يعتبر قطاع نقل البضائع من أهم القطاعات الحيوية في جميع دول العالم، وإذا كانت البلدان المتقدمة قد أوجدت سبلا أكثر مرونة في التعامل مع هذا المجال بشكل مقنن يعود بالنفع على الدولة وعلى كل الأطراف المتدخلة فيه من مستثمرين وعاملين.. ففي تونس لا يزال هذا القطاع يتخبط إلى يوم الناس هذا في مجموعة من المشاكل والعراقيل التي تعوق تقدمه ولعل أبرزها المشكل الأخير الذي أثاره أصحاب شركات نقل البضائع بين المدن من الذين قرروا تنفيذ إضراب عام عن العمل يوم 26 من الشهر الجاري بكافة ولايات الجمهورية احتجاجا منهم على احتجاز المصالح الديوانية لعدد من الشاحنات بتعلّة عدم قانونية السلع المحمولة على متنها وعدم خضوعها لإثبات المصدر. «أن تؤدي الوحدات الديوانية واجبها في التصدي للتهريب وتطبق القانون على المهربين فهذا أمر ضروري نؤيده بل ونباركه.. أما أن تقوم وحدات ديوانية بفتح الحدود للمهربين وتغض الطرف عن تجارتهم التي أغرقت السوق بالسلع المهربة، وتركز كل اهتمامها على أصحاب شركات نقل البضائع بين المدن حد استهدافهم دون غيرهم فو الله هذا هو الظلم بعينه...» هكذا لخص سفيان الحمامي كاتب عام شركات نقل البضائع بين المدن وصاحب شركة نقل،معاناة اغلب أصحاب شركات النقل خاصة انه لا يكاد يمر يوم – حسب سفيان - دون ان تحجز فيه وحدات ديوانية شاحنة أو تغرم سائقا بخطية مالية تعويضية عن جرائم تهريب لا ناقة له فيها ولا جمل على حدّ تعبير سفيان. وان لم ينف بعض الخروقات التي يرتكبها بعض سائقي شاحنات نقل البضائع بين الفينة والأخرى، فقد استغرب كاتب عام شركات نقل البضائع بين المدن، سبب حجز الوحدات الديوانية للشاحنات التابعة لشركات نقل البضائع بين المدن بتعلة عدم خضوع السلع المحمولة على متنها لإثبات المصدر في حال ما إذا استظهر السائق بكل الفواتير والوثائق التي تثبت طهارة ذات يده من أي فعل إجرامي تهريبي، مضيفا: «أولا نحن لا نتجاوز حدود الوطن حتى نقول أننا نقوم بالتهريب وفي أي الاتجاهين ،و حتى ان تجاوزنا صلاحياتنا وبذلنا ما بوسعنا للحصول على الوثائق التي تثبت مصدر هذه السلع والجهة المزوّدة بها، فإن الوحدات الديوانية عادة ما تحمّل السائق كل المسؤولية إذا ما تبين عدم تطابق بين الوثائق والبضاعة المحمولة». وفي سياق متصل، قال فاضل بن حمزة صاحب شركات نقل بضائع بين المدن، ان سائقي شاحنات نقل البضائع يتعاملون مع الوحدات الديوانية بكل رحابة صدر من دون أن يبدوا أي اعتراض على الاجراءات الديوانية الصادرة ضدهم وان كانوا مظلومين – على حد تعبيره -، مضيفا: «نعمل في كنف الوضوح والشفافية ونستقل الطرقات الرئيسية المعروفة، فلماذا يحملوننا مسؤولية بضاعة مهربة دخلت إلى تراب الجمهورية بطريقة غير قانونية وبعلم بعض رجال الديوانة؟». وأضاف فاضل بن حمزة ان «الوحدات الديوانية تتبنى توجه الدولة في تعبئة مواردها من إثقال كاهل سائقي الشاحنات البسطاء بالخطايا بدلا من إتباع سياسة فرض الاداءات والتي لا تدر أرباحا على الدولة كالأرباح المتأتية من الخطايا» - حسب قوله -. 275 مليونا خطية من اجل 10 أكياس... فما المقياس؟؟ عندما تذرف عين الرجل دمعا فاعرف ان المصاب الذي حل به عظيم..بعينين أغرورقتا دمعا وبصوت حزين روى بشير الوكيل سائق شاحنة ل«التونسية» قصته مع الوحدات الديوانية قائلا: «من اجل 10 أكياس ملابس مستعملة كلفني حريف بنقلها من بن قردان إلى صفاقس، قامت الوحدات الديوانية بتغريمي الأسبوع الماضي بخطية قدرها 275 ألف دينار.. من أين لي بهذا المبلغ الضخم وأنا الذي انفق العمر بين الولايات وأغامر بحياتي في الطرقات بشكل يومي من اجل بعض الدنانير التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟؟ أريد أن اعرف المقياس الذي اعتمدوه لإصدار هذا الحكم في حقي». بدوره، تساءل نزار قويعة سائق شاحنة عن المقياس المعتمد في تحديد قيمة الخطية التي يطالب سائق الشاحنة بدفعها في حال ما اذا ثبت عدم خضوع السلع التي يحملها إلى إثبات المصدر،مضيفا: «شخصيا غرمت بخطية قدرها 10 آلاف دينار لقاء بعض السلع التي كنت بصدد نقلها من فوسانة إلى صفاقس.. مقارنة بزميلي بشير الوكيل يعتبر هذا المبلغ زهيدا ولكن من أين لي ب10 آلاف دينار والحال أنني لم افرغ بعد من دفع أقساط شراء الشاحنة عن طريق شركة الإيجار المالي ؟». ولماذا التعطيل؟ أما جلال الجربي سائق شاحنة نقل بضائع،فلم يختصر معاناة السائق في قيمة الخطية بل تعداها إلى طول مدة احتجاز الشاحنة التي يرى فيها تاثيرا جدّ سلبي على السائق وان لم تتعد قيمة الخطية مئات الدنانير، متابعا: «من اجل خطية ب 500 دينار لقاء زيادة في الحمولة قبعت شاحنتي في الاحتجاز لأكثر من الشهرين لم يدخل فيهما جيبي ولو فلسا واحدا والحال انني مطالب بدفع ثمن الشاحنة لشركة الايجار المالي». وطالب الجربي الوحدات الديوانية بتحديد نوعية السلعة او الحمولة والكمية التي ينبغي على السائق ألا يتجاوزها قبل أن تقوم باحتجاز الشاحنات بصفة «عشوائية» – على حد تعبيره -، مشددا انه مع قانون واضح يضبط للسائق السلع التي ينبغي حملها حتى تكون مطابقة للمعايير من حيث النوعية او الحجم او الوزن... كما أوضح الجربي، ان السلع التي يتم حجزها في الشاحنة تكون عرضة للإتلاف جراء طول فترة الاحتجاز، مطالبا بالتسريع في إجراءات تمكين السائق من شاحنته بعيدا عن أساليب التعطيل المعتمدة في حال ما إذا تم تسوية الوضعية – حسب قوله -. مشكل مزدوج من جانبه، شدد الطيب الوريشي سائق شاحنة نقل بضائع على ان احتجاز الشاحنات من قبل الوحدات الأمنية يزيد من حجم المشاكل التي يلاقيها السائق في هذه الحالة، مؤكدا ان احتجاز الشاحنة يتسبب في انقطاع السائق عن العمل بالإضافة إلى تحميله المسؤولية من قبل صاحب البضاعة المحجوزة ومن المصالح الديوانية ومن قبل شركة الايجار المالي في حال ما اذا لم تدفع اقساط الشاحنة». وبالاستفسار عن مدى صحة الاتهامات التي كالها اصحاب شركات نقل البضائع بين المدن للوحدات الديوانية ،اكد النقابي الديواني الرائد محمد الغضبان ان بعض ما يردده سائقو الشاحنات عار من الصحة تماما، مؤكدا ان القانون يقتضي احتجاز وسيلة النقل والبضاعة اذا ما تبين ان السلع مهربة او غير خاضعة لاثبات المصدر، مشددا على أن الإجراءات التي تتخذها الوحدات الديوانية ضد المهرب او السائق او الحريف... هي إجراءات قانونية مائة بالمائة ولا غبار عليها. اما عن سبب احتجاز شاحنات النقل لمدة قد يطول أمدها في بعض الحالات ،فقال الرائد محمد الغضبان ان سبب احتجاز وسيلة النقل يعود الى اعتبارها احسن ضمانة لخلاص الخطية. كما طالب الرائد محمد الغضبان المصالح الديوانية بلفت النظر الى الاسواق الكبيرة التي تعج بالسلع المهربة ،مطالبا اياها بالعمل على تطهير الاسواق المحلية من «الحيتان» التي تنعش عمل هذه الاسواق بالمواد المهربة وبالممنوعات قبل القاء القبض على مواطن بسيط اشترى هذه السلع الموجودة اصلا عن حسن ظن وتطبيق القانون عليه بكل صرامة.