جيهان لغماري قد يبدو مبكرا جدا تقديم النصائح ودروس الوعظ والتنبيه للحاكم القادم، ولكنّ ممارسات طبقتنا السياسية من اليمين مرورا بالوسط ووصولا إلى اليسار، علّمتنا ألا نهنأ بوعودها ولا نركن إلى الابتسامات الصفراء المتبادَلة أمام عدسات الإعلام. لذلك خاصة أننا ننتظر نتائج الجلسات المخصصة للقانون الانتخابي بما فيها من اقتراحات ومناورات مع أنّ هذا القانون لا يقل قيمة عن الدستور من حيث ضرورة كتابة فصوله بعيدا عن شخصنته ووضعه على مقاس الانتخابات القادمة فحسب يبدو من البداهة تذكير سياسيّينا بوقائع وأحداث عشناها منذ الثورة إلى اليوم لعلهم يحسنون قراءتها لو أسعدتهم الصناديق بمفاتيح قرطاج أو القَصَبة. اعْلم أيها الحاكم القادم أنك وبعد التطاوس بفوزك الباهر، لن تحكم أبدا! إذا تصوّرت للحظة، بل لثانية أنّ مرتبتك الأولى كفيلة بأن تعطيك حق الخطإ والتخبّط والكلام الخشبي عن الشرعية والصندوق. ثمّ عليك، وهذا لمصلحتك وخوفا عليك، تذكّر أنّ فوزك لفترة محددة ومع مشروعية ذلك قانونيا ودستوريا وشكليا، لا يعني انتهاء المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد لأنّ الحراك الاجتماعي والإصلاحات المستوجب القيام بها والقضايا الحارقة كالإرهاب والتنمية والتعليم والصحة والبنية الأساسية تتطلب زمنا لا يقلّ عن سُلطتيْن أو أكثر حتى تستقرّ الأمور نهائيا. حينها فقط يمكن «التبجّح» بشرعية صندوقية. أمّا إذا تمسّكتَ بعصاها منذ اليوم الأول، فتوقّعْ بل تأكّدْ أنّ موجة التحوّلات التي يعيشها المجتمع التونسي لن تترك لك فرصة للإقناع وستحاسبك حتى على هفوة بسيطة فماذا أنت فاعل؟، هل ستواجه الناس بالعصا الغليظة والمغالاة في التمسك بنتائج الصندوق؟. سيدي الحاكم القادم سواء في القصبة أو في قرطاج، راجع كل الأحداث بعد الثورة لتعرف أنّ فوزك بنسبة عادية، لنقل مثلا 30 % ستجعلك رئيسا لا للذين انتخبوك بل وأساسا لل 70 % الذين لم يصوّتوا لك وهي نسبة تتجاوز أنصارك بكثير، فكن رئيسا للجميع ولا تحصر قراراتك و«حسناتك» في قلة دون أخرى. والأهم من كل ما سبق، أن يدرك الجميع دقة المرحلة ومتطلباتها التي تُختصَر أساسا في أنّه لا حاكم يحكم وحده، بل لا بد من سلطة توافقية تجمع أقصى ما يمكن من الأحزاب ولتكن مثلا حكومة تجمع الفائز مع أصحاب المراتب المتقدمة والنتائج المتوسطة وأيضا الأخيرة. السلطة القادمة ستكون للحزب الفائز كمن يحمل جمرة يحترق بها ولا حلول فردية لديه إلا إذا جمع كل الفرقاء ليشاركوه أهوال المشاكل المتراكمة وحقائق الأمور المفزعة ومِن ثَمّ مشاركتهم له في إيجاد الحلول الموضوعية والممكنة بعيدا عن حلّ الصراخ والاحتجاج الطفولي والتلذّذ بمشهد النار مع أنها حارقة للجميع حاكما ومعارضة ومحكومين. نعم يا سادتي، قبل أن تنطلقوا في سباقكم نحو الصندوق، تذكروا جيدا أنه مهما كانت نتائجكم، لن تعطيكم اليد الطولى والطمأنينة إلا بقدر حرصكم على خلق توافق واسع بينكم في الحُكم القادم لأنه الوحيد القادر على إعادة الاستقرار الحقيقي.