جمال كرماوي ككلّ سنة تحدث التخمة.. إنها «الميسرة» التي توزّع على «العاطلين» وباب رزق لمواهب جائعة.. التنافس هذه السنة كان محموما وشرسا.. والمشكلة هي أن التنافس لم يرتق بالأداء والإقناع والمضمون.. المنافسة كانت على من يغرق أكثر في الإسفاف والمزايدة والمبالغة.. عنف شديد بكل المعاني بالكلمة.. بالحركة.. الشرّ هو البطل.. الأغنياء أوغاد وفاسقون والمجرمون أبرياء لأنّهم فقراء.. وهناك جلد للمرأة التي أخرجت آدم من الجنّة.. نسينا حكاية التناصف. أحيانا تشعر أنك في كولومبيا.. حشيش وأسلحة وسيارات رباعية الدفع تذكرنا ب«دون كورليوني».. صحيح أنّ الصورة تطوّرت في هذه المسلسلات ولكن هذا على حساب المشاهد الذي في رمضان بالذات يريد أن يرى نفسه في هذه المسلسلات.. «التجارة بالأعضاء» و«العصابات الدولية».. وكل ما هو زبالة مثل تعاطي المخدرات والدّفاع عن مريديها خطاب يدعو إلى ضرب قيم عائلية لأنّ المشاهدين ليسوا كلهم كهولا.. زد على ذلك الإيحاءات الجنسية.. وحتى المباشرة «سلّفني مرتك».. المشكلة هي أن كتاب المسلسلات على قلتهم يعتمدون في كتاباتهم على الصدمة المثيرة لمزيد شدّ المشاهدين وكلما زاد المشاهدون عددا زادت الإعلانات وكلّما زادت الإعلانات تأتي الأموال.. وينسون أنّ الشاشة تلمّ كلّ أفراد العائلة.. وهناك طرق فنيّة أقلّ فضاضة لتمرير الرّسائل.. والحال أنّ التونسي لمّاح ويفهم ولا يحتاج إلى مترجم.. وحتى لا أظلم البعض فإنّ ما يفعلونه جريمة في حقّ أولادنا.. التونسي يريد أن يرى صورته في الشاشة.. مرت ثلاث سنوات على «الثورة» ولا شيء تغيّر.. أين تداعيات الثورة في هذه المسلسلات.. التي لم أر فيها شيئا عن الوضع.. لم أر شخصا ملتحيا أو امرأة منقّبة.. في دور ثقيل.. لم أر مسيرة سلمية أو عنيفة.. لم يحشروا السياسيين والحال أنهم سادة المشهد اليوم.. القصص الكبرى تقتلع من أرضنا حتى نتبنّاها ونناقش فيها.. «يزّي» من القصور والمسابح.. يزي من عرض الأزياء.. نريد أن نرى أنفسنا فحسب.