سجّل الدينار التونسي أمس رقما قياسيا جديدا بنزوله إلى أدنى مستوياته حيث تهاوى لأول مرّة في تاريخه إلى 2,3د مقارنة بالعملة الأوروبية الموحدة (الأورو) و1,7د مقارنة بالدولار الأمريكي وهو ما جعل خبراء الإقتصاد يدقون ناقوس الخطر الفعلي إيذانا بالدخول في المنعرج الإقتصادي الأخطر منذ ثلاث سنوات. وقد فسّر الخبير الإقتصادي محسن حسن في تصريح ل«التونسية» أسباب ما وصفه بالتراجع المحير للعملة المحلية بأسباب هيكلية وأخرى مباشرة مشيرا إلى أن قيمة الدينار تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي ومستوى التوازنات المالية للدولة خاصة وأن المنحى التنازلي للدينار لم يتوقف منذ الثورة رغم الاستقرار النسبي الذي شهده مباشرة إثر تولي حكومة مهدي جمعة الحكم. و أعتبر حسن أن تهاوي قيمة الدينار هي النتيجة الحتمية لالتقاء عدة عناصر أهمها عجز ميزانية الدولة وعجز الميزان التجاري وتراجع نسبة النمو الناجم عن تعطل كل محركات خلق الثروة وهي الاستثمار والاستهلاك والتصدير. أما في ما يتعلق بالأسباب المباشرة فقد أكّد الخبير الإقتصادي أن تدهور قيمة العملة المحلية مرتبط أساسا بعجز الميزان التجاري الذي وصل إلى مستويات خطيرة مسجلا شهريا عجزا في حدود 1100 مليار منذ بداية السنة إلى الآن وذلك نتيجة عجز الميزان الطاقي والغذائي وتراجع صادراتنا من الفسفاط أحد أهم مصادر العملة الصعبة. وبما أن عجز الميزان التجاري يموّل بالعملة الصعبة فإن الطلب الإضافي على الأورو أو الدولار سيؤدي إلى ارتفاع السعر نتيجة لارتفاع الطلب حسب محسن حسن. السبب المباشر الثاني حسب نفس المصدر هو تراجع مصادر العملة الصعبة نظرا لاسترجاع القطاع السياحي لمستوياته العادية مقارنة بسنة 2010 وتراجع تحويلات التونسيين بالخارج نتيجة الأزمة الإقتصادية في الدول الأوروبية. التأثيرات المرتقبة تراجع قيمة الدينار بنسبة 3,65 بالمائة مقارنة بالدولار الأمريكي و 3,5 بالمائة مقارنة بالأورو ستكون له حسب ما أكده الخبير الإقتصادي محسن حسن تأثيرات تضخمية متواصلة كما سيؤدي إلى مزيد تدهور القدرة الشرائية للمواطن إلى جانب تراجع القدرة التنافسية للمؤسسات الوطنية وارتفاع خدمة الدين الخارجي وهو ما يشكل تهديدا كبيرا للمالية العمومية. وعلى خلاف ما يتوقّعه البعض استبعد حسن أي أثر إيجابي لتراجع سعر الدينار مؤكدا عدم تطابق قاعدة إرتفاع العائدات في هذه الحالة مع الوضعية الحالية للإقتصاد التونسي وذلك لعدم عودة الانتاج إلى مستوياته المعهودة متكهنا بصعوبات جديدة على مستوى المالية العمومية. الخبير الإقتصادي الذي نبه إلى حساسية الوضع قال إنّ تونس لا يمكن أن تتجاوز هذا الظرف إلا بعودة الإنتاج والاستثمار إلى نسقيهما العاديين وإقرار إصلاحات إقتصادية عاجلة لتنقية البيئة الاستثمارية ودفع التصدير مشيرا إلى أن الكلمة المفتاح لهذه المرحلة هي الاسثمار والتصدير واكتساح الأسواق الجديدة ، كما دعا حسن إلى ضرورة تسهيل الإجراءات الإدارية ودعم المصدرين مع ترشيد التوريد بالاقتصار ظرفيا على المواد الأساسية لوقف نزيف العملة .