سؤالي للسلطات التونسية: «ماذا فعلتم من أجل 500 «حارق» تونسي معتقل في ايطاليا؟ أكثر من 40 ألف تونسي «حرقوا» منذ الثورة منهم 405 معتقلين في أماكن سريّة لم نتلق أيّ دعم من الدولة ونرفض أيّة مساعدة أجنبيّة حاوره: عبد الرزاق بن رجب شاكر ساسي متصرف رئيس بوزارة التعليم العالي. لم تمنعه مهامه وارتباطاته المهنية الكثيرة من الانخراط في العمل الجمعياتي واختار مجالا يتطلب تضحيات مادية وجسدية مضنية وهو العمل الاجتماعي من خلال تأسيسه مع ثلة من الناشطين الجمعية التونسية للوقاية من الهجرة السرية التي يرأسها وقد قامت هذه الجمعية الفتية بعدة أنشطة في تونس وخارجها. في هذا الحوار الحصري مع « التونسية» سيحدثنا شاكر ساسي عن بعض الجوانب المجهولة في هذه المعضلة التي تحولت إلى ظاهرة بامتياز. لو تعرف لنا جمعيتكم وأهم الأنشطة التي تقومون بها؟ تأسّست الجمعية التونسية للوقاية من الهجرة السرية يوم 31 جانفي 2013 (تاريخ اشهارها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية) وهي جمعية ذات صبغة عامة تهدف إلى مساندة الجهود الرامية للحد من ظاهرة الهجرة السرية لما لها من تأثيرات سلبية على الأرواح والأموال. أنجزت الجمعية منذ تأسيسها ورغم قلة مواردها المالية عدة نشاطات منها ما هو توعوي تحسيسي موجه لشريحة عمرية بين 15 و25 سنة بمناطق جرجيس وتطاوين وصيادة ومنها ما هو علمي كدعم بحوث جامعية ذات الصلة(أطروحة دكتورا ورسالة ماجستير) وكذلك تنظيم يوم دراسي حول أسباب الهجرة السرية وملتقى مغاربي للبحث في السبل الكفيلة للحد من هذه الظاهرة وبالإضافة إلى ذلك ينكب أعضاء الجمعية على إعداد قاعدة بيانات دقيقة تحضيرا لبعث مرصد وطني للهجرة السرية كما تمكن جل أعضاء الجمعية من زيارة مناطق العبور داخليا ومراكز الإغاثة والإيواء خارجيا بمنطقتي لامبيدوزا وكالابريا في إيطاليا وتقدمت الجمعية بداية شهر جوان الجاري بمشروع نشاط لدى فرع منظمة الأممالمتحدةبتونس لتبني حالات من الشباب الذين حاولوا الهجرة السرية أو تراودهم الفكرة من أجل إسنادهم ودعمهم لبعث مشاريع صغرى. رغم حداثة سن الجمعية فإنها كما ذكرتم قامت بعدة أنشطة مكثفة وذات أهمية. هل تتلقون دعما داخليا او خارجيا وما شكله؟ موارد الجمعية تتأتى أساسا من مساهمة أعضائها علما أن الميزانية السنوية لم تتجاوز 4 آلاف دينار لكنّنا تمكنا من إنجاز عدة نشاطات بفضل روح التضحية والاجتهاد لدى جل المنخرطين. وتعاني الجمعية حاليا من عجز يقدر ب 3 آلاف دينار تونسي لم ننجح في جمعها بعد ولقد سعينا منذ السنة الفارطة لطلب الدعم من الجهات الرسمية التونسية(رئاسة الجمهورية وكتابة الدولة للهجرة ) ولم ننل أي دعم ونحن نعرف سبب غلق الأبواب الذي يعود لعدم تبعيتنا لأي طرف سياسي وهو أمر ملتزمون به . أما بالنسبة للدعم الخارجي فنحن نعتبره ضربا من التسول الرخيص أو العمل وفقا لأجندات معينة وهذا موجود ونرفضه قطعيا. هل تعتقد أنه لو قمتم بتأسيس جمعية يمكن الاستفادة منها في الجانب الدعائي الحزبي أو الدعوي الديني لتهافتت عليكم التبرعات؟ هذا التداخل بين ما هو جمعياتي دعوي ديني أو دعائي حزبي للأسف موجود وهو ينخر المجتمع المدني الذي نريده حرا نزيها محايدا ومستقلا. هذا النوع من الجمعيات هو أشبه بالشركات التجارية ونحن نفضل المدني بكل ما فيه من تضحية ونبل وندعو السلطات الرسمية لفتح هذا الملف الخطير إن كانت لديها الجرأة ونحن على يقين أن عديد المشاكل التي عاشتها البلاد في الفترة التي تلت الثورة مردّها مال مشبوه دخل البلاد عن طريق هذه الجمعيات. خلال زيارتكم الميدانية لمناطق العبور هل لاحظتم ما يشد الانتباه؟ هل عاينتم أوضاعا تستحق التدخل؟ مناطق العبور في جلها موانئ صيد بحري أو موانئ مهملة وخلال زيارات ميدانية قمنا بها شد انتباهنا أن إمكانية الإبحار خلسة تجاه الضفة الأخرى قد تتم بشكل طبيعي على أساس أنها رحلة صيد عادية. نحن لا نتهم قوات الحرس الوطني بالتواطئ أو غض الطرف ولكن لا بد من قرارات سياسية وفرض إجراءات عملية كفيلة بتأمين حراسة جدية للسواحل أو على الأقل الموانئ وهو أمر ليس بالعسير تنفيذه. خلال زيارتكم الأخيرة لإيطاليا ماذا عاينتم بخصوص وضعية المهاجرين العالقين بهذا البلد؟ أود من خلال الإجابة على هذا السؤال أن أبعث بثلاث رسائل أولها إلى شبابنا الحالم بتونس والذي قد تخامره فكرة الهجرة السرية لأقول له إنّ وضعية شبابنا العالق بإيطاليا سيئة للغاية جلهم في مراكز تشبه المعتقلات وقليل منهم خارج هذه المراكز وهم في وضعية يأس وتشرد وعرضة لاستقطاب عصابات المافيا التي لا تريد لهم خيرا. أمّا رسالتي الثانية فهي موجهة للسلطات الإيطالية ولها أقول:كفاكم ما تفعلونه بأبنائنا ألم يحن الوقت للإفراج عنهم نحن نعي جيدا أنها ورقة ضغط لديكم تتاجرون بها. وأخيرا لديّ رسالة للسلطات الرسمية التونسية:أكثر من 500 شاب تونسي معتقل لدى السلطات الإيطالية مصيرهم مجهول ماذا فعلتم من أجلهم؟ هل لديكم أرقام حول عدد المهاجرين سنويا وكذلك أعداد المفقودين أو الذين أعلنت وفاتهم رسميا؟ يُعبر عن فشل محاولة الإبحار خلسة بمقولة «من لم تبتلعه البحار تعتقله الشرطة» أكثر من 40 ألف شاب تونسي أبحروا خلسة تجاه الضفة الأخرى منذ اندلاع الثورة ولم تفلح السلطات الأمنية سنة 2011 في إحباط محاولات من هذا القبيل وصرحت السلطات الإيطالية بغرق حوالي 200 شاب ولم تشأ الإعلان رسميا عن عدد المعتقلين ويقدر عددهم بحوالي 405 شبان معتقلين في أماكن سرية ما يزال أولياؤهم يجهلون مصيرهم وينتظرون عودتهم لاسيما أن لديهم ما يفيد وصولهم أحياء إلى التراب الإيطالي. في هذا الموضوع الحسّاس من الصعب جدا أن تجد إحصائيات دقيقة فمن أين تستقون أرقامكم ومعلوماتكم؟ مسألة الإحصائيات مسألة دقيقة وحساسة وليس من السهل أن تجد قاعدة بيانات واضحة ودقيقة ولقد وجدنا صعوبات كثيرة في إنجاز ذلك. راسلنا هذه السنة السيد وزير الداخلية الذي وافانا وهو مشكور على ذلك ببعض الأرقام قمنا بالتدقيق فيها مع عمدة لامبيدوزا ومدير مركز الإسعافات بنفس المنطقة كما أفادتنا الناشطة زينة كشط بعدد المعتقلين وهي تتابع باجتهاد هذا الموضوع ونحن نثق في عملها. أود أن أوجه تحية شكر وعرفان لوسائل الإعلام خاصة المكتوبة منها التي أعطت مسألة الإحصائيات الأهمية اللازمة وواكبت بجدية هذا الملف وقد قام أعضاء الجمعية بجمع أكثر من مائة مقال يحتوي معطيات إحصائية. ذكرت منذ حين أن كل «الحارقين» أو المنظمين يدركون خطورة هذا الأمر فماهي دوافعهم للإقدام على هذا الأمر؟ دوافع الهجرة السرية سواء خوضها أو تنظيمها هي دوافع كلاسيكية معروفة تتمثل في تأزم الحالة المادية والاجتماعية عند الشباب ورغبتهم في غد أفضل ما يزالون يتصورونه ممكنا في بلدان الوجهة ولكن من الأسباب ما هو مسكوت عنه وغير مفكر فيه كالانقطاع المبكر عن الدراسة وارتفاع نسبة الأمهات العازبات اللاّتي مازال مجتمعنا يرفضهن فالهجرة السرية لم تعد فقط حلما ذكوريا... كذلك ضعف الثروة السمكية بسبب تلوث الشريط الساحلي أفرز جيلا جديدا ينظم رحلات الإبحار خلسة من أجل تعويض قوارب باهظة الثمن مايزال أصحابها مورطين في تسديد أثمانها وما تزال الظاهرة متواصلة إزاء سلبية السلطات الرسمية في الأخذ بيد هذا الشباب الحالم في ظل تواصل غياب حلول تنموية كفيلة بتأمين غذ أفضل. لو توضّح علاقة الأمهات العازبات بموضوع الهجرة السرية؟ خوض معترك البحار لم يعد يخيف النساء في تونس والهجرة السرية لم تعد فقط حلما ذكوريا وهناك من النساء التونسيات من يعانين من مشاكل اجتماعية كأن تجد الواحدة منهنّ نفسها في وضعية طلاق أو أم لابن طبيعي وما يزال المجتمع يرفض الأخذ بيد هذه الشريحة فتلجأ الأمّ العازبة بعد اليأس لإيجاد إطار أرحب يسعفها بحياة كريمة. للأسف تعاني النساء أثناء المغامرة على متن قوارب الموت من مضايقات تصل حد الاغتصاب الجماعي وهذا للأسف مسكوت عنه... كيف تعاملت السلطات الرسمية مع هذا الموضوع؟ قبل الثورة كان ملف المهاجرين السرّيين ورقة ضغط تستعملها السلطات الرسمية في علاقتها ببعض بلدان الحوض المتوسطي ولم تشأ أن توجد لها حلا وإثر الثورة تعاملت السلطات الرسمية بسلبية مع الموضوع. أذكر أن السيد رفيق عبد السلام وزير الخارجية السابق لما سئل عن مصير بعض المفقودين على إثر إحدى رحلات الهجرة السرية صرح أن هناك «جثثا في حالة وفاة» (! ) أما رئيس الجمهورية فقد ألقى بباقة ورود ثم التزم الصمت أما السيد حسين الجزيري كاتب الدولة للهجرة السابق والذي جمعنا به لقاء في مكتبه وهو مشكور على حسن الاستقبال فقد ذكر لنا أن ظاهرة الهجرة السرية في تونس قد انتفت كليا...ودون تعليق هذا يلخص كيف تعاملت السلطات الرسمية مع الملف. اكتفيت بالحديث عن حكومة «الترويكا» فهل كان تعامل حكومة السبسي مع هذا الملف أكثر جدية؟ في فترة حكومة السيد الباجي قائد السبسي أكد لنا أحد شهود العيان في منطقة جرجيس أن غض الطرف عن محاولات الإبحار خلسة نحو الضفة الأخرى أثارت الريبة وهناك من ذهب إلى فرضية تسهيل المسألة للشباب حتى لا يواصل ضغطه داخل البلاد. لماذا تعتبر إيطاليا بالذات الوجهة الرئيسية للهجرة السرية؟ إيطاليا ليست الوجهة الرئيسية وإنما هي كذلك منطقة عبور بحكم قربها الجغرافي والمهاجرون السريون عبر البحر يتوجهون أولا إلى إيطاليا على أمل مغادرتها إلى بلد أوروبي آخر لأن الجميع يعلم أن الوضع الاقتصادي بهذا البلد ليس على ما يرام ثم ان السلطات الإيطالية هي الأخرى تدرك ذلك وتضغط بهذا الملف على بقية بلدان الوجهة كفرنسا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا. كيف تتعامل السلطات الإيطالية مع وفود المهاجرين؟ يسوق إعلاميا أن السلطات الإيطالية حريصة على حسن المعاملة بدءا بالاستقبال في مراكز الإسعاف وصولا إلى الوضع بمراكز الإيواء في انتظار تحديد الهويات وتسوية وضعية اللجوء لطالبيها ولكن عديد المؤشرات تفيد العكس كآخر فيديو مسرب من مركز لامبيدوزا والذي يظهر تعاملا غير إنساني مع المهاجرين السريين وصولا إلى اعتقال العديد في مراكز إيواء تشبه السجون وهو ما تؤكده الناشطة زينة كشط التي تبذل مجهودات كبيرة في متابعة وضعية المعتقلين من الشباب التونسيبإيطاليا علما أن الاعتقال في حد ذاته جريمة في حق الإنسان لأنه من المفروض التصريح بهوياتهم وأماكن تواجدهم لاسيما أن السلطات الإيطالية تتلقى أموالا طائلة من المنظمات العالمية من اجل حسن التعامل مع هؤلاء. يقال إن جزءا كبيرا من اقتصاد بعض المدن الإيطالية يقوم على الهجرة السرية هل هذا صحيح؟ نعم بالفعل لقد كان لنا لقاء في شهر فيفري المنقضي مع صاحب مطعم في لامبيدوزا، سألناه عن علاقة السكان بالمهاجرين السريين وموقفهم من الموضوع فأجاب أن عمله يزدهر بقدوم وفود المهاجرين السريين انطلاقا من شهر ماي من كل سنة لأنهم ينفقون ويساهمون في حيوية اقتصادية بالمنطقة وهم مرحب بهم حسب قوله ولا يجب أن نغفل كذلك عن أن السلطات الإيطالية تتحصل على اموال كبيرة من المنظمات العالمية قصد الإهتمام بهذا الموضوع من الجانب الإنساني ولكن مقدار النفقات أقل بكثير من حجم الموارد والدعم. يفهم من كلامكم انه ليس من مصلحة السلطات الإيطالية القضاء نهائيا على هذه الظاهرة؟ الأكيد أن السلطات الإيطالية تستفيد من الظاهرة بشكل أو بآخر ولقد فسر بعض المتابعين لملف المفقودين المعتقلين أن السلطات الإيطالية لا بد لها من رهينة حتى تواصل مسكها لهذا الملف خاصة إذا ما علمنا أن بعض بلدان الوجهة تفكر في عرض موضوع استقبال وإيواء المهاجرين السريين على بلدان أخرى منها تونس وتركيا. ماذا بخصوص برامجكم المستقبلية ؟ يقال «إن المال قوّام الأعمال» ونحن ليس لدينا مال ولكن نعد بالتضحية والاجتهاد ونعتزم إتمام حملة تحسيسية وطنية شرعنا في انجازها وسنحاول تبني بعض الوضعيات من الشباب اليائس من أجل التأطير وتأمين تكوين والتدخل لفائدتهم لبعث مشاريع صغرى. هل ستتقدمون مباشرة بملفات طلب الدعم إلى المؤسسات الرسمية وما هي شروطكم لقبول التبرعات من الجهات الخاصة؟ سنسعى لطلب ما يخوله لنا القانون من دعم من ميزانيات المؤسسات الرسمية ذات الصلة وهي ليست هبة ولا منة ولكن نعتبر أنفسنا شريكا جديا في معالجة الظاهرة ولا بد لنا من مال حتى نُنجح برامجنا. أما التبرعات من الجهات الخاصة فنقبلها متى كانت عن حسن نية وتعبر عن إيمان بما نقوم به دون شروط.