، أن يستوفي في برامجه واستراتيجيته وإنْ كانت متميّزة، حَلَّ كل «المآسي» الموجودة أو حتى مجرد الانطلاق في معالجتها. ماذا لو لم تسرع الأحزاب التي لم تحقق النتائج المرجوّة في أكتوبر 2011 إلى إعلان نفسها معارضة وعلى الفائزين أن يكونوا سلطة؟ ماذا لو قبلوا الحوار مع الفائزين للوصول إلى حكومة وحدة وطنية حقيقية؟، وماذا لو قدمت النهضة وقتها اقتراحات أخرى مطمئنة وعملية لتنجح في إقناعهم؟، هل كنا لنصل إلى هذا الانفلات الشامل: إرهاب، اغتيالات، تدهور المؤشرات الاقتصادية، مطلبية اجتماعية مفهومة ومبرَّرة ولكنّها مشطّة، ارتفاع الاحتقان الشارعي، رداءة الخدمات الصحية، أزمات في التعليم، رياضة بلا جمهور، ساسة من كل التيارات تحت حراسة مشددة، إدارة مكبّلة وضجيج في الخطاب السياسي لا ينتهي. طبعا ليس من الإنصاف تحميل الطبقة السياسية كل شيء ولكن حتى المشاكل المتأتية من تراكمات سنوات النظام القديم ازدادت حدّتها وليس من السهل البدء في معالجتها في جوّ محتقن بين سلطة تمارس عملها بأسلوب «قولوا ما تشاؤون وأنا أفعل ما أريد» ومعارضة تتصيّد النوايا قبل الأفعال و«معيز ولو طاروا». صحيح أنّ اجراء الانتخابات في موعدها سيحملنا إلى مرحلة دائمة ولكن على المستوى القانوني فحسب وستبقى على أرض الواقع مرحلة انتقالية بامتياز لأنّ الانطلاق في معالجة الأوضاع الهشّة لا يعني انتفاءها في غضون أشهر لأنّ العصا السحرية المزعومة لا يملكها لا الفائز القادم ولا الخاسر!، وإذا فتحنا مشاكل كل قطاع على حدة، لأدركنا أنّ التشخيص والتمحيص ثم وضع الحلول الممكنة فتفعيلها حسب الامكانيات الموجودة، لا يقدر عليها عقل (حزب) واحد بل يتطلّب التقاء أكثر ما يمكن من العقول (الأحزاب) حتى يتحمّل الجميع مسؤولياته أمام المواطن بعيدا عن أريحيّة الجلوس على الربوة واستغلال عواطفه وتجييشها لخلق توترات شارعية غير محسوبة العواقب. على المستوى النفسي عند المواطن، عندما يجد أمامه حكومة جامعة لأغلب الأطياف السياسية، لن يطالب بأمور تعجيزية لأنه نفسيا سيعتبر قرارات هذه الحكومة الجامعة أقصى ما يمكن فعله ما دامت تمثل نتاجا لكل الأحزاب لا بعضها ومن ثمّ سيثق فيها وسيتجاوب مع سياستها حتى وإن تطلّب الأمر تضحية وقتية منه. هذا الأمر سيبعد شبح الانفلات الكلامي والشارعي ويمضي بنا رويدا رويدا نحو الاستقرار النهائي للانغماس بكل جد في العمل الدؤوب من أجل الوصول إلى تونس جديدة ممكنة لكل أبنائها وأيضا أحزابها!