علمت «التونسية» من مصادر مطلعة من داخل «الجبهة الشعبية» أن خلافات بدأت تطفو على السطح بل تتعمق يوما بعد يوم منذ فترة بين قيادات وأحزاب هذه الأخيرة وتحديدا بين «حزب العمال» و«حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد». وأكدت مصادرنا أن الخلافات التي تشق صفوف «الجبهة» تمظهرت بصورة جلية مؤخرا في اجتماع مجلس الأمناء العامين الذي احتضنه مقر «حزب العمال» منذ أيام حيث لوحظ غياب حمة الهمامي وهو ما ترك عدة نقاط استفهام. كما سجل انسحاب وفد حزب «الوطد» من جلسات الاجتماع بقيادة أمينه العام زياد الأخضر على خلفية اختلاف في وجهات النظر والطروحات حول القائمات الانتخابية ورئاستها تحول فيما بعد إلى خلافات وتجاذبات بلغت حدود التشنج بين مختلف الأطراف المكونة للجبهة. وقالت مصادر «التونسية» أن انسحاب حزب «الوطد» جاء على خلفية تمسكه باعتماد طريقة أو منهجية واضحة إضافة إلى معايير قبلية لاختيار القائمات ورؤسائها والاعتماد على مرشحين لهم إشعاع نضالي وسياسي وجماهيري عريض في الجهة أو الولاية التي سيمثلونها. في حين ترى الأطراف المقابلة أنه لا بد من اعتماد كل حزب قائمة معينة في الجهة التي يرى أنه الأصلح بالتمركز فيها مما ينتج عنه تمترس كل جهة بمرشحها وبقائمتها الخاصة حسب «الوطد». وأضافت مصادرنا أن الخلافات بين مكونات «الجبهة الشعبية» وخصوصا بين حزب «العمال» و «الوطد» لا تقتصر فقط على تباين في وجهات النظر حول القائمات الانتخابية بل حول الزعامة التي ترى بعض الأطراف من «الوطد» أنها يجب أن تكون بيد حزب الشهيد وأن البساط سحب من الحزب بعد أن كان في المقدمة وفي مراكز القيادة زمن الشهيد شكري بلعيد الذي كان من أول المؤسسين للجبهة والداعين إلى تأسيس حزب اليسار الكبير. في ذات الغرض أكدت بعض القواعد الجبهوية ل «التونسية» أن تململا كبيرا قديما متجددا خيّم على أنصار هذه الأخيرة في الجهات بسبب ما أسموه أخطاء قياداتها في التعاطي مع تداعيات المشهد السياسي وخصوصا بعد دخول «الجبهة الشعبية» في مفاوضات مع حركة «النهضة» تحت لواء الحوار الوطني ومشاركتها في تظاهرات ضد الإرهاب مع أطراف تعتبرها القواعد مسؤولة عن تفشي هذه الآفة والاغتيالات السياسية التي طالت رموزها السياسية, حيث ترى معظم قواعد الجبهة أنها «أخطاء قاتلة» وأنها لم تكن لتحدث لو بقي شكري بلعيد على قيد الحياة. القواعد المذكورة عبّرت أيضا عن استيائها من غياب التنسيق والتشاور بينها وبين القيادات وندرة الزيارات التي يؤديها هؤلاء إلى المناطق الداخلية مقارنة بعدد الزيارات الميدانية المتعددة والمتكررة التي كان يقوم بها شكري بلعيد من شمال البلاد إلى جنوبها وهو ما دعا المنتسبين ل «الجبهة» إلى المطالبة بعقد مؤتمر داخلي تحضره أغلب قواعدها منذ شهر مارس المنقضي والذي لم ير النور إلى غاية اللحظة رغم أن الدعوة إلى عقده ما زالت متواصلة. ويبدو أن المخاض الذي تعرفه «الجبهة الشعبية» بعد فقدان أبرز قياداتها ترافقه صعوبات في الاندماج وفق مشروع سياسي وانتخابي موحد لا سيما وأن الجبهة تضم عدة أطياف وطروحات مختلفة من اليسار الاجتماعي واليسار القومي واليسار الوطني التقدمي وغيرها. ولعل فسيفساء هذه الاختلافات وإن لم تكن ظاهرة للعيان بنحو جلي أصبحت لا تخفى على أحد لا سيما بعد انسحاب حزب «تونس الخضراء» الذي اتهم رئيسه الناطق الرسمي باسم الجبهة حمة الهمامي بالدكتاتورية والسعي إلى نيل الكراسي حسب تعبيره. ومن الثابت أيضا أن حلم اليسار الكبير الذي دعا وأسس له الشهيد شكري بلعيد يواجه صعوبات على مستوى الاندماج قد تنعكس سلبا على وحدة مكونات الجبهة وقدرتها على إيجاد تقاطعات جامعة وموحدة بين مختلف الأطراف والمشارب وهو ما يمكن تلافيه وتجاوزه إذا تم تقريب وجهات النظر وسد باب الفرقة بتقديم تنازلات من هذا الطرف أو ذاك وإذا تم الاتفاق المبدئي على الخطوط والخطط المبدئية الكبرى لأنه من المنطقي والأكيد أن عديد القوى السياسية الأخرى قد تستفيد من سقوط «الجبهة الشعبية» في مثل هذه المطبات.